ونحن على مشارف منتصف مراحل المخيمات الصيفية في إطار البرنامج الوطني عطلة للجميع صيف 2022، هي مناسبة للوقوف على بعض الملاحظات الأساسية ذات العلاقة بالمستجدات التي طبعت هذا المشروع الوطني بكل ما يختزله من قيم إنسانية و أهداف تربوية و رهانات اجتماعية تتجاوز لحظة الصيف لتمتد وتستمر في تشكيل وعي الطفولة، لتبقى وشما راسخا في ذاكرتهم الفردية و الجماعية.
ما من شك أن الحديث عن مطلب جودة المخيمات الصيفية و إيقاف مسلسل التفويتات والإغلاقات التي طالت العديد من مراكز التخييم و الرفع من عدد المستفيدين الذي لم يتغير منذ حكومة التناوب مع الوزير محمد الكحص… وضرورة إيجاد حل جدري لمشكل المطعمة التي أصبحت و صمة عار في العديد من المخيمات …و غيرها من القضايا، راجع للتدبير الارتجالي الدي طبع هذا الملف لسنوات خلت مع ما واكبه من فشل السياسات العمومية الموجهة للطفولة و ضمنها ملف المخيمات الصيفية… هو أيضا حديث عن الرغبة في صون جزء هام من تاريخ العمل التطوعي كقيمة حضارية في مجتمعنا المغربي، فضلا عن كون المخيم من أهم الفضاءات الخاصة بالتنشئة الاجتماعية السليمة والمؤسسة التربوية المتفردة في التربية على القيم الإنسانية النبيلة ، بما هي قيم الاستقلالية و المشاركة المواطنة والعيش المشترك والقدرة على التواصل والتعاون ونكران الذات ونبذ الفردانية والأنانية والاستعداد للتأقلم مع الخصوصيات الثقافية للأخر، أي القدرة على القبول بالاختلاف والتعايش معه بما يحمله من عادات وتقاليد و ثقافات مختلفة، تتلاقح كلها وتنصهر في فضاء المخيمات الوطنية، لتشكل تلك الفسيفساء الرمزية، لصورة ممهورة بكل معاني الجمال الإنساني، مطبوعة بعديد المعارف والمدارك والمهارات الحياتية التي تساهم في تشكل معالم شخصية جديدة لذى الطفل، بالقدر الذي تؤثر بعمق في تغير سلوكه… كما أن المخيم معاناة رمزية مع إكراهات الفضاءات والنقل والتغذية والسلامة الصحية والجسدية و التنفسية وتدبير العقليات والوضعيات المختلفة..
وقد شكلت المخيمات الصيفية بكل حمولاتها التربوية والثقافية والاجتماعية عبر مراحل تاريخ المغرب الحديث فرصة استثنائية لشريحة واسعة من الطفولة المغربية من أبناء الطبقات الفقيرة الحالمة بقضاء عطلة صيفية إسوة بنظرائهم من أبناء الطبقات الميسورة. حيث ارتبط نشاط المخيم لدا المغاربة عموما، مند فجر الاستقلال بالخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحركة الجمعوية التربوية للطفولة المغربية وبخاصة المنحدرة من العالم القروي والأحياء الشعبية والطبقات الاجتماعية التي تعاني الفقر والهشاشة ولا تقوى على توفير مصاريف العطلة… وبذلك كان المخيم فضاء للمزج بين النضال الوطني الصادق في تخفيف الأعباء الاجتماعية عن العديد من الأسر المغربية وبين الوفاء بالرسالة التربوية المساهمة في بناء الفرد والمجتمع…
وهي أيضا مناسبة لطرح العديد من الأسئلة الجوهرية من قبيل المنحة والفضاءات والمرافقة الاجتماعية والصحية والحراسة والتجهيز والتأطير و نظام المطعمة والمحتوى التربوي والنقل والإعلام والمسالك الطرقية للمخيمات الجبلية بالأطلس المتوسط…) إضافة لمسؤولية العديد من القطاعات الحكومية كالصحة و التجهيز و السياحة والتعليم و التشغيل…؟ و كلها قضايا تشكل هاجسا يوميا للفاعل المدني الحريص عل جودة الخدمات التربية المقدمة للطفولة بالمخيمات محملا الحكومة كوحدة متضامنة المسؤولية عما ألت إليه أوضاع بعض المخيمات، باعتبارها مسؤولة عن السياسات العمومية الموجهة للطفولة و الشباب، الشيء الدي يتطلب فتح نقاش صريح وواضخ حول الاختلالات التي عرفها هذا القطاع و لازالت تداعياتها ترخي بضلالها على هدا الموسم الاستثنائي بامتياز، الدي يأتي في سياق العودة لأنشطة التخييم بعد سنتين من التوقف الاضطراري جراء الإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا .
