المخرجة المغربية فاتن خلخال ل « الاتحاد الاشتراكي»

-الفارو- وثائقي يحفز التفكير في الحاضر والمستقبل من الماضي ويفتح النقاش حول قضايا حساسة مرتبطة بالذاكرة والتاريخ

 

 

كثيرا وبحرارة صفق جمهور الدورة 28 لمهرجان سينما المدينة الذي نظمته جمعية إبداع الفيلم المتوسطي بفاس من 19-22 نونبر المنصرم 2024 للفيلم الوثائقي الطويل ” لفارو” لمخرجته المغربية فاتن خلخال. مهرجان فاس لسينما المدينة الذي يحظى بدعم المركز السينمائي المغربي وشركاء محليين كحدث سينمائي سنوي يواصل حضوره بنفس متجدد بانفتاحه وتميزه. واحتضنت فعالياته من ورشات وندوات مقرات دار الشباب القدس ومديرية الثقافة بفاس . وكان طارئ صحي قد منع المخرجة المغربية فاتن خلخال من حضور فعاليات الدورة، وبالتالي مشاركة الجمهور عرض شريطها الوثائقي الطويل. على هامش العرض كان الاتحاد للاشتراكي اتصالا بمخرجة الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية للدورة صنف الوثائقي الطويل فكان الحوار التالي :

p بعد فيلم التخرج ” سلاما أمهات” جاء الوثائقي الطويل لفارو ما مسار التجربة؟

n حصلت على الاجازة في عام 2005 ثم انطلقت تجربة فاتن خلخال في عام 2016، حيث تخرجت بدرجة الماجستير المتخصص في السينما الوثائقية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تطوان واصلت تعميق البحث في المجال ، ونلت إجازة مطبقة في السمعي البصري من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك في الدار البيضاء. حاليا، أعمل كمخرجة لعدة برامج بالقناة الثانية. كما أنني اشتغل على أطروحة الدكتوراه في الفيلم الوثائقي المغربي بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بن مسيك الدار البيضاء . لابد أن اشير إلى محطات مشرقة في تاريخ تجربتي المتواضعة حيث فزت بجوائز عن فيلم تخرجي «سلاما أمهات»، وأخرجت فيلمي الوثائقي “الفارو” الذي شارك في العديد من التظاهرات خارج الحدود كما فاز بجائزة الجمهور بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة لسنة 2023 .

p ما هي الرسالة التي تودين إبلاغها للذاكرة الجماعية لسينما المغرب الحديث؟

n رسالتي في الفيلم وهي تسليط الضوء على جوانب من التاريخ المنسي أو المسكوت عنه والاعتراف بتضحيات الأجيال السابقة الذين كافحوا من أجل الحرية والاستقلال وإبراز أصوات مهملة في الرواية التاريخية. الفيلم هو تحفيز للتفكير في الحاضر والمستقبل باستخدام الماضي كوسيلة لفهم التحديات الحالية وفتح النقاش حول قضايا سياسية او اجتماعية حساسة مرتبطة بالذاكرة والتاريخ. مما يسهم في تحقيق أعمق لها أو حتى التصالح مع الماضي. ولابد أن أشير هنا إلى الاستقبال الإيجابي الذي حققه فيلم “سلاما أمهات”، ما شجعني على مواصلة تجربتي في مجال الفيلم الوثائقي. فالعمل يؤكد على أهمية القضايا التي تم التطرق إليها في الفيلم وكذلك القدرة على تأثير الجمهور وإثارة الوعي بالقضايا الاجتماعية والإنسانية. الشئ الذي كان حافزا مهما لي بحيث شجعني علي مواصلة استكشاف مواضيع و تطوير مهاراتي الفنية و التقنية في هذا المجال و تقديم أعمال وثائقية أكثر.

