المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية 16- العلاقات المالية بين السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان واليهود التجار

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

اعتمد المخزن على فئة عريضة من الأسر اليهودية التي ذاع سيطها بالمغرب في معاملاته التجارية، وبخاصة اليهود التجار الذين استقروا بمدينة الصويرة منذ عهد جده سيدي محمد بن عبد الله. ومن بين الأسر التي لمع نجمها في المعاملات التجارية والتي كان لها دور كبير في تنشيط خزينة الدولة؛ عمران المليح، ومسان بن شمعون، ابن الماكنة، إسحاق قرياط، حيم بن بخاش، ابرهام كوهن، دابيد … والواقع أن استفحال الحماية القنصلية التي تؤطرها المعاهدات السالفة(1856/1861/1863) الذكر، وكذا انتشار المخالطات زادت من تأزم العلاقات بين السلطان و يهوديه وبين هؤلاء وممثلي السلطة المخزنية من قواد وباشوات وعمال علما ان العديد من هؤلاء المغاربة اليهود فضلوا الاحتماء بالأجانب للتهرب من أداء الضرائب وتسديد الديون المستحقة لخزينة الدولة. ولقد كان السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان على أتم الوعي بأن الدولة فقدت جزء من سيطرتها وسيادتها بفعل هذه الحماية التي تسابق عليها جموع المغاربة يهودا ومسلمين، وبخاصة الأعيان منهم، وكبار الدولة، ورؤساء الزوايا. وفي الحقيقة فإن النظام الضريبي الجديد التي فرضته الأحداث التي شهدها المغرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (الهزائم العسكرية والديبلوماسية) سهلت خروج جزء من المشار إليهم عن مجال الطاعة. وأمامنا عدة مراسلات توضح ما أشرنا إليه، وفي نفس الوقت تبين حنكة المخزن الذي سيطر على الوضع التجاري بمدينة الصويرة في وقت تكالبت عليه أيادي الدول الأوربية المتنافسة على المغرب.
– الوثيقة رقم 3345 حول إحصاء تركة الذمي ابن عمران المليح مؤرخة في 4ربيع الأول1289/17 يوليوز 1866:
راسل الأمينان عبد الواحد أقصبي وعمر بن عمرو أمين الأمناء محمد بن المدني بنيس بخصوص متخلف الهالك ابن عمران المليح، وأرسالها تقييدا إليه. ويتضح من خلال مضمون الرسالة أنها رسالة جوابية عن رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان يطلب فيها بضرورة إحصاء ممتلكات ابن الذمي الهالك. تشير الرسالة إلى أن مجموع تركة إبن الهالك هو «…سبعة عشر ألف مثقال وخمسون أوقية « هذا بالإضافة إلى « زوجة مقافيل جوهر وديامنط « وتطرقت الرسالة إلى أن طرفا يهوديا آخر ظهر أثناء إحصاء تركة الهالك. ويتعلق الأمر بالذمي ولد بطون ابن أخت الهالك الذي يدعي أن مقافيل الجوهر والديامنط تعود ملكيتها له. غير أن الأمينان لم يحسما في أمر ملكيتها واحتراما لهذه الأسرة اليهودية فإن الممتلكات التي بقيت محط نزاع لم يتم بيعها إلا بعد الحسم فيها، وتشير ذات الرسالة إلى أن صاف التركة هو 170050 وهو الرقم الذي سجل في مستفاد الصويرة.
– الوثيقة رقم 3346، مؤرخة في 25 ربيع الأول 1283/7غشت 1866 حول مسألة إبراء ذمة المغربي اليهودي مسان بن شمعون لفائدة المخزن:
سبق وأشرنا أن المخزن، وفي أعلى هرميته السلطان، عامل اليهود التجار بنوع من الليونة واللطف ولم يكن هدفه التضيق عليهم لرد الديون أو رؤوس الأموال التي في ذمتهم، مما يعني أن كل المقولات التي يروجها البعض بكونهم عاشوا اضطهادا لا معنى لها و تدحضها الوثائق الملكية. فحسب ذات المراسلة يتضح أن أمناء الصويرة راسلوا أمين الأمناء محمد بن المدني بنيس يعلمونه فيها بكون التاجر المغربي اليهودي مسان بن شمعون أبرى ذمته بخصوص الديون المستحقة لفائدة الدولة وأنه التزم بذلك، وحسب الرسالة فإن جواب أمناء الصويرة جاء بناء على طلب السلطان بعدم التضييق على التاجر اليهودي والتعامل معه بلين ولطف حتى يوفي ما بذمته من ديون « …فيكون في كريم علمكم أنه لما ورد الأمر الشريف في شأن التوسعة على الذمي التاجر مسان بن شمعون صهر التاجر دانييل كوهين صادفه الأمر الشريف دفع جميع ما بذمته لجانب المخزن من قبل الصاكة والأعشار ووفى في كلامه بيننا وبينه من تسبيق جانب المخزن على غيره، ومن جملة ما دفع لنا من غير الناض مدجة جوهر بريال 750 وهي تساوي أكثر من ذلك . ويقيت ذمة الذمي المذكور فارغة لجانب المخزن . وبهذا وجب إعلامكم لتكون منه على بصيرة وعلى محبتكم . والسلام».


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 10/04/2023