حيت يعتبر التقليص الذي طال المراحل التخييمية خلال هدا الموسم من 12 إلى 10 بداعي إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المستفيدين…، تكريسا خطيرا لمسلسل التراجعات التي تضرب في العمق خيار جودة المخيمات و يتعارض كليا مع شعار العودة للمخيمات عودة للحياة ، فأي حياة ب10 أيام إذا استثنينا منها يوم الوصول و يوم الخرجة الكبرى و يوم الحفل الختامي ويوم المغادرة نجد أنفسنا أمام 5 أيام لتنزيل المشروع البيداغوجي وتغيير السلوك التربوي و ترسيخ القيم وتعلم المهارات التربوية ؟؟؟ إنه ضرب من العبث يمس جوهر تنظيم المخيمات كخيار استراتيجي للدولة والمجتمع… ونأمل أن يكون هدا الخيار مؤقتا جراء تداعيات وإكراهات جائحة كورونا على أن تعمل الوزارة الوصية على تدارك الأمر خلال الموسم القادم بالعودة 15 يوما خلال كل مرحلة و هي المدة التي تشكل الحد الأدنى لمخيم يستجيب للشروط التربوية.
كما أن تأخير تنظيم جامعات اليافعين و الشباب إلى بداية شهر شتنبر و تزامنه مع الدخول المدرسي والجامعي ينطوي على نوع من الظلم تجاه هذ الفئة التي تتطلع للاستفادة من أنشطة الصيف خلال العطلة و بالموازاة مع مخيمات الأطفال، ضمانا لشرط المساواة و تكافؤ الفرص،
من المعيقات الأساسية لموسم التخييم حلال هذا الموسم مشكل التأطير، حيت يعلم صناع القرار بالوزارة الوصية أن الرأسمال البشري المؤهل لدى الجمعيات، غير مستقر باعتباره متطوعا و ليس متعاقدا أو أجيرا … و خلال مسافة 3 سنوات من التوقف الاضطراري عن تكوين أطر المخيمات الصيفية ، كان على الوزارة التفكير في صيغ جديدة واستثمار التحول الرقمي الذي أملته التحولات المجتمعية لزمن كورونا واعتماد التكوينات التي قامت بها الجمعيات عن بعد (نموذج جمعية الشعلة 120 مستفيد من تكوين الدرجة الأولى و 80 الدرجة الثانية و 50 تدريب المديرين … خلال موسم 2020 عن بعد). و هو الشيء الذي يتطلب الاهتمام بالتكوين كرافعة لجودة الفعل التربوي عموما وجودة المخيمات على وجه الخصوص
إلا أن الشيء المقلق بالنسبة لنا كجمعية ناضلت لأزيد من 47 سنة من أجل القضايا العادلة للطفولة و الشباب هو مسلسل التراجعات المتمثل في إغلاق العديد من مراكز التخييم و الإجهاز على عدد أخر من طرف لولبيات العقار أمام صمت الوزارة الوصية وعجزها المطبق أحيانا و الممزوج بغير قليل من التراخي في تسوية الوضعية العقارية أو القانونية أو أداء السومة الكرائية التي تعد مبالغ تافهة مقارنة مع الميزانيات المخصصة للعرض الوطني للتخييم.. مع كثير من الإهمال الذي طال بعض المخيمات لعدة سنوات ، تعيش اليوم حالة إقفالا مؤقت أو نهائي (تاغزوت، سيدي رحال، بريش، طماريس، تيومليلين، عيشة مبارك. وسماحة ..) و هنا لا بد من التأكيد على أن المسؤولية الوطنية تقتضي الإسراع بالعمل على توفير العدد الكافي من الفضاءات الصالحة للتخييم و بمواصفات الجودة التي تستجيب للشروط الجمالية و الصحية و التربوية ، لفضاءات تليق بالطفولة المغربية و تستحضر حجم التحديات التي يواجهها مغرب الحاضر و المستقبل،
لقد كان من الطبيعي في مغرب اليوم بعد مرور أزيد من 100 سنة على تنظيم أول المخيمات ، أن نجد في صلب السياسات العمومية مشاريع تراهن على تقوية شبكة المخيمات القارة في كل جهات المملكة انسجاما مع خيار الجهوية الموسعة وبحمولة تفوق المليون مستفيد من أطفال و يافعين و شباب، بجودة عالية من حيت البنيات التحتية والمرافق الاجتماعية والصحية والملاعب الرياضية والمسابح في المخيمات الجبلية … على اعتبار أن الموقع الجغرافي للمغرب يتيح إمكانية بناء العشرات من المخيمات الجديدة لضمان العدالة المجالية
