المخيمات مدخل للتربية على القيم

 

المضامين التربوية في قلب الاهتمام

من المعلوم أن المخيمات تعرف نقاش عمومي منقطع النظير في ظرفية اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية، وفقي سياق تحولات ثقافية محلية وإقليمية وكونية تحتاج إلى تعبئة حول مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي طليعتها المدرسة ومراكز التخييم التي تحتضن الأطفال طيلة اليوم بساعات طوال من الأنشطة التربوية والثقافية والتكنولوجية التي تشكل مدخلا للتربية على القيم، ومعبرا للتربية على المهارات الحياتية وقيم الابتكار التي تهم مجالات تربوية وتدبيرية تستوجب أيضا اعتماد مقاربات اشتغال تمكن من تقوية قدرات وكفايات الفاعلين التربويين، وهو الأمر الذي يساعدهم ويمكنهم من التعامل مع الأطفال والشباب في مجال تأطير المخيمات التربوية بمختلف تصنيفاتها.
إن التركيز على المضامين والمحتويات التربوية يعد من أولويات التوجهات العامة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، في ظرفية مميزة عرفت صدور المرسوم 2-21-186المنظم لمراكز التخييم الرامي إلى تنظيم العلاقات بين مختلف مكونات العملية التر بوية ، وتنظيم شروط الاستفادة من التخييم وتحديد مجالات التدخل، وتقنين الشراكات مع المتعاونين والمتدخلين في البرنامج الوطني للتخييم‘ وفتح أوراش التكوين وتنظيم اللقاءات الوطنية للتداول والحوار في شأن تجويد العمل وتحسين آليات الاشتغال واعتماد مناهج وآليات التقييم والتتبع والمصاحبة المعتمدة في تدبير البرنامج الوطني للتخييم ومجالاته، على اعتبار أن المخيم فضاء للبرمجة والتخطيط بامتياز.
بات من الواضح أن جل اللقاءات الدراسية والتكوينية المنظمة بتعاون وشراكة بين الوزارة والجامعة الوطنية للتخييم شكلت محطات فكرية للنقاش والتداول بين مختلف الفاعلين التربويين من أطر إدارية وتربوية، تسعى إلى تحقيق تملك الأطر الإدارية والتربوية منهجية وآليات بناء التصورات التربوية، وإعداد وهندسة المشاريع التربوية. واكتساب مهارات وكفايات القيام بوظيفة التقييم والمصاحبة التربوية لمختلف أطوار تنفيذ البرنامج التربوي بفضاءات التخييم، والوقوف على قوة وثبات مبادئه، وعملياته، وأدواته وأساليب اشتغاله، ومدى تحقيقه للأهداف.

