الصراع بين أبناء سيدي محمد بن عبد الله
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
عودة الاستقرار التدريجي:
استطاع السلطان مولاي عبد الله إرجاع الأمور إلى عوائدها حيث ساد الأمن والاستقرار التدريجين ابتداء من توليه الحكم عام (1743/1757) وبعد توليه ابنه سيدي محمد عمل جاهدا إلى إخماد الثورات القبلية وتقويض سلطات المؤسسة العسكرية التي تسببت في هذه القلاقل، وقد سار سيدي محمد بن عبد الله على درب سلفه حيث قام بتفكيك المؤسسة العسكرية وبخاصة جيش عبيد البخاري وعوض أن يكون عماد هذه المؤسسة هذا العنصر الذي تشكل في عهد جده مولاي إسماعيل فإن السلطان الجديد أعاد هيكلته وأصبح مشكلا من بقايا البخاري -المشهود لهم بالطاعة والولاء والذين لم يسبق لهم ان تورطوا في الأحداث السابقة- بالإضافة إلى جيش الوداية والشراردة وبني معقل والذين تلقوا تكوينا عسكريا قبليا قبل أداء الخدمة العسكريةوموازاة مع ذلك قام السلطان الجديد بدعم الزوايا المساندة، وواجه المناوئة منها ونفس الشيء خصه بالأعيان ورجالات الدولة من عمال وباشوات وقواد.
سياسة الباب المفتوح في عهد سيدي محمد بن عبد الله (1757/1790)
تتمثل هذه السياسة في الانفتاح على الدول الأوربية ديبلوماسيا وتجاريا، حيث شجع السلطان المبادلات التجارية مع العديد من الدول بفعل تراجع مداخل التجارة الصحراوية وانتشار تجارة التهريب المدعمة من طرف الزعامات المحلية بالجنوب المغربي، وقد شجع موقع المغرب على توطيد هذا النوع الجديد من التجارة التي لم يتعود عليها المغاربة، و لأجرأة هذه السياسية عمد السلطان على فتح أوراش بناء العديد من الموانئ الأطلنطية وبخاصة مناء الصويرة، كما سمح بوسق الزرع، وتصدير المواد الاستراتيجية بفتوى من علماء المغرب الذين وافق أغلبهم على هذه السياسة الجديدة، وقد تمكنت الدولة في ظرف وجيز من تحويل مداخيل هذه التجارة لشراء الأسلحة والمعدات والشروع في تحرير الثغور المحتلة.
أصبحت مدينة الصويرة بفضل السياسة الجديدة لسيدي محمد بن عبد الله تحصل أربعين بالمائة من المداخيل التجارية الإجمالية لموانئ المغرب، كما أصبحت مداخيل الجمارك تتجاوز ثلث مداخيل خزينة الدولة. لقد واكب هذا الانفتاح التجاري المغربي على التجارة العالمية ليونة في التعامل الديبلوماسي مع الدول الأوربية حيث تم افتكاك العديد من الأسرى، وبناء القنصليات العامة في مدينة طنجة التي أصبحت تتسم بالطابع الدولي وقد كان السبق لكل من الدول الاسكندنافية ودولة البرتغال في إبرام معاهدات الصداقة مع المغرب مقابل ضمان حماية سفنها من القرصنة في السواحل المغربية مقابل إتاوت سنوية، تم تلتها معاهادت شبيهة مع كل من إنجلترا وفرنسا وإسبانيا. والجدير بالذكر أن سياسة سيدي محمد بن عبد الله كانت تسعى إلى ضبط مداخيل الدولة وتقوية الجيش، والقطع مع تجارة التهريب، وتحرير الثغور التي كانت محتلة من طرف الإيبيريين ومن جهة أخرى ربطت الدولة علاقات رفيعة المستوى مع دول العالم الإسلامي، وتوجت سياسة السلطان باعترافه بالولايات المتحدة الأمريكية دولة مستقلة عن التاج البريطاني.
الصراع الأخوي بين أبناء سيدي محمد بن عبد الله (1790/1792) وإغلاق الباب المفتوح:
توفي السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1790 م وترك بؤرة للتوتر بين أبنائه وبخاصة الصراع المرير بين اليزيد وإخوته؛ والجدير بالذكر أن السلطان واجه ابنه اليزيد الذي كان يتطلع إلى الحكم في فترة حياة أبيه. استمر الصراع الأخوي بين اليزيد ومسلمة وهشام والمولى سليمان ورجحت كفة هذا الأخير الذي أجمع على بيعته علماء فاس ومراكش. وقبل أن يستقر له الحكم فقد عان المغاربة مسلمين ويهودا من بطش سياسة اليزيد السلطان العاق والذي لم يكن مرغوبا فيه سيما أنه وضع يده مع أمازيغ الأطلس ضد أبيه، فقد نعث في الأوساط اليهودية بأقدح النعوث لما فعله بهم فالرواية تشير على تجبره وقتله للعديد منهم.
التقى اليزيد بأخيه المولى هشام في مدينة مراكش التي وقعت تحت قبضته وكان هذا اللقاء حاسما في سيرورة الحكم ونهاية عهد دموي استمر زهاء سنتين، فقد كان المولى هشام مدعما بجيش دكالة وعبدة بقيادة عبد الرحمان بن ناصر العبدي وبالقرب من وادي نسيفة جرت أطوار المعركة حيث لعب الحظ دوره في القضاء على اليزيد على إثر رصاصة طائشة اقتحمت خذه طرحته قتيلا سنة 1792 مما فسح المجال لأخيه المولى هشام الذي بويع سلطانا في تافيلات وبالمقابل بويع أبو الربيع مولاي سليمان سلطان بتأييد من أهل الحل والعقد الفاسيين وهي بيعة تضاهي بيعة أهل تافيلالت.
الوثيقة رقم 3312: رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى كافة جماعة الإسطادوس (مصطلح أطلقه المغاربة على الأراضي الهولندية ) يخبرهم فيها بأن الذمي مسعود ذي لمار الموجود بامستردام هو من خذامه ويستوصي به خيرا والإحسان إليه.
هي مراسلة مؤرخة في العاشر من جمادى الأولى عام تسعة وتسعين ومائة ألف 1199، مضمونها أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله يوصي خيرا باليهودي المغربي مسعود ذيلمار باعتباره من خدام الدولة العلوية الشريفة بل أن اباه كان على نفس المرتبة وتتطرق الرسالة إلى ان هذا اليهودي المغربي موجود في الديار الهلندية بأمر من السلطان
باحث في التاريخ الديني