التقت وتقاطعت إرادة المجتمع المدني وانتظاراته أخيرا وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إذ دعا بقوة وقناعة عميقة من خلال « نقطة يقظة» إلى إعطاء دفعة جديدة وقوية للحياة الجمعوية بما يمكنها من المساهمة بفعالية في تنمية المملكة.
وقد تركت هذه الدعوة أثرا طيبا في نفوس النخب المدنية، لما تضمنت من فهم عميق لدينامية المجتمع المدني وتشخيص دقيق للإكراهات والمعوقات البنيوية والمالية والمادية التي تحول دون أداء الجمعيات لدورها في التنمية والتأطير والتعبئة.
وفي هذا السياق، سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بلغة شديدة اللهجة، أن واقع حال تنزيل الورش التحولي الهام يظل دون طموح وانتظارات مختلف الفاعلين» مذكرا بمرور ثلاث عشرة سنة على التضمين الدستوري للمجتمع المدني، وإطلاق مبادرتين وطنيتين لمواكبة الدور الجديد المخول للجمعيات في حكامة الشأن العام ومسلسل اتخاذ القرار.
وللإشارة فالمبادرة الأولى التي عول عليها منذ 2012 لإعطاء دينامية جديدة للفعل الجمعوي سميت بدينامية إعلان الرباط، تم تلاها سنة 2013 « الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة»
وخلصت نقطة اليقظة هاته إلى أنه نكاد نغلق مرور عشرة سنوات على انطلاق هذا الورش، لكن لم يحقق لحد الساعة انتظارات الفاعلين والنخب المدنية.
ولم تتوقف رؤية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عند التشخيص وخطاب الأزمة، بل عرض خطاب حل الأزمة، مقترحا مسارين لتنزيل ورش تفعيل الدينامية المدنية، مسار هيكلي وقانوني ومسار مالي وضريبي.
ففي الشق القانوني، دعا إلى إطار قانوني جديد خاص بالمؤسسات والجمعيات المهتمة بقضايا العام العام، مع وضع إطار قانوني ملائم للجمعيات المحلية يشجع على التشبيك مع اعتماد التكوين في مجال المشاركة المواطنة.
ويبدو أن المجلس فطن إلى مشكلة التمويل ودعم المشاريع اللذين يحدان من فعالية العمل المدني، فاقترح صيغة للنهوض بالشراكة بين الدولة والجمعيات على أساس حكامة تدبيرية جيدة تحدد التزامات مختلف الأطراف، مؤكدا على محورية التمويل العمومي وتفويض الدولة والجماعات الترابية لبعض الجمعيات تدبير بعض خدمات القرب ومهام تحقيق المصلحة العامة.
وانتبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى محدودية فعالية الدعم الدوري أو السنوي، داعيا إلى الرفع من قيمته ومن زمنه، على الأقل ثلاث سنوات، وفق جدولة زمنية للمشاريع تخضع للمحاسبة والمواكبة والتقييم المستمر.
المستجد في السياق ذاته هو دعوة المجلس إلى تقديم تسهيلات ضريبية ومالية للجمعيات المشغلة لتشجيع التشغيل الجمعوي، مع دعوته الجهات المانحة ذاتية أو معنوية ألى تقديم الهبات وفق رقم معاملاتها، تخصم من الضرائب.
لقد وضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إصبعه على مكامن الداء البنيوي والمادي الذي يعوق تأدية الجمعيات لدورها في التنمية والمشاركة في تدبير الشأن العام وفق ما حدده الدستور، مسجلا تأخر تنزيل هذا الورش محددا ضرورة ملاءمة القوانين وتحمل الدولة والجماعات الترابية والمانحين المسؤولية في ضخ دم جديد في هذه الدينامية بالاعتمادات المناسبة وبالوعي العميق بوظيفة الجمعيات بالتنمية والشراكة ضمن حكامة مواطنة.
لقد كانت توصيات المجلس صدى قويا لانتظارات النسيج المدني وكانت خير معبر عن طموحات طال انتظارها، كل الأمل الآن أن تلتقط الجهات المسؤولة الرسالة من هذه المؤسسة الدستورية وتعمل على بلورتها دون هدر زمني، فقد طال الانتظار منذ عشر سنوات.