المخيمات من مسارات النشأة إلى مأسسة الفعل التربوي

من المعلوم للباحثين والفاعلين التربويين قلة الدراسات التاريخية والاجتماعية المشتغلة على تاريخ ومسارات النشأة والتضارب أيضا في التواريخ من باحث إلى آخر في رصد المحطات والبدايات وعلى العمو يمكن الإقرار بأن تعددت المخيمات لتصل إلى القطاع الخاص في بداية الثلاثينيات، وعلى سبيل المثال ففي سنة 1931 قامت جمعية الإحسان بفاس بتنظيم مخيم بإفران بالقرب من فندق باليما هناك العديد من المصطلحات التي تسود بمراكز العطل والترفيه، في إطار ما يتلقاه الطفل داخل المخيم، أو ما يمكن تسمية “بالحياة اليومية” وفق برامج قارة وبرامج استثنائية، وبرامج عامة تحدد محتوياتها ومضامينها حسب الفئة العمرية المستهدفة. وحسب طبيعة التخييم ولعل هذه المعارف الأولية ترتبط بجانب أساسي، وبناء على تصنيفات الإطار المرجعي. لمهام العاملين بالقطاع. بالإضافة إلى مختلف الوثائق والتقارير المعدة في إطار اللجنة المشتركة ،
وفي هذا السياق يعتبر” التخييم” ممارسة النشاط داخل المخيم باعتباره المكان من حيث الموقع والمساحة والبناء والتنظيم، والمخيم حسب النظام العام للمخيمات هو “وسيط تربوي” يساهم إلى جانب الوسائط الاجتماعية الأخرى في تلبية بالجانب الفرد في التربية والتكوين والترفيه” . وبالرجوع للمرسوم الجديد تنظم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب طبقا لمقتضيات هذا المرسوم الذي يحدد كذلك كيفيات الاستفادة من خدماتها. إذ يشار إلى مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب بعده ب ” مراكز التخييم”. والتي تنقسم مراكز التخييم إلى مراكز تخييم قارة ومراكز تخييم للقرب
وبالرجوع إلى دليل هيئات التنشيط الثقافي بالمخيمات الصيفية للأطفال لمنظمة الإيسيسكو من إعداد الباحثين. عبد اللطيف كداي، وأشرف قادوس يمكن حصر تاريخ المخيمات في العالم في ” المحطات االتاريخية لظهور المخيمات الصيفية لفائدة الأطفال والشباب التي عرفت سنة 1850 : ظهور أول مخيم بإيطاليا، بريطانيا، ألمانيا وأيضا ظهور أول مخيم بإيطاليا، بريطانيا، ألمانيا، وفي سنة1870 : ظهور أول مخيم بسويسرا، في حين عرفت سنة1876 بداية مخيمات الأوساط الدينية بفرنسا. وتحملت الأوساط الدينية في أوروبا مسؤولية إخراج أطفال الأديرة في رحلات، أما في سنة1887فقد احتضنت المجالس البلدية الأوربية آطفال الحضانة والمعسكرات الخاصة، كما احتضنت أيضا المجالس البلدية الاوربية آطفال الحضانة والمعسكرات الخاصة، وعرفت سنة 1985، تعميم الرخص وتشجيع الجمعيات على القيام بهذا النوع من الأنشطة واستخراج شهادات وتداريب لمؤطرين المخيمات الصيفية ” .
وبالنسبة للتجربة المغربية فهناك اختلاف ملحوظ في البدايات المؤسسة لفعل التخييم، حتى في المنشورات الخاصة بالجامعة الوطنية للتخييم إذ أن ” كتاب مسارات التخييم بالمغرب لرئيس هذه الجامعة السابق الباحث” محمد القرطيطى ” الصادر سنة 2014 يشير إلى محطة 1933 كانطلاق. ويتعلق الأمر بمخيم ” على وادى ازبكين بإفران، والقول بمرجعية عمرها عدة عقود في أن منشورات الجامعة الوطنية للتخييم والوزارة الوطنية” قطاع ” الشباب والرياضة سيشرع في العرض الوطني للتخييم برسم موسم 2018 حسب المواقع الرسمية للوزارة والجامعة للاحتفال بمرور قرن من التخييم. أي رجوع الدراسات إلى سنة 1918، وهذا يحيل إلى مشكلة التوثيق والأرشيف، وأيضا إلى سياسة العمل المؤسساتي كوزارة الدولة لدى الوزير الأول المكلفة بالشبيبة والرياضة بناءعلى المرسوم رقم 2. 75. 838 بتاريخ 26 يناير 1976.” .

من تأثيرات التجربة الفرنسية إلى إرساء الهوية الثقافية لمراكز التخييم.