لقد تم هدر فرضة كانت سانحة لتأهيل المخيمات الصيفية و بناء أخرى جديدة خلال جائحة كرونة التي استمرت زهاء 3 سنوات من الزمن التربوي، الشيء الذي لم يتحقق، وتركت أغلب الفضاءات عرضة للإهمال والتخريب، مما ساهم بشكل مباشر في تقليص عدد المستفيدين من موسم التخييم لأقل من النصف مقارنة بموسم 2019، علما أن الحركة الجمعوية الوطنية حين رفعت شعار المخيم حق وليس امتياز لم تكن تعني سوى تجسيدا لخياراتنا الاستراتيجية في تربية و تكوين الطفولة و الشباب وإحقاق لحق الطفولة المغربية في السفر و الترفيه والاستجمام… كم و هو الحق الذي حرمت منه اليوم أغلب الطفولة المغربية، في سياق التحولات الاجتماعية الوطنية و الإقليمية والدولية، حيث كنا نتطلع لمشروع مجتمعي يراعي المعطيات الكمية و النوعية للطفولة المغربية حيث أن سنة 2021 سجلت 7.493.000 طفل مغربي ما بين 7 و 17 سنة و كلهم في سن التخييم، حسب إحصاء المندوبية السامية للتخطيط، وإذا علمنا أن كل المخيمات بالمغرب لا تتجاوز حمولتها اليوم في اقصى الحالات 100000 مستفيد فإن النسبة لن تتعدى 13في المائة ، و هي نسبة ضعيفة و مخجلة لمجتمع يتطلع لتجسيد الخيار الاجتماعي بمقاربات إنسانية ، كما أنها نسبة مخيبة للآمال في ضل ما تعانيه أغلب الطفولة المغربية من انعكاسات سلبية على المستويين النفسي و الاجتماعي جراء تداعيات جائحة كورونا و انحصار فضاءات الترفيه في أغلب المدن الإسمنتية …
إن نبل المقاصد التي حدت بالمسؤولين عن القطاع الطفولة و الضباب لإقرار نظام المطعمة، بالاعتماد على صفقات عمومية لمموني الحفلات …..كان الهدف إعفاء الجمعيات من أعباء الطبخ و الإطعام و ما يتطلبه من جهد فكري ومادي… والتفرغ للمحتوى التربوية ، إلا أن واقع الممارسة اليومية قد أتبث نتائج عكسية و أصبح نظام المطعمة بالمخيمات عائقا حقيقيا أمام السير العادي للأنشطة التربوية بالمخيمات بل عامل هدم لكل المشاريع التربوية والبيداغوجي، نظرا لجشع وطمع العديد من الممونين الذين لا تتوفر فيهم الخبرة والتجربة، الشيء الذي أدى اليوم لبروز الأصوات الرافضة لهدة الصيغة التجارية التي لا تستحضر في غالب الأحيان المصلحة الفضلى للطفل في ضل المقاربة التجارية، مما أذى في مواقع كثرية إلى معاناة أطرنا وأطر الوزارة الأمرين مع وكلاء الممونين، لتعمدهم خرق حق الطفل في تغدية سليمة كيفا وكما، ناهيك عن التأخير في طرح الوجبات و عدم احترام الكميات المطلوبة والجودة الملتزم بها بالرغم من إقرار الوزارة لمبلغ 50 درهم في اليوم بالنسبة لكل طفل وهو مبلغ غير مسبوق…. الشيء الذي أصبح يفرض على الوزارة و الجمعيات الجادة التفكير في العودة للنظام القديم ، مع تحديثه و ضمان شروط عصرنته ومساهمته في تشغيل الشباب المتخرج من مدارس المتخصصة إلى جانب ذوي الخبرة في مطاعم المخيمات…
وفي نفس السياق لابد من فالمكتب الوطني للسكك الحديدة لم يرقى لمستوى تمثل المخيمات كخدمة وطنيه تتطلب تعبأة كافة القطاعات العمومية، في أفق ضمان مشاركة واسعة للطفولة المغربية بأثمنة تفضيلية رمزية للتخفيف من أعباء مساهمة الأسر في المخيمات و التحلي بكثير من المسؤولية والتواضع و خاصة مع أطفال العالم القروي والأحياء التي تعاني الفقر و الهشاشة والتخلي عن المقاربة التجارية الضيقة مساهمة من هذه المؤسسة العمومية في ضمان نجاح البرنامج الوطني للتخييم…
(*) رئيس جمعية الشعلة
للتريبة والثقافة