المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -25- تقييم علاقة يهود الصويرة بالسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان يطلب من وزيره في المالية التوسعة لفائدة التاجر اليهودي سلام وأخوه حيم بن مساس وعدم حيازة أملاكه شهادة دامغة على الطريقة التي عامل بها المخزن يهوديه المفلسين؛ فقد كان يأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تؤول إليها تجارتهم من كساد وركود وما تتعرض له من انهيار نتيجة المضاربة التي كان ينهجها التجار الأجانب ومحمييهم. تحمل هذه الوثيقة رقم 3378/ مؤرخة في 21 جمادى الأولى 1290/ 17 يوليوز 1873 وهي رسالة موجهة من السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان إلى وزير المالية محمد بن المدني بنيس وهي رسالة جوابية على رسالة سبق أن أرسلها الوزير يطلع فيها السلطان بان التاجر الذمي سلام ليس بمقدوره تسديد الدين وانه اقترح اخاه ضمانة له في الدين وقد اقترح الوزير ضرورة حيازة أملاك التاجر اليهودي على حين تسديد الدين. غير أنه ولظروف إنسانية فإن السلطان اقترح بدل حيازة الأملاك التوسعة لفائدة الذمي وهو ما يفهم من قول السلطان: «… فالتوسعة عند تعذر القبض أولى من غيرها لأنه إن دفع أملاكه يقف ويتعذر عليه بيعه وشراءه التي تنتفع منه المرسى بخلاف ما إذا وسع عليه وصار يدفع ما قدر عليه فينقص ويبقى له رمق لا تتعذر معه أسبابه ويحص النفع من جهتين. والسلام.»
تقييم علاقة يهود الصويرة بالسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان:
يتضح من خلال المراسلات التي فحصنا مضانها وتتبعنها من خلالها آثار التجار اليهود وعلاقتهم مع المخزن خلال فترة حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859/1873) أن هذا الأخير لعب دور كبير في حماية التجار اليهود رغم الظرفية العصيبة التي حكم فيها، حيث وجد المغرب نفسه رهينا للغرامة المالية التي فرضها الاسبان بعد انتصارهم في حرب تطوان (1859/1860) ، وهي الغرامة التي أحدثت نزيفا حادا في سيولة بيت مال الدولة. كما أن المغرب ظل مكبلا بما تفرضه شروط المعاهدات الدبلوماسية سواء تلك التي وقعها السلف (عبد الرحمان بن هشام / المعاهدة المغربية البريطانية 1856) أو تلك التي وقعها الخلف ( سيدي محمد بن عبد الرحمان / المعاهدة المغربية الاسبانية 1861/ المعاهدة المغربية الفرنسية 1863)؛ ولاشك أن هناك إجماع حول خطورة هذه المعاهدات والتي تسببت في التدخل في سيادة المغرب و احتماء العديد من المغاربة بالأجانب تملصا من أداء الضرائب وبخاصة الديون المخزنية التي كانت بذمة التجار المغاربة اليهود. ورأينا كيف أن قناصلة الدول الأجنبية أصبحوا يفرضون شروطهم انطلاقا من بنود هذه المعاهدات التي تجعل سلطتهم القضائية فوق الشرع الذي يحكم بواسطته المخزن. ومع ذلك ظل المخزن راعيا ومؤمنا لتجارتهم وتنقلاتهم داخل أراضي المغرب حيث سعى جاهدا بأن لا يلحقهم مكروه. ومن جهة أخرى فإن السلطان المغربي طلب من قواده التوسعة لفائدة المغاربة اليهود الذين بذمتهم ديونا لفائدة المخزن، ومنع حيازة أملاكهم نظرا لدورهم المحوري في رواج ميناء الصويرة. وبالمقابل فإن المخزن كان صارما ضد بعض الطلبات التي تقدم إليه بها بعض التجار اليهود؛ من قبيل التوسعة على حساب مساكن المسلمين معلنا في أكثر من مقام أن السلطان لا يمكن له قبول مثل هذه الطلبات التي تجعل اليهود يتسعون على حساب المسلمين. فهل ظل الوضع على ما هو عليه خلال فترة السلطان الحسن الأول (1873/1894)؟.


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 20/04/2023