وانطلاقا مما سبق وجب التساؤل عن طبيعة التنظيم والتدبير، والتأطير لمراكز التخييم في ظل المرسوم الجديد الذي ظهر بعد مائة سنة من الاشتغال التربوي، وتراكم تجارب متعددة راكمتها الوزارة بمعية لعل الاجوبة عن هذه التساؤلات وخاصة فيما يتعلق بنظم التدبير، والعلاقات مع ما يجري على المستوى الدولى عامة ” والتجربة الفرنسية على وجه الخصوص إذ يقول ” القرطيطى ” “لم يعرف المغرب قبل الأربعينات تنظيم نشاط وزاري للمخيمات. أو يتقارب مع المفهوم السائد الآن. إلا ما كان يعرف في الثقافة الشعبية المغربية ” بالنزاهة ” في الغايات والأودية خلال فترات مفضلة للتمتع بالراحة وسماع الحكايات والموسيقى وهي عادات ظلت راسخة في أوساط الحرفين والتجار والكتاتيب والمدارس الحرة…في بداية 1940 بدأ التفكير داخل أوساط الفرنسيين في الإقامة العامة أو الجيش، وخاصة الأطر التي لها ثقافة كشفية أودينية أو جمعوية. في إحداث مخيمات على معسكرات في محاولة لتنظيم أجواء مناسبة لاستقبال أطفال أسرالجيش، أو المتعاونين معهم، ويرجح في الغالب أن ظهور المخيمات كانت وراءها خلفيات أو دوافع…لها سياسة وثانيها دوافع اجتماعية…وثالثها هذه الدوافع كانت دينية ارتباطا لنوعية الكنيسة التي تهدف إلى تأهيل مراكز خاصة لاحتضان الاطفال والشباب الفقراء .” .
ولعل هذا الطرح يسير في اتجاه مصالح المستعمر والإشارة إلى سنة 1940 كبداية للتفكير ومأسسة الفعل التنشيط بالمخيمات لدوافع سياسية وإيديولوجية صرفة توظف كافة الأجهزة الإيديولوجية للدولة لتنفيد برامجها الاستعمارية وإن كانت أحيانا تحمل أبعاد اجتماعية ويؤكد المقولة الموالية أيضا عدم الوضوح ولقد عرف ” سيمون لابوري ” التنشيط لكونه: ” مجموعة من الأعمال يسيرها ويحدد محتواها شخص أو مجموعة أشخاص في إطار معين وداخل جمعيات محددة بغية تحقيق أهداف تربوية وثقافية واجتماعية خارج أوقات العمل الاحترافي” .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اهتمت إدارة الحماية بالمخيمات وإدراجها في سياق مخيماتها خارج الحدود ومنحها في وجه بعض الجمعيات التطوعية، خاصة الكشفية، وأحدثت مصلحة مركزية داخل الإقامة العامة لإحكام التنظيم ، كما شرعت الإدارة في استصدار قوانين وتشريعات. على خلفية ما سبق للعديد من المخيمات” تتمركز كلها في الأطلس والجنوب والشرق.. في حين أن التأطير كان يستند إلى الجنود والرهبان والأطر التعليمية والكشفية وبلغ عدد المستفيدين في سنة 1945 ما يناهز 4362 شكل الأطفال المغاربة فيه نسبة 3%. لتتمظهر لنا جميعا ما وصلت إليه المتزايدة لأعداد المستفيدين، ودلك انطلاقا من حكومة التناوب مع تجربة الوزير محمد الكحص في برنامج العطلة للجميع مرورا عبر العديد من المحطات والمبادرات الوزارية المتعاقبة التي راكم فيها العديد من الوزراء تجارب وإضافات للبرنامج ضمن سياق استمرارية المرفق العمومي، لنجد في التجربة الحكومية الحالية مع الوزير المهدي بنسعيد كوزير لثلاثة قطاعات متقاطعة مندمجة تجمع الشباب والثقافة والتواصل والتي شكلت مبادرة مفصلية ناهزت فيها تجربة المخيمات مائة سنة وما يزيد ليتم إصدار المرسوم الجديد المنظم لمراكز التخييم وهي خطوة تشريعية مهمة لمأسسة الفعل التربوي التخييمي ببلادنا، وما وازاه من خطوات تشريعية تهم المرسوم المنظم لدور الشباب رغم كل القراءات بمختلف مستوياتها ومرجعياتها ومنطلقاتها الفكرية تأييدا أم معارضة أم نقدا موضوعيا يبقى الفعل القانوني حاضرا ومؤسسا لمحطات جديدة في التشريع والارتقاء بآليات الاشتغال، والتدبير والتأطير التربوي وإبرام الشراكات وتنويع مصادر التمويل، وما تفرضه الشراكة من تطورات في البنية التنظيمية للجامعة من لجنة إلى هيئة إلى جامعة وطنية للتخييم تنخرط بالفعل في مختلف خطوات وعمليات الإعداد والتنظيم من خلال إحداث اللجنة الاستشارية الوطنية والجهوية.
ولا شك أن هذه الإشارات تفضي كلها إلى طبيعة التنظيم المرتبط بسلطة إدارة الحماية، وإحداث مصلحة خاصة للشبيبة والرياضة تتكلف بالأشراف والمراقبة والضبط، في حين أن فئة المستفيدين من البرنامج فيتشكلون من أبناء الجنود، والأطر الفرنسية المقيمة بالمغرب مع نقص كبير في الحصيص المخصص للأطفال المغاربة، وارتباط التأطير بعناصر الجيش والرهان، في حين هذه الفترة كانت تقابلها بفرنسا انخراط الأطر التربوية المتطوعة لتأطير المخيمات التربوية بناء على تداريب تخصصيه، إذ ثم الشروع في تنظيم أول تدريس لمدرسي المخيمات باللغة العربية سنة 1949 بمشاركة أطر مغربية، موازاة مع حضور لافت داخل التنظيمات والمؤسسات التي تشغل مع الأطفال والشباب…وعلى صعيد الاستفادة من المخيمات سجل أعلى معدل في 1954 بلغ 12842 ،وشكلت مرحلة ( 1956 -1971 )نشأة وتطور المخيمات . .

