المرأة التي تستحق ألف تحية : زوبيدة جبارة…البطلة

مساء السبت 6 غشت ، بالقاعة المغطاة للرياضيات ولي العهد الأمير مولاي الحسن، مع النائبة البرلمانية والفاعلة الجمعوية ذات الامتداد الواسع والإشعاع المجتمعي في جهة الشرق وفي كل جهات المملكة، لالة لطيفة شريف في تجمع رياضي تكريما للبطلة المتعددة الاختصاصات لالة زبيدة جبارة ؛ أيقونة الشرق بها نعتز ونفتخر ونباهي بطلات العالم …
المرأة التي تستحق ألف تحية ، ألف احترام وألف تقدير هي زبيدة جبارة، وحدها ولا أحد غيرها …وجدة عانقت الحداثة من باب أنها أنجبت زوبيدة التي عانقت رفعة المواطنة
زوبيدة جبارة ؛
1963 بطلة المغرب في القفز الطولي، أول ميدالية لشرق المغرب ؛
1969 بطلة المغرب في القفز الطولي، الثانية في رمي الجلة ؛
1969 لاعبة دولية في كرة السلة؛
لاعبة دولية في كرة اليد؛
حزام أسود في الجيدو؛
لاعبة تنس؛

يحق لنا أن نبتهج أن هذه الأرض أعطت هكذا ثمار…. أعطت زوبيدة جبارة.
هي امرأة استثنائية بنجاحها … هي امرأة نبتت في تربة هذا البلد، خرجت من قاع المغرب… من شرقه… من وجدة … المرأة التي انسلت منسحبة من الأضواء إلى التمدد في احترامنا لها، هي من ملأت حياتها بلا دوي، بالوقوف هادئة في مواجهة الصخب …زوبيدة وليس أحد غيرها… لا تزاحم أحدا على «مساحة» ولا على «تفاحة»… بإرادتها وإصرارها نسجت نسيجها الميز.
كعادة الأنهار، تنزل من القمم لتسقي السهول، انحدرت زوبيدة من الشرق، لتصبح منذ طفولتها امرأة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات، إذ لم يكن من السهل على يافعة مثلها أن تلتحف أحلامها وتنتعل طموحها، وتتعطر بوعيها الرياضي المبكر، وتضرب في الأرض «منتصبة القامة مرفوع الهامة»؛… محصنة أخلاقيا وفكريا… البطولة هي العنوان.
اقتحمت زوبيدة الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل… تأتي في زمن مغربي صعب وعسير …تأتي لتبشر بعودة «السبع السمان» منتصرة على «السبع العجاف»، لتملأ أرضنا خصبا ، وبيادرنا حبا وحبا …تأتي لتهدي شموخا للمرأة بالشرق…
جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم، واحتفلنا بألحان النشيد الوطني…رقصنا (رقصة الركادة) مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات، الاعتماد على النفس، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود….قد يكون الميلاد حلوا …إنما المستقبل أحلى …تأتي زوبيدة لتكسر الصمت وتحطم المألوف، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة …لتسمو عن دونية الحريم وخسة «العيالات والولايا» وتعانق شموخ الإنسان وكبرياء المرأة…
منذ بداية البدايات عشقت الرياضة وداعبت الكرة …عز عليها أن تسقط فتستجيب لطيور الظلام …عز عليها أن تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الرياضة مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على أن تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وإن كان الزمن زمن جهل ورداءة …إذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الآفاق من أن لا نجد بطلة مقتدرة تنبهنا وتهدينا …فان زوبيدة التي أطلقت في زمن الصمت صرخة، قادرة على جعل النساء يعشقن الرياضة….
تتصف زوبيدة بكل خصال البطلة التواقة إلى النجاح؛ بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز، والتقدم بخطوات محسوبة، دون تسرع ودون تهور ، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل ، ورفض الانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة…
تعطرت بوعي رياضي مبكر، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي الرياضي والانخراط في الاختيار الصحيح …اختارت ان تكون بطلة…
شكلت وما زالت قيمة مضافة للرياضة المغربية …تحاصرها أسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها …البطلة صاحبة قضية، وعلى زوبيدة أن تواجه الأمواج والإعصار …فهذه قناعتها وهذا واجبها…. وهذه مهمتها.. وإلا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى البطلة زوبيدة ترى الأشياء …وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم لله! لكم التين ولنا الزيتون، وبين التين والزيتون، أمنت سعاد أن الرياضة ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين، بل إنها قناعة أنطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما وطنيا…هذا جوهر كينونتها وعنوان هويتها …التحدي هو سيد الميدان …وقفت زوبيدة فوق خشبة الحياة وأعلنت أنها بطلة…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب، تصطحب ظلها لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات، لعناق الأمل، ودائما تحمل في كفها دفاتر وورودا، وفي ذهنها أفكار ومبادرات، وعلى كتفها مهام ومسؤوليات، فهي تكره الفراغ… إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …وتقول زوبيدة جبارة: «لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه» …منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، في الرياضة، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح في المجال الذي يؤثث مسارها؛ الرياضة: ألعاب القوى ، التنس، الباسكيط…
تقوم فلسفة زوبيدة في الأداء الرياضي على مبدأ الانتماء، فهي مشبعة بهذا المبدأ وترى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الإحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على الوطن وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة، بل إنها تعتقد واثقة ان الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للحقل والمؤسسة التي تمثل حقل خدمة الوطن….
إن الرياضة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري، لا الاستاذية المتعالية على واقع الرياصة المعطى تاريخيا، هنا والآن، وعبرة الرياضة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات وإن كانت للنيات وجاهتها الأخلاقية.
زوبيدة جبارة بطلة وجدية، ومواطنة وطنية….إنها مغربية……إنها تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ …اختيارا لا قسرا …تنسجم بيد أنها لا تذوب …هي ذات فرادى واختلاف …تحوم سماوات العالم الرياضي ولا تهيم، وتعود مثقلة بالميداليات والبطولات لتبشر بغد جميل لمغرب جميل بأبطاله وبطلاته….
لزوبيدة حضور رياضي قوي، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار بطولي …هي أصلا تربت ضد الصمت ..تربت على كره النفاق والغدر ..وهي طفلة، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة… مترفعة في لحظات الهرولة …واثقة في زمن التيه …مؤمنة بان النجاح والتتويج والبطولة اجتهاد وعمل…وأن الرياضة اختيار والتزام…
تلقت تربية نزعت منها للأبد الإحساس بالخوف والاستسلام… وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق …تربية زرعت فيها الصمود والتصدي …تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة …تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرات ..
بالرغم من أنها غادرت عمر الزهور، فإنها ما زالت محتفظة ببريقها وديناميتها، بأناقتها وتألقها، فزوبيدة التي تمرست بالتداريب الرياضية ما زالت متمسكة بوهج الحياة …صفة الشباب تلازمها أينما حلت وارتحلت… فاعلة ديناميكية…تتمتع بخاصية فريدة في التواصل والمرح التي لا تخفي جديتها وصرامتها،…عنيدة مثل جغرافية المغرب…
إنسانة بشوشة في طيبوبتها، وطيبة ببشاشتها …قوية بهدوئها، وهادئة بقوتها …هكذا كما نعرفها، اسمها زوبيدة …اجتماعية بطبعها…وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر أو قرار …تحب المبادرات والأعمال التضامنية …وتقول «لا» لإعطاء الدروس بالمجان…


الكاتب : عبد السلام المساوي

  

بتاريخ : 09/08/2022