المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدق ناقوس الخطر بسبب تدهور قطاع الصحة و احتجاجات الحسيمة مؤشر على أوجه النقص في مجال التنمية

تطرق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره السنوي إلى الحركات الاحتجاجية العديدة التي شهدها المغرب سنة 2016، وإلى مدينة الحسيمة التي كانت الأكثر احتجاجا، حيث قال التقرير في هذا الصدد: «على مستوى الحركات الاجتماعية، شهدت سنة 2016 العديد من الحركات الاحتجاجية، أكثرها حدة تلك التي شهدها إقليم الحسيمة. وتعد هذه الوضعية مؤشرا ينبه إلى أوجه النقص في مجال التنمية الذي مازالت تعاني منه بعض المناطق، علاوة على التأخير الحاصل في تنفيذ عدد من المشاريع المهيكلة التي تم إطلاقها وفي التحسين الفعلي لظروف عيش الساكنة».
وانتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي النقص الحاد في الموارد البشرية وضعف الكثافة الصحية، لاسيما بالوسط القروي، ودعا إلى تدبير ناجع للعاملين في مجال العلاجات. كما أوصى بتوزيع مجالي منصف في إطار خارطة صحية ملزمة لتخفيف العجز الذي يسجله القطاع في مجال الموارد والتجهيزات الصحية.
وسلط التقرير الضوء على ضرورة مواصلة تعميم نظام التغطية الصحية الأساسية، مع الحرص على إجراء عملية تقييم لهذا النظام، بما يكفل تدارك الاختلالات وتحسين آثاره على حياة المواطنين، و أشار إلى أن تغطية الساكنة المغربية، بمختلف الأنظمة، بلغت حوالي 60 في المئة سنة 2015، مبرزا أن هذا التحسن يرجع أساسا للتغطية شبه الكاملة للساكنة المستهدفة بنظام المساعدة الطبية (راميد).
وأضاف أن تقييم الخدمات العلاجية المقدمة للمستفيدين من نظام المساعدة الطبية في العديد من الجهات، لاسيما المحرومة منها، كشف وجود جملة من الصعوبات المرتبطة بعدم الاستجابة لطلبات الحصول على العلاجات والأدوية، بالإضافة إلى أوجه قصور على مستوى توفير الخدمات المتخصصة أو الخدمات الجراحية وتوفير قاعات للعلاج مجهزة بمعدات وأطر عاملة متخصصة، مما يحتم على المرضى الانتظار لآجال طويلة جدا من أجل الاستفادة من العلاج.
وتعزى هذه النقائص أساسا -يضيف التقرير- إلى ضعف الميزانية المرصودة لقطاع الصحة، والتي تبلغ 5.6 في المئة من ميزانية الدولة، في حين يوصى على المستوى الدولي بتخصيص 10 في المئة من الميزانية الوطنية لهذا القطاع.
وفي هذا السياق، دعا المجلس إلى وضع آليات التمويل اللازمة من أجل توسيع نطاق الولوج إلى العلاجات وتحسين جودتها.
كما أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن تنفيذ سياسة ترمي إلى النهوض بالمساواة بين الجنسين يقتضي وضع إطار قانوني وتنظيمي ومؤسساتي قادر على رفع هذا التحدي. وأن مشروع القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، الذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 10 ماي 2016 في انتظار المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين، يبقى دون مستوى التطلعات والانتظارات في مجال المساواة بين الجنسين.
وأضاف التقرير أن الشيء نفسه ينطبق على مشروع القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضـد النساء، الذي صادق عليه مجلس النواب في يوليوز 2016 .
وفي هذا السياق، يعتبر التقرير أن وضعية النساء لم تشهد أي تحسن ملحوظ في سنة 2016، إذ ارتفع عدد النساء ضحايا العنف بـ13،8 بالمئة وانخفضت نسبة نشاط وعمل النساء.
وأبرز التقرير أن وسائل الإعلام ما فتئت تواصل نشر الصور النمطية المهينة للنساء، فضلا عن وجود برامج تتساهل مع أشكال العنف ضدهن.
وفي هذا الصدد، أوضح التقرير أن المقتضيات الجديدة لقانون 83.13 تحث على النهوض بثقافة المساواة بين النساء والرجال ومنع أي إشهار ينطوي على صور نمطية جنسوية ورسائل تهين النساء وتقصيهن بسبب النوع، مشيرا إلى أن هذا القانون يمكن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري من إطار تشريعي لمعاقبة البرامج والاشهارات التي تمس بمبدأي المساواة وعدم التمييز القائم على أساس الجنس.
كما أوصى المجلس الهيئة العليا للسمعي البصري بأن تعد «شبكة للنوع» بغرض تحليل الإنتاجات السمعية البصرية، نظرا لتأثيرها على عقول وسلوكات المواطنات والمواطنين.
