المخرج نور الدين الخماري يطرح سؤال التحرر والوحدة الإنسانية بعين الطفلة «ميرا»
- يقدم المخرج المغربي، نور الدين الخماري، في فيلمه الجديد «ميرا» مراجعة جذرية لاختياراته الفنية والجمالية التي جسدتها ثلاثية الدار البيضاء، من خلال جغرافية جديدة في فضاءات الأطلس المتوسط، وجد فيها الصمت والهدوء المطلوب لطرح سؤال الحرية كمطلب وجودي.
- بعد ثلاثية «كازانيغرا»، «الزيرو» و «بورن آوت»، يبدو الخماري كما لو أنه في طريق عودة الى مناخ تجاربه الأولى من الأفلام القصيرة التي أنجزها أثناء إقامته بالنرويج وفيلمه الطويل الأول «النظرة»، من حيث البحث عن شاعرية تعبيرية وإنصات لهمسات الصمت، بعيدا عن أجواء الصخب والإيقاع السريع والانفعالات المباشرة التي كانت تناسب فضاء المدينة المتوحشة.
- يختار الخماري في الفيلم، الذي عرض ضمن «بانوراما السينما المغربية» بمناسبة الدورة 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، إسناد البطولة الى طفلة في الثالثة عشر من العمر كي يتحقق، على نحو أبلغ، المعنى من حرية مكنونة عند الكائن قبل أن تعتقله التفاعلات الاجتماعية وتنمط العادات سلوكه. هي «ميرا» (صفاء خاتمي) التي تقيم جسرا مع المجال الغابوي الجبلي حيث تجد في مداه موطئا للتوحد مع طيف والدها الراحل (سعد موفق) ومع باقي العناصر الطبيعية من شجر وطيور.
- ذكية وصموتة، منطوية ومتقدة الحس الإنساني، تجد «ميرا» لنفسها مهمة خاصة تقتضي تحرير الطيور من الأقفاص، تلك التي يصطادها شابان جانحان يبيعانها للمسافرين على الطريق.
- يكتسي القفص في فيلم الخماري دلالة واضحة لسجن الأعراف البالية التي تقمع انعتاق الفرد. وبالموازاة مع هذه المعركة الصغيرة مع صائدي الطيور، يكون على «ميرا» أن تخوض صراعا على جبهة أخرى، دعما لطفل مهاجر من جنوب الصحراء ولمرافقيه الذين يقيمون في معسكر مؤقت في ضاحية البلدة في انتظار الوصول الى الشاطئ لركوب قوارب موت نحو أوروبا. إنه طريق روحي لاكتشاف الهوية، بعنوان الحرية في صلتها بالطيور، وبقيم الوحدة الإنسانية في صلتها بعابري السبيل الذين تصنع مأساتهم ثراء المتاجرين بالبشر.
- ترسم الكاميرا في المجال الغابوي صورا تشكيلية شديدة الإيحاء، ونسيجا بصريا من تعاقب الضوء والظل، ومتاهة وجودية في منعرجات الأشجار وتشابك الأغصان. يتم ذلك من خلال زوايا تصوير متنوعة تخدم النظر إلى العالم بعين الطفلة، بقدر ما تصنع مناخا للتأمل العميق. يتضافر المشهد مع خلفية موسيقية أمازيغية من مواويل الأطلس المتوسط.
- باستثناء الطيف الراعي لوالدها، فإن الشخصيات المؤثرة التي تريد توجيه «ميرا» نحو الطريق الأمثل للسعادة نسائية بالأساس، تحيل إلى القناعات التي ما فتئ يعبر عنها المخرج المؤلف في نظرته الطليعية للمرأة التي ترفع لواء الحرية. يتعلق الأمر بجدتها زينب (فاطمة عاطف) التي تريد لـ’»ميرا» أن تلتحق بالمدينة لتواصل دراستها لكنها تتخوف من عواقب أفكارها «الغريبة»، وبمعلمتها لمياء (زينب علجي) التي تريد للطفلة أن تختار حياتها وفق قناعاتها الحرة.
- على سطح البيت الذي انتقلت إليه «ميرا» في المدينة لمتابعة دراستها، يتجدد الموقف الذي يختبر قيم الطفلة وعزيمتها. تقفز إلى السطح المجاور وتفتح بوابة القفص الكبير لتقاسم الحمام الرابض فيه الشعور بحرية التحليق إلى السماء. «ميرا» باتت تعرف طريقها لتحقيق الذات، وهي غير مستعدة لتغيير اتجاهها.
- يذكر أن فقرة «بانوراما السينما المغربية» تقترح على جمهور مراكش مجموعة مختارة من سبعة أفلام روائية ووثائقية حديثة تعكس حيوية الإبداع السينمائي الوطني، وتنوع إنتاجاته.
بتاريخ : 04/12/2025