المخيمات في ومن الفيروس التاجي ومدخل أنشطة القرب

“تعرف هذه التجربة التي قاربت مائة سنة تنظيم العديد من اللقاءات الدراسية في إطار اللجنة المشتركة بين الجامعة الوطنية للتخييم وقطاع الشباب والرياضة حول مضامين ومحتويات التكوين، إذ عرفت مخيمات صيف 2019 احتفاء المخيمات ” بحقوق الطفل ” بتنظيم العديد من البرامج التحسيسية بكافة المخيمات بتنسيق مع هيآت معنية بحقوق الطفل. ومع تزامن جائحة كورونا موسمي 2020و 2021، ثم وقف أنشطة التخييم وحرمان الطفولة لأول مرة من برنامج العطل والترفيه اعتبارا للإجراءات الاحترازية والوقائية ضد كوفيد-19ورغم إجراء اللقاحات للكبار فا كتفى قطاع الشباب والرياضة بتنظيم البرنامج الوطني التنشيطي للقرب بدون مبيت كما هو حال تجربة المخيمات الحضرية التي كانت تنظم بالموازاة مع المخيمات القارة لمدة عشرة أيام، وعرفت سنة 2022 تنظيم المخيمات بمختلف مراكز التخييم الوطنية لتعقبها العديد من اللقاءات التربوية والثقافية التي أشرفت عليها قيادة وطنية من خبراء القطاع تحت إشراف المصالح المركزية للوزارة في إطار الهيكلة الجديدة .
نحو بناء تصور لآليات اشتغال المخيمات التربوية
من الواضح أن اللقاء الوطني للتخييم المنظم نهاية موسم 2022 يعد من أهم اللقاءات حيث اتسم بمشاركة كافة الشركاء والمتعاونين وفي طليعتهم الشريك الأساسي الجامعة الوطنية للتخييم، لتليها اللقاءات الدراسية والتداريب التكوينية للمكونين ومكوني المكونين، وبعدها تداريب الدرجة الأولى للفئة العمرية من 7سنوات إلى 14سنة والمفضية إلى الحصول على الأهلية التربوية، والرامية إلى تمكين المتدربين من مهارات قيادة وتنشيط ورعاية الأطفال وضمان سلامتهم النفسية والجسدية في مراكز التخييم بمختلف جهات المملكة.
وتوالت اللقاءات في ظل التحولات الجديدة في الهيكل التنظيمي الوزاري بإحداث قسم خاص بالمخيمات وإحداث مديرية للشباب، خاصة اللقاء الدراسي المنظم بالخزانة الوطنية حول البرنامج التنشيطي برئاسة السيد الوزير وبحضور السيد الكاتب العام والسيدة مديرة مديرية الشباب، والسيد رئيس قسم المخيمات ورئيس الجامعة الوطنية للتخييم وممثلي القطاعات المتعاونة من سلطات محلية وأمنية وصحية وغيرها من الجمعيات الموضوعاتبة المهتمة بالصحة البدنية والنفسية، والرقمنة والسلامة الطرقية وتنمية القراءة والتربية الدامجة والإدماج المقاولاتي للطفولة والشباب ..
و لعل أهم ما ميز سنة2021 هو صدور مرسوم ينظم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، وذلك تحت رقم 2.21.186 صادر في 30 محرم 1443(8شتنبر2021) هذا القانون الدي جاء لينظم مختلف عمليات التخييم وإعطاء المكانة الحقيقية لمراكز التخييم، كما هو الحال لمكانة المؤطر التربوي والفاعل الجمعوي، على اعتبار أن المخيم مؤسسة للإبداع وترسيخ القيم الوطنية، وبناء الإنسان مطلق الإنسان.، لتظل الأسئلة حول المخيم مفتوحة إلى الأبد أمام استمرارية التغيير والتحول في البنى الاجتماعية والثقافية.

(*)باحث في السياسات التربوية والثقافية و رئيس مصلحة الشباب بالمديرية الجهوية جهة فاس ومكلف بالتتبع التربوي بمخيمات جهة فاس مكناس.


الكاتب : الدكتور حسن صابر(*)

  

بتاريخ : 22/07/2023