p اختيارك لصنف الوثائقي جاء لقناعتك بغنى الهوية والانتماء للوطن أم لمجرد ترصيد فيلمي لذاكرة الجماعة ؟

n اختياري لموضوع الذاكرة في أفلامي الوثائقية يأتي نتيجة اهتمامي الشخصي والفني بالمواضيع التي تتعلق بالتاريخ والذاكرة الجماعية، فهي مصدر غني للقصص والتجارب الإنسانية التي تستحق ان يسلط عليها الضوء. لذلك في فيلمي «سلاما أمهات» اخترت قصص أمهات المعتقلين السياسيين خلال ما يعرف بسنوات الرصاص، وفي فيلم «الفارو» استعنت بالذاكرة التاريخية أيضا في سرد للظروف الصعبة التي عاشها مجموعة من الصحراويين في ظل الاحتلال الإسباني للصحراء والتنكيل والسجن الذي تعرضوا له. بالنسبة لي، تبقى الذاكرة جزء أساسيا من هويتنا الإنسانية بحيث عندما نتحدث عن الذاكرة في الأفلام الوثائقية فنحن نتيح للجمهور فرصة التفكير في معنى الهوية والزمن والمكان، وهذا يمكن ان يثير نقاشات مهمة حول مفهوم الواقع والتأثير البشري.

p لفارو مثل المغرب في مهرجان الشاشات السوداء بالكاميرون ما الأصداء؟

n لا أشك في كون استقبال الأعمال الوثائقية في مهرجانات فنية مهمة داخل المغرب مثل المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وخارج المغرب في مهرجانات دولية مثل مهرجان الشاشات السوداء بالكاميرون ،هو اعتراف يعزز الثقة لدى المخرج السينمائي على نحو عام كما يعزز القدرة لدي في التعبير عن القصص والمواضيع التي أهتم بها من خلال السينما الوثائقية على نحو خاص . ويمكن لتجربة العرض خارج الحدود أن تساهم في جذب اهتمام منتجين آخرين لدعم مشاريعي المستقبلية. كما يمثل هذا الترحيب الدولي تحفيزا كبيرا للمضي قدما في مساري المهني والفني ومواصلة العمل والمساهمة في إثراء المشهد الفني والثقافي.

p ما هي آفاق العمل وما المواضيع التي تستأثر باهتمام فاتن المخرجة ؟

n أنا مهتمة بمواضيع الذاكرة المغربية واستكشاف المسكوت عنه، خصوصا في سياقات مثل المقاومة المغربية لأنها في تقديري تعبر عن جزء مهم من هويتنا وتاريخنا، لكنني في الوقت نفسه أطمح إلى تنويع أعمالي والاشتغال على مواضيع أخرى تهم الجمهور بشكل مباشر وتعكس قضايا معاصرة. أو جوانب حياتية مختلفة. أعتقد أن التنوع في المواضيع يتيح فرصة للتواصل مع شريحة أوسع من المشاهدين، من جهة ويضيف أبعادا جديدة لتجربتي الإبداعية من جهة ثانية
بعد حصولي على الإجازة عام 2005 تخصص سمعي بصري بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك اشتغلت بعدة أفلام سينمائية و تلفزية كمساعدة في الإخراج .و بعدها سكريبت، كما استفدت من تدريبات وتكوينات في الإخراج ببلجيكا و فرنسا،ثم التحقت بالقتاة الثانية لاثمم مسيرتي كمساعدة في الإخراج في العديد من البرامج الإخبارية و الثقافية المباشرة و الغير مباشرة .دون أن أنسى تجربتي في السيتكومات الرمضانية إلى جانب مخرجين من القناة. بعد ذلك و بفضل تشجيع القناة الثانية للشغيلة الاستفادة من تكوينات أكاديمية سنحت لي الفرصة الحصول على ماستر مختصص في السينما الوثائقية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان. واليوم أنا مخرجة بالقناة الثانية وأشتغل على الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك بالدار البيضاء وأسعى جاهدة إلى تطوير هذه التجربة بما يعمق تجربتي ويثري الهوية الوطنية والذاكرة الجماعية .

