السلطان والقنصل وإشكالية الفصل في دعاوى الرعايا والمحميين
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر تفاقمت شكاوى المسلمين ضد التجار الأجانب ومحمييهم كما توضح ذلك الوثائق الملكية، ولم يعد السلطان قادرا على البث في مثل هذه الشكاوى بسبب شروط المعاهدات السالفة الذكر فأحيانا تجعل سلطة القنصل فوق سلطة الشرع والسلطان فالرسالة التي أمامنا والتي تحمل رقم 3354، مؤرخة في 14 ذي القعدة 1284/8مارس1868، عبارة عن جواب على رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان حول مطالبته القائد المهدي بن المشاوري للفصل في الدعوة التي تقدم بها كل من محمد بن سعيد أمصال السوسي ضد ابن شقيقه عبد الله بن أحمد بن الحاج وشريكه الذمي التاجر شمعون بن المجانة. وحسب المراسلة فإن بعض الذميين أصبحوا يتصرفون في دور الشخص المتقدم بدعوى ضد شركائه المدينين له ورغم أن صاحب الدعوة تقدم إليهم مرارا لرد الدين إلا انهم لم يستسيغوا لكلامه مما جعله يطرق باب المخزن وهو ما جعل السلطان يامر القائد ب» التكلم مع قنصوهم يأمرهم بسلوك الشرع معه في هذه الدعوى ووجههم معه للقاضي» كما كان السلطان على وعي أن مثل هذه القضايا التي يكون اطرافها ذميين ومسلمين ومحميين لا يتم حلها على وجه السرعة لذا قدم السلطان نصيحة للقائد لتسريع البث في القضية ورد الدين لصاحبه « وإن أشكل الأمر في النازلة فاجمع عليها القاضي وعلماء البلد، وما حكم به القاضي وحده او مع الجميع فوجهه إلينا ننظره».
وحسب وثيقة تحمل رقم 3355 مؤرخة في 24 صفر 1285/15 يونيو1868 عبارة عن رسالة موجهة من قنصل دولة إنجلترا بالصويرة موجه إلى القائد عمارة بن عبد الصادق تتعلق بشكاية مرفوعة إلى السدة العالية بالله تقدم بها جماعة من التجار السوسيين السالفي الذكر في المراسلة رقم (3354) ضد تجار آل باري الإنجليزي والتي يتمحور مضمونها حول أمر السلطان القائد عمارة بن عبد الصادق بحسم الأمر لحل هذه القضية مع السوسيين المذكورين وذلك باعتماد الشرع وتوجيه التجار لحضرة القاضي للبث في الدعوة.
كان جواب القنصل الإنجليزي بالصويرة أكثر دقة وهو مبرر بشروط معاهدة 1856 والتي تجعله هو من يفصل في دعاوى رعايا الدولة الإنجليزية ظالمين أو مظلومين، وبما أن معظم النزاعات كان يفتعلها الأجانب فإن الاحكام القضائية غالبا ما كانت في صالحهم.
ومما جاءفيه «فأعلم أن ما ذكرته (القائد عمارة بن عبد الصادق) ليس من القوانين التي بين الجانبين (المغرب- بريطانيا العظمى) حسبما مبين في الشرط التاسع .نصه: الشرط التاسع: فإن جميع الدعاوي والشكايات وجميع خصومات الشرع أو أسباب الخصام التي تصدر بين رعية سلطان مراكوشة (المغرب) ورعية سلطانة اكرت ابرطن (بريطانيا العظمى) والمشتكى به من رعية سلطان مراكوشة. فإن حاكم البلاد او من نواحيه أو القاضي حسبما هو لائق بالدعوة يكون له الحكم فيها فقط. وعليه فإن كان صاحب الدعوى من رعية اكرت ابرطن يرفع شكواه للحاكم أو للقاضي لمن يكون الامر بواسطة القونصوا خنرال أو القونصو أو وكيله ولهم الحضور في محل الحكم على الدعوى. ومثل ذلك إذا كان المشتكي من رعية سلطان مراكوشة والمشتكي به من رعية اكرت ابرطن يرفع شكواه لمحل الحكم والفصال للقونصوا خرنال أو القونصوا أو خليفته او نائبه فقط بواسطة عامل المسلمين أو القاضي من رعية المغرب. والحاكم والقاضي أو من ناب عنهم لهم الحضور إن شاءوا وقت الفصل في الدعوة. وإن كان أصحاب الدعوة من رعية اكرت ابرطن أو من رعية المغرب لم يرضون بحكم الحاكم او القاضي أو القونصوا خنرال أو القونصوا بحكم من كان له الحكم في ذلك. فلهم رفع دعواهم لنائب السلطان في أمور الاجناس أو للنائب المفوض في أمور سلطانة اكرت ابرطن انتهى. ولأجل هذا لم نأذن للتجار بسلوك الشرع مع من يطالبه منهم . وإن وجب على التجار الأحكام فأنا احكم عليهم وإن كان لي الحكم في القضية لم نستطع أن نأمر التجار يخرجون الاملاك المرهونين عندهم لأحد ما عدى إن قبضوا متاعهم على تمامه. وبهذا كنت أجبت القائد المهدي مرارا لما كان كتب لي في شأن هذه القضية كما سيقيد حوله ما كنا أجبناه به. فعليه نريد منك تكتب للسلطن أيده الله وتعلمه بما كتبنا لك به ولابن المشاوري في شأن هذه النازلة وعلى المحبة. والسلام.
من قونصوا دولة جنس النجليز بثغر الصويرة صانها لله.