المجلس الاقتصادي والاجتماعي يشرّح الأعطاب التي تعيق تنزيل الورش الملكي للجهوية المتقدمة : معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة باللاتمركز الإداري لم يتجاوز 36 %

 

رغم مرور أكثر من عقد على إطلاق ورش الجهوية المتقدمة في المغرب، لا تزال التفاوتات الجهوية في خلق الثروة تشكل عائقا أمام تحقيق تنمية متوازنة بين مختلف جهات المملكة. وقد سلطت كلمة يونس ابن عكي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خلال الندوة الدولية الثانية حول التحولات الهيكلية في المغرب، الضوء على أوجه القصور التي تعيق تنزيل هذا الورش الملكي الطموح وتحقيق أهدافه.
تشير المعطيات الواردة في كلمته إلى أن توزيع الثروة الوطنية لا يزال يتركز بشكل مفرط في ثلاث جهات فقط، وهي الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، التي ساهمت مجتمعة في إنتاج حوالي 57.9% من الناتج الداخلي الخام سنة 2022. هذا التركز لا يقتصر فقط على الإنتاج الاقتصادي، بل يشمل أيضا الاستثمارات العمومية، حيث استحوذت هذه الجهات على أكثر من 52% من الاستثمارات برسم سنة 2023، مما يكرس الفوارق التنموية بين الجهات ويؤكد استمرار الخلل في منظومة الحكامة الترابية.
من بين الأسباب التي تفسر هذه الوضعية، أشار الأمين العام للمجلس إلى عدم التدقيق الكافي في اختصاصات الجماعات الترابية، خاصة المجالس الجهوية، مما يحد من فاعليتها في اتخاذ القرارات التنموية. كما أن ضعف جاذبية المجالات الترابية للاستثمار المنتج يؤدي إلى تدني مردودية الاستثمار العمومي، وهو ما تعكسه نسبة معامل الرأسمال الهامشي التي بلغت 9.4 في المتوسط خلال الفترة 2019-2020، مقارنة بمعدل 5.7 المسجل لدى الدول ذات الوضع الاقتصادي المشابه للمغرب.
إضافة إلى ذلك، تظل مشاركة القطاع الخاص والقطاع الثالث في رسم الرؤية الاستراتيجية للتنمية الجهوية محدودة، وهو ما يعمق إشكالية الاعتماد المفرط على الدولة كممول وحيد للاستثمار. كما أن التداخل بين اختصاصات مختلف المستويات الترابية، سواء على مستوى الجهات أو العمالات والأقاليم أو الجماعات، يعيق فعالية التدبير التنموي، في ظل ضعف الالتقائية بين الفاعلين المحليين.
واحد من أبرز التحديات التي تعترض تفعيل الجهوية المتقدمة هو التأخر المسجل في تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري. فبحسب الأرقام التي قدمها المجلس، لم يتجاوز معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة باللاتمركز الإداري 36% في منتصف أكتوبر 2024، مقابل 32% في نفس الفترة من سنة 2023. كما أن نسبة نقل الاختصاصات ذات الأولوية في مجال الاستثمار إلى المصالح اللاممركزة لم تتعد 38%، مما يعني أن الإدارات الجهوية لا تزال تفتقر إلى الموارد البشرية والتقنية والمالية الكفيلة بتمكينها من اتخاذ قرارات مستقلة وفعالة.
نقص الموارد البشرية المؤهلة يشكل أيضا عائقا رئيسيا أمام نجاح ورش الجهوية المتقدمة، حيث تعاني الجماعات الترابية من ضعف في استقطاب الكفاءات القادرة على إدارة المشاريع التنموية بشكل ناجع. وإلى جانب ذلك، فإن بطء التحول الرقمي للإدارة يفاقم من صعوبة حصول المواطنين والمقاولات على الخدمات العمومية، مما يؤثر سلبا على مناخ الأعمال وجودة الحياة في العديد من الجهات الأقل نموا.
أمام هذا التشخيص، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تجاوز هذه العراقيل وتحقيق عدالة مجالية حقيقية. ومن بين هذه التوصيات، ضرورة مراجعة القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من أجل توضيح اختصاصاتها وضمان تكاملها، إلى جانب تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين في المنظومة الترابية، بما يحد من تنازع الصلاحيات ويعزز الالتقائية في التدخلات التنموية.
كما شدد المجلس على أهمية نقل الاختصاصات الذاتية من القطاعات الحكومية إلى الجهات، وربط هذا النقل بالموارد المالية والبشرية اللازمة، مع وضع برنامج زمني واضح ومُلزم لنقل السلطات من الإدارات المركزية إلى المصالح اللاممركزة. بالإضافة إلى ذلك، أوصى المجلس بتعزيز تمويل الجهات وتحسين ولوجها إلى آليات الاقتراض لتمويل مشاريعها الاستثمارية، مع تشجيع التعاون بين الجماعات الترابية لتعزيز التكامل بين البرامج التنموية.
وفي سياق تحسين الحكامة، دعا المجلس إلى إعادة انتشار المؤسسات والمقاولات العمومية على المستوى الترابي، بما يتيح توزيعًا أكثر عدالة للفرص الاقتصادية والاستثمارية بين الجهات. كما شدد على ضرورة تثمين الوظيفة العمومية الترابية، لجعلها أكثر جاذبية للكفاءات، وتسريع ورش الرقمنة لتسهيل الولوج إلى الخدمات العمومية وتعزيز الشفافية والنجاعة في تدبير الشأن العام المحلي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 17/02/2025