وأبرز التقرير وجود مبادرات يتعين تتبع فعاليتها وتقييمها عبر آليات خاصة ومستقلة، ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بمرصد مقاربة النوع بالوظيفة العمومية الذي مكن من نشر معطيات تهم وضعية المرأة بالوظيفة العمومية، بالإضافة إلى القانون التنظيمي لقانون المالية الذي يتضمن أحكاما تكرس المأسسة والتملك المشترك للبرمجة والتخطيط لبعد مقاربة النوع في السياسات العمومية.
وأولى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره السنوي، أهمية خاصة ل»الطابع المندمج» للانتقال الطاقي بالمغرب. وأبرز المجلس، أن الطابع المندمج للانتقال الطاقي يفترض الحرص على أن تمكن الطاقات الجديدة التي يتم تطويرها من الولوج إلى الطاقة بأسعار في المتناول بالنسبة لمختلف الشرائح الاجتماعية، وضمان استفادة المناطق النائية، ولاسيما منها القروية، من خدمة تتلاءم باستمرار مع تطور حاجياتها. وأبرز التقرير أن عملية التزايد العمراني والتصنيع وتطوير وسائل النقل، ستواصل تعزيز الطلب الطاقي للبلاد، مبرزا أن أحدث الإحصائيات المتوفرة تشير إلى أن استهلاك الكهرباء للفرد الواحد قد ارتفع بمتوسط وتيرة سنوية تناهز 6 بالمئة بين سنتي 1999 و2015. كما ذكر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمنجزات التي راكمها المغرب مؤخرا في مجال الانتقال الطاقي والتي مكنت من إنتاج الكهرباء بأسعار تنافسية، ولاسيما مشروع «نور ورزازات» الذي يوظف التكنولوجيا الحرارية الشمسية، بكلفة بلغت 1.62 درهم للكيلواط ساعة، فيما يتراوح السعر بالنسبة لمشاريع الطاقة الشمسية التي تستخدم التكنولوجيا الضوئية ما بين 0.44 درهمـا للكيلواط في الساعة بالنسبة لمشـروع «نـور» العيون، و0.64 درهما للكيلواط في الساعة لمشروع «نـور» بوجـدور، لتصل كلفة إنتاجها إلى مستويات توازي كلفة إنتاج الطاقة الكهربائية المستمدة من الفحم.
وبخصوص التصنيفات الدولية، فقد احتل المغرب المرتبة 80 من أصل 125 بلدا، بحسب مؤشر (تريليما العالمي للطاقة) لسنة 2016، والذي يقيم السياسات الطاقية للبلدان بناء على ثلاثة معايير تشمل الأمن الطاقي والإنصاف (ولوج الساكنة إلى الطاقة بأسعار معقولة) والاستدامة (احترام البيئة).
ففي مجال الإنصاف الطاقي، على سبيل المثال، حقق المغرب نتائج جيدة باحتلاله المرتبة 59 بالرغم من تراجعه برتبتين مقارنة مع سنة 2015.
ورغم الوتيرة السريعة للانتقال الطاقي نحو اقتصاد منخفض الكربون، خلال السنوات الأخيرة، فإن التقرير يذكر بأن النتائج تعتمد أيضا على درجة انخراط المجتمع ككل، وهو ما يتطلب بعض الوقت للتكيف، وقنوات فعالة للتواصل وتعبئة متواصلة لمختلف الفاعلين المعنيين.
كما أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بوضع آليات لتقليص تقلبات دخل الساكنة القروية.
وأبرز التقرير أن هذه الآليات ستمكن من خلال تمويل المشاريع غير الفلاحية بالوسط القروي، من خلق فرص للشغل وتحفيز الطلب المحلي إبان المواسم الفلاحية السيئة، مشددا أيضا على توسيع القاعدة الإنتاجية الوطنية، من حيث عدد المقاولات لتعويض ما يطبع القطاعات الجديدة من استعمال مكثف لرأس المال وكذا خلق مناصب كافية كما وكيفا.
ويتعلق الأمر أيضا، حسب التقرير، بالنهوض باقتصاد أزرق مندمج يتجاوز قطاع الصيد ويرتكز على استغلال أمثل للموارد البحرية في مختلف القطاعات ذات الصلة بالبحر (صناعة السفن، تثمين الطحالب، استغلال الطاقة الريحية البحرية..)، بالموازاة مع النهوض بجهود البحث والتطوير وتوفير التكوين الملائم لمختلف مهن البحر.
في ضوء هذه التطورات، يوصي تقرير المجلس بالعمل على تفادي انخفاض الطلب الداخلي، وذلك بالنظر لآثاره المحققة للاستقرار الاقتصادي في إطار انتهاج سياسة مقاومة للتقلبات الاقتصادية الدورية لضمان استقرار الأسعار ولدعم القدرة الشرائية.
وتأتي هذه التوصيات على ضوء التطورات الاقتصادية التي شهدها المغرب سنة 2016، التي تميزت بأداءات ضعيفة.
ويأتي إنجاز المجلس لتقريره السنوي، تطبيقا للمادة العاشرة من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث تتضمن هذه الوثيقة رصدا وتحليلا للوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمملكة، وجردا للأنشطة التي أنجزها المجلس خلال هذه السنة.


الكاتب : مصطفى الادريسي

  

بتاريخ : 08/09/2017