المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -27- الخطاب المخزني الرسمي والخطاب اليهودي المعادي ضمن أشغال مؤتمر مدريد (1880)

لماذا طالب الحسن الأول بعقد مؤتمر لتدويل مسألة الحماية القنصلية

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

سبقت الإشارة كيف أصبحت الحماية القنصلية تشكل خطرا يهدد سيادة المغرب؛ سيما أن العديد من المغاربة بمن فيهم خاصة المجتمع يهودا ومسلمين قد خرجوا عن طاعة الدولة لما احتموا بالأجانب مما أصبح يهدد خزينة الدولة بسبب تهرب هؤلاء من الضرائب والخضوع للشرع، ومن هذا المنطلق كاتب السلطان الحسن الاول جميع الدول الاجنبية التي لها رعايا في المغرب يخبرهم بضرورة إعادة النظر في موضوع الحماية القنصلية، حيث طالب بعقد مؤتمر دولي لتدويل هذه القضية، غير أن رد فعل الدول الأجنبية جاء معاكسا لتصور مولاي الحسن حول مسألة الحماية القنصلية، وبالعودة إلى وثائق القصر الملكي(الجزء الخامس من مجلة الوثائق، مديرية الوثائق الملكية المغربية) يتضح أن محمد بن عبد الرحمان وبعده ابنه الحسن حاولا مرات عديدة استئصال هذا الداء لكن دون جدوى. وما زاد من تفاقم الوضع هو عدم إخلاص ممثلي الدول الأجنبية من قناصل وسفراء لمضامين وشروط اتفاقيات التعاون والصداقة.
*ادعاءات كاذبة لبعض المغاربة اليهود في مؤتمر مدريد الدولي 1880 والمخزن يتصدى لها بالأدلة:
نظرا لأن الظرفية الدولية كانت تملي على المغرب ما يجب فعله بخصوص الأقليات التي بدأت تفرض نفسها في المحافل الدولية؛ خاصة تلك الممتعة بالحماية القنصلية، فإن أصواتا منها تعالت في مؤتمر مدريد الدولي تطالب بالإنصاف والحماية من طرف المخزن، وهي مطالب ظلت تتكرر في العديد من المراسلات ذات الطابع الرسمي. وفي هذا السياق نجد مضان وثائق القصر الملكي الخاصة باليهود تشير إلى كثرة طغيانهم وتجبرهم وجرأتهم على المسلمين وهو عكس ما كان يشاع في الصحافة الأجنبية، ووثائق القنصليات والأرشيفات الأجنبية. ونظرا لأن المغرب كان مسرحا للتسابق الامبريالي فإن الوزراء الأجانب افتروا على المخزن اضطهاده للمغاربة اليهود وذلك للضغط عليه من أجل قبول فحوى بعض المعاهدات التي ستكون عواقبها وخيمة فيما بعد، وبالتالي توفير الشرعية لتبرير التدخل الأجنبي في شؤون وسيادة المغرب.
تعتبر الحماية القنصلية السبب الرئيسي الذي غير وضعية اليهود من فئة كانت تابعة للمخزن، بواسطة عقد الذمة إلى فئة متجنسة ومحمية من طرف الدول الأجنبية. وقد خلقت الحماية القنصلية مشاكلا كثيرة ومعقدة منذ عهد المولى عبد الرحمان بن هشام (1822/1859) الذي انتشر في عهده وباؤها عندما أصبح يهدد المغرب في سيادته ويمس جزء ليس باليسير من مدخوله الضريبي، فقد كانت انجلترا السباقة للفوز باتفاقية (1856) التي ارتقت بها إلى مستوى الدولة الأكثر تفضيلا. وبغض الطرف عن الامتيازات التي حصل عليها التجار الإنجليز بموجب هذه الاتفاقية؛ حيث أصبحوا يصدرون ويستوردون بأقل من عشر بالمائة كهامش للربح بالنسبة للجمارك المغربية، إلا أن الاتفاقية خبأت في طياتها بنودا تهم القضاء القنصلي والامتيازات التي كان يحصل عليها المحميون من طرف هذا البلاد كعدم خضوعهم للقضاء المغربي، وتملصهم من أداء الضرائب وهو ما زكى لدى اليهود المغاربة نعرات انتقامية ضد المخزن الذي مارس عنفه عليهم في فترات أزمات الحكم المركزي وانتقال السلطة والحكم. وبعد هزيمة المغرب أمام الإسبان في حرب تطوان تزايد الطلب على الحماية القنصلية وهو ما أضطر فرنسا للفوز هي الأخرى بنفس الامتيازات التي حصلت عليها اسبانيا وانجلترا وفي هذا السياق وُقِّع اتفاق (بن ادريس-بيكلار) السري (1863) مما جعل المغاربة مسلمين ويهودا يتسابقون للاحتماء بإحدى هذه الدول، ونظرا لأن المغرب أصبح على شفى حفرة المخطط الاستعماري فإن المولى الحسن سابق الزمن ودعا إلى عقد مؤتمر دولي لتدويل قضية الحماية ووضع حد لطموحات المغاربة المسلمين واليهود والأجانب الذين اغتنوا بهذه الحماية. وبالعودة إلى المراسلات المخزنية يتضح أن السلطان استشاط غضبا من تصرفات اليهود الذين خرجوا عن طاعته حسب ما تمليه عقود أهل الذمة .


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 26/04/2023