p ما نوع الصعوبة في الحصول على الأرشيف من وثائق وشهادات حية ؟

n كما يعلم الجميع فإن الفيلم التاريخي لا يقتصر فقط على سرد الأحداث التاريخية عن طريق الشهادات وإنما أيضا بالصور من الأرشيف. ك ما أن إيجاد الأشخاص الذين عاشوا في تلك الفترة كان الأمر صعبا، لكن حينما يكون الإصرار وحب العمل تُزال جميع العقبات. لكن لابد من الإشارة إلى الأجواء الإيجابية التي رافقت عملية تصوير الشريط والظروف الجيدة مع سادت فريق العمل، كما أن الدعم الذي استفاد منه الفيلم من المركز السينمائي المغربي سهل علينا العمل بشكل مريح. وقد اخترنا بداية “ضيوف القنديل المظلم” عنوانا مؤقتا للفيلم الوثائق ” من سيناريو وإنتاج لالتو خديجة دادا. وإخراج فاتن خلخال، مدبر التصوير محمد عالي الصغراوي وإنتاج شركة LMK للإنتاج
الفيلم شارك في المسابقة الرسمية للدورة 27 من مهرجان الشاشات السوداء الذي احتضنته مدينة ياوندي عاصمة الكاميرون خلال الفترة الممتدة ما بين 14 و21 أكتوبر المنصرم و المهرجان يعد من بين أهم المهرجانات السينمائية بإفريقيا، التي تهتم بالإنتاجات السينمائية والتلفزيونية سواء الروائية أو الوثائقية القصيرة والطويلة.

p نبذة مختصرة عن الفيلم لفارو

n لفارو -ضيوف القنديل – الفنار – ثلاث مسميات لمأساة إنسانية واحدة وهو شريط وثائقي للمخرجة فاتن خلخال مدته ساعة واحدة يسلط الضوء على تاريخ المعتقلين السياسيين في زمن الاستعمار الإسباني بالجنوب المغربي . الفيلم حسبما أفادت المخرجة ذاكرة مكان يوجد في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية ، هو “منارة” كما تبدو للسفن إلا أن دورها لم يقتصر على إرشاد السفن فحسب، بل كانت بمثابة سجن يقبع فيه النشطاء الصحراويون الذين ناضلوا ضد الاستعمار الإسباني” نشطاء تعرضوا في هذه المنارة ” لكل أنواع التعذيب وتم انتهاك حقوقهم وقمع حرياتهم . الفيلم يستعرض أحداثا ووقائع ذات طابع إنساني ضمنتها اعترافات وشهادات حية لضحايا مروا من هناك وكانوا ضيوفا غير مرحب بهم في هذه المنارة المعروفة باسم لفارو. اللافت في الفيلم الوثائقي أنه يركز بشكل أساسي على شهادات أبناء المعتقلين، بالإضافة إلى شهادات الحراس السابقين للسجن حيث حرصت المخرجة التركيز على روح وذاكرة المكان.وهي تنتقل بين الأقاليم الجنوبية الثلاث للمملكة لاختيار أماكن التصوير الداخلة، العيون وبوجدور.

p المشاهد المغربي سوف يتعرف ايضا على جزء من الثقافة الحسانية، هل خططت لهذا؟

n كما يعلم الجميع أن الهوية الحسانية هي جزء من الثقافة المغربية التي تعرف تنوعا وثراء يغني حضارة الإنسان المغربي منذ العصور القديمة . بالفعل الثقافة الحسانية غنية جدا وحبلى بالمواضيع ولم لا يتم التطرق إليها. وقد اشرت سلفا إلى رغبتي الشديدة كمخرجة في الاشتغال على تيمة الأفلام الوثائقية التاريخية، حيث يكون العمل فيها منصبا عن البحث في الأرشيف التاريخي المدعوم بالصور والوثائق. والحقيقة أن الشريط في عمقه يوثق لذاكرة مكان كان شاهدا على قصص مجيدة لمقاومة الصحراويين ضد المستعمر الاسباني . وفضلا عن كونه يرصد تفاصيل دقيقة عن مآسي التعذيب والاعتقال لأبناء الصحراء في عهد الجنرال الإسباني فرانكو. فهو يبرز ذلك من خلال الرجوع بالذاكرة عن طريق شهادات الأشخاص الذين كانوا سجناء في هذا القنديل أو أبناءهم أو افراد من عائلاتهم أو أقاربهم. ويحكون بصدق وموضوعية عن معاناتهم والتعذيب الذي مس كرامتهم في الصميم.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 13/12/2024