المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -29- استهتار اليهود المغاربة بالظهائر الشريفة: مسألة ذبح إناث الأبقار نموذجا

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

أدى توالي سنوات الجفاف وندرة المواد الغذائية إلى إقرار المخزن قانون عدم ذبح إناث الأبقار، وفي هذا الصدد أصدر السلطان مولاي الحسن ظهيرا يمنع هذه العادة في هذه الظروف الحرجة غير أن بعض اليهود المغاربة لم يمتثلوا للنص القانوني وهو ما دفع بمحتسب القصر الكبير “محمد بن السايح” إلى مراسلة وزير الخارجية بعدم التزام الذميين باحترام هذا القانون إذ انهم بالغوا في استغلال الرخصة حتى خرجوا عن القاعدة ( الوثيقة 1240، مرجع سابق، ص، 309).
*الخروج عن بروتوكول البلاط المخزني ينجم عنه تعنيف يهوديان مغربيان؛ وأصداء الحادث تصل مؤتمر مدريد :
لقد امتثل السلطان الحسن الأول لما أملته الاتفاقيات التي وقعها سلفه، وأهمها الاتفاقية الاطار للحماية القنصلية؛ ويتعلق الأمر بالمعاهدة المغربية البريطانية (1856) وكذا مقررات مؤتمر مدريد (1880)؛ وبخاصة المادة المتعلقة بالحماية القنصلية، وحتى لا يسيء الأجانب الظن بسياسة هذا السلطان فقد كتب إلى الأجانب على يد وزيره في الخارجية يأمره فيها بإخبار ممثلي الدول الأوربية في طنجة بطغيان اليهود المغاربة، وعن السياق العام الذي كتبت فيه هذه المراسلة (مراسلة 1249، نفس المرجع، ص، 337ـ 338.) فإن الأجواء التي خاض فيها الوفد المغربي المفاوضات مع نظرائهم الأجانب تشير بأن المؤتمر أقر بضرورة حفظ حرية التدين بالمغرب نظرا للأخبار “الكاذبة” التي روجتها “الحركة اليهودية العالمية” حول سوء معاملة اليهود المغاربة، والواقع أن الذميين المحميين تجاوزوا ما تسمح به الحماية، وتجاهلوا أنهم رعايا السلطان حيث ينطبق عليهم ما يطبق على جيرانهم المسلمين، وقد نبه المولى الحسن، منطلقا من مرجعية تاريخية، أن العديد من الدول الأجنبية التي تتطاول على المغرب اليوم، سبق لها أن عانت الأمرَّين مع اليهود بل أن بعضها رحَّلتهم أو قبلتهم بشروط قاسية، منوها على أن وضعية اليهود اليوم في المغرب في أحسن حال على ما كانت عليه في الماضي.
لقد وضع المخزن بروتوكولا شدد على ضرورة اتباعه في التعامل مع البلاط ورجالاته، وقد كان اليهود المغاربة على علم تام بتفاصيله والتي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد سيء النية. ولعل هذا ما حدث ليهوديٍّ كان محميا من طرف دولة إيطاليا وحسب وثيقة مخزنية أصيلة تناولت تدويل قضية تعنيف يهودي والتي تم تناولها على هامش أحد الاجتماعات التي سبقت مؤتمر مدريد، وحسب ذات الوثيقة فإن ممثل الدولة الإيطالية استشاط غضبا بعد تعنيف اليهودي، واقترح أن يتم تناول هذه القضية على هامش الاجتماع الرسمي مع وفود البعثات الدبلوماسية وفي يوم( 18 شتنبر 1880 ) وهو تاريخ الاجتماع الذي كان يديره ممثل إسبانيا السيد “ديوسدادو” أخذ ممثل إيطاليا الكلمة وعبر عن أسفه على البطء الحاصل في مصادقة السلطان على مقررات مؤتمر مدريد، ليخلص بعد ذلك لقضية الذمي المعنف “يوسف عمران” الذي أهين في القصر السلطاني بمدينة فاس؛ وفيما يلي جزء مما ورد في المراسلة: “بأمر من الوزير الصفار تعرض يهوديان للسب، وخُلعت نعالهما من أرجلهما بعنف ولُكْمٍ ورفس، وكان أحد اليهوديين محميا من إيطاليا أَوْفَدْتُه شخصيا إلى فاس لتسليم رسالة رسمية إلى الصدر الأعظم، غير أن هذا الأخير معتبرا كل ما وقع بغير كاف رد باسم صاحب جلالة السلطان على شكوى المحمي الإيطالي عمار يوسف بتحذيره من مغبة الدخول مرة أخرى إلى ساحة المِشْوَرْ مُنْتعلا، وإن فعل سيعاقب هو وبَوَّابُ القصر” (وثيقة رقم 1254/1255، مؤرخة بيوم 22 شتنبر 1880، الموافق ل17شوال 1297، توجد عدة نسخ منها بأرشيف وزارة الخارجية بنانط، ونسختان بمديرية الوثائق بالرباط ،سجل 32.447 و 32438ـ محافظ فرنساـ وإيطاليا ، واليهود، والحماية القنصلية)تم يضيف المؤتمرون أن اليهود اليوم لم يعودوا خائفين من عوام المغاربة بل من جبروت وزراء السلطان وحاشيته على اعتبار أن الأمر حُسِم وفي اجتماعات رسمية سبقت مؤتمر مدريد فلماذا هذا التراجع؟
ورغم أن ممثل دولة النمسا ذكَّر بأن لكل دولة بروتوكولها الخاص، وأن ما فعله هذا الذمي يخرج عما هو متعارف عليه وما جرى به العمل في القصور السلطانية، وبالتالي عدم احترامه للبروتوكول. كما ذكَّرهم أن الأوروبيين يخلعون قبعاتهم إذا دخلوا على رؤسائهم، أو كانوا بمحاذاة أماكن مقدسة؛ كالبِيَّعْ، والكنائس، والمساجد وهو ما يماثل بالنسبة لليهود خلعهم لنعالهم داخل البلاط المخزني، ورغم التبريرات التي قدمها المخزن والتي تفيد أن هذا الذمي المعنَّف معروف بوقاحته إلا أن الدبلوماسية الخارجية برَّأتْهُ منها.


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 28/04/2023