الحماية القنصلية على اليهود والمسلمين ووعي المخزن
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
رغم الضمانات التي قدمها السلطان ليهوديه في ظهيره- وتوعد لكل من لحقهم، بالأذى أو اعتدى عليهم بالعقاب مشددا على ذلك رغم أن سلاطين الدولة العلوية عاملوا اليهود بنفس المعاملة وهي التوقير والاحترام والسهر على أمنهم وسلامتهم كما تنص على ذالك الشريعة الإسلامية- إلا أن بعض اليهود اعتبروا الظهير فرصة للخروج عن طاعة المخزن وبخاصة ممثليه المحليين بالصويرة، فحسب وثيقة تحمل رقم 3337 مؤرخة في 7 صفر 1281 – 12 يوليوز 1864 مبعوثة من القائد المهدي بن المشاوري إلى وزير الخارجية محمد بركاش يخبره فيها بتعامل التجار النصارى مباشرة مع أهل الذمة دون علمه، مما نتج على إثره مشاكل كثيرة. مما يعني أن التجار النصارى المقيمين في الصويرة تعمدوا التعامل مع أهل الذمة دون وساطة المخزن، وهو ما كان يتسبب لهم في ضياع متاعهم وليحملوا المسؤولية للذميين ويطالبون المخزن بمعاقبتهم وسجنهم مما يخلق مشاكل تجعل الظهير السابق يحول دون تطبيق الزجر والردع.
تثبت هذه الواقعة وحسب تاريخها أن الحماية القنصلية استفحلت بالمغرب، ذلك أن المغرب سبق وأن وقع ثلاث معاهدات بخصوص الحماية القنصلية، الأولى مع بريطانيا 1856 ، والثانية مع إسبانيا 1861 ، و اتفاق بيكلار(Bicklard) السري مع فرنسا سنة 1863 تجعل رعايا هذه الدول فوق القضاء المغربي ذلك أن القنصل هو الذي يحق له إصدار الأحكام القضائية، إذا كان المشتكي أجنبيا، وهي أحكام غالبا ما كانت لصالح رعايا هذه الدول. وقد شجعت الحماية القنصلية التي تفرضها هذه المعاهدات العديد من اليهود والمسلمين للاحتماء بالأجنبي بغية التملص من الأداء الضريبي وبالتالي خروجهم عن الطاعة.
لقد تدخل المخزن مرارا للحيلولة دون سجن الذميين بسبب عدم وفائهم بالديون المستحقة لصالح شركائهم الأجانب، فمن خلال وثيقة تحمل رقم 3339 مؤرخة في 23 ربيع الأول 1282 – 16 غشت 1865 وهي عبارة عن رسالة من القنصل الإنكليزي بالصويرة إلى أمين الأمناء محمد بن المدني بنيس حول قضية اليهودي «طوفي» الذي أدى عليه المخزن ما بذمته للنصراني الإسباني مقابل حيازة المخزن داره بالملاح حتى يؤدي ما عليه لبيت المال في انتظار الأوامر الشريفة في ذلك. ومما جاء في الرسالة مايلي: « … فاعلم محبنا أن يهوديا يقال له أبرهام طوفي كان في التجارة القديمة حتى ترتب عليه دين لبيت المال، وتلاشت تجارته وقطع المشاهرة لأجل قلة ما بيده وبقى عن حاله مدة مديدة وعنده بملاح أهل الذمة دار لا تساوي ذلك وفي الوقت يخالط مع نصراني الصبنيولي حتى ترتب له بذمته للنصراني ماياتي ريال بالتثنية . ووقف وقوف الجد وحتم عليه قنص الصبنيولي بأداء ذلك أو يأخذ داره الذي بالملاح. ووقف الأمناء على ذلك خوف ضياع المخزن وأدوا عليه ماياتي ريال وحازوا منه الدار أثقفوها عليه مدة عامين. فإن أدى ذلك وإلا فإن المخزن يحوز الدار. والآن لم نشعر به إلى أن دخل عليه بوسط أهلي ورعبني بواسطة سنيور لنقف معه، فإنه وجد يهوديا من قرابته يؤذي عليه ماياتي ريال ويؤذي لجانب المخزن ماية مثقال وخمسين مثقالا مشاهرة حتى يتم مالي بيت المال عليه. وشاورنا الأمناء على ذلك لأنه فيه مصلحة المخزن ولن يقدرون بإعمال شيء وبانبرامه حتى يشاور السلطان نصره الله وها أني كتبت لك نحبك حتى يكمل عليه الأمر، ويؤدي عليه ابن أقاربه ذلك فإنه نظر مليح وسدد، وليس في ذلك إلا ما وقف لنا من عاره بين الأهل بارك الله فيك ولا تغفل علينا بما كنا كتبنا لك كله وإن كان الأمر من سيدنا للأمناء بأداء ذكرنا لك بأن يحوز الذي يدفع عليه العدد المذكور الدار لأجل ما يجد انفكاك أهله منها ولا تستهزي جزاء الله خيرا والسلام .
و لا يخفى عليك أن العار الذي استعارونا به، فإنه لازال لنا بالدار ينتظر جوابك وأعصب شيء علينا العار، والسلام .
وفي َ16 غشت سنة 1865 .
قنصل الإنجليز بثغر السويرة «.
يتضح من خلال المراسلة أن المخزن كان واعيا بخطورة تملك الأجانب للعقار، الشيء الذي كان يهدد باستفحال خطورة تكاثرهم بالمغرب، وحمايتهم، حسب المعاهدات، للمغاربة مسلمين ويهود حيث تسقط عليهم الضرائب ويصبحون خارجين عن طاعة المخزن وهو الأمر اللبيب الذي دفع المخزن إلى تسديد ديون الذمي دون أن تقع داره في يد الأجانب.