«المركبة»: المزاوجة الموفقة بين السينمائي و المسرحي

أبدع الكاتب المسرحي، سعد الله عبد المجيد، في نصه « المركبة « باعتماده الترميز الذي بلغ حد التشفير، كما أبدع المخرج ، صلاح الجبلي، في ترجمة النص المكتوب إلى فرجة بصرية اعتمدت التخييل الحالم و الباعث على الحلم.
« المركبة «، نصا، هو أولا طرح لسؤال الوجود من مختلف أوجهه: هل أنا حيث شئت أن أكون، كما شئت أن أكون؟ هل حققت ما وُجدت من أجله، أم أُجبرت، عن وعي أو دونه، على تحقيق غيره؟ وهو ثانيا طرح للعلاقة غير المتوازنة بين الرجل و المرأة، العلاقة التي حكمتها وتحكمها ثنائية التضاد حد التصارع بينهما أحيانا حول التحكم و التحرر( را. فاطمة حلمي، « المركبة، تمثيل خارج التوقيت «، الاتحاد الاشتراكي، ع. 13.403، السبت / الأحد 18 / 19 مارس 2023، ص. الأخيرة)؛ دون أن ننسى دخل وتدخل طرف ثالث، دائما، قد يكون شخصا ( الشيطان) أو حدثا ( النزول في كوكب غير الكوكب المقصود بفعل سُكر البطل « عيش « و الانقياد(!؟) الإرادي أو اللاإرادي (!؟) للبطلة « عيشة»)، في سير هذا الصراع وتشعباته. إلا أن الطرفين يصيران واحدا في النهاية، تلميحا إلى أن المأمول هو عالم التكامل حيث لا تابع ولا متبوع.
« المركبة «، نص مبني على أسئلة حارقة، تجعل السؤال الواحد يتشظى، ينفجر أحيانا لتتولد عنه أسئلة أخرى لا تكف بدورها عن التوالد، عن التشظي وعن الانفجار، ما يجعل لعبة السؤال وحدته تستمر إلى ما لا نهاية. كل ذلك في قالب فني يشد أحيانا العين الباحثة عن المتعة الفنية، ويأسرها أحيانا أخرى بما يُولده لديها من قلق بصري وفكري. وما كان لذلك أن يتحقق لولا المجهود الإبداعي الخلاق الذي أبان عنه الطاقم التقني المتكون من رشيد العماري، مليكة خمليشي، يونس كودري، محمد دايمي، محسن قي، فائزة حنافي.
أما الأداء، فبلغ درجة حرفية وإتقان فرضت على الحضور- رغم حرقة السؤال وحدة وجدة طريقة طرحه – الانضباط لقواعد الفرجة البصرية من بداية العرض حتى نهايته. ما يفرض على المتلقي الصادق الاعتراف للممثلين محمد لوزيني وهشام شوكي و الممثلة نسيمة عنان بطاقة وقدرة على التماهي مع الشخوص دون أن تبتلع الأخيرة أي واحد من الثلاثة في أية لحظة، ودون أن يغيب عنهم ولو للحظة أنهم يؤدون أدوارا دُرست و أُخرجت بدقة متناهية تفرض عليهم، ثلاثتهم، درجة عالية من الانضباط طيلة المدة الزمنية للعرض ( 90 دقيقة)؛ وتوفقوا في ذلك فعلا!
« المركبة «، عمل مسرحي جمع بين تقنيات السينما و المسرح في تركيب ومزاوجة ظلا بعيدين كل البعد على لي هذا لصالح تلك أو هاته لصالح ذلك. للحركة ما لها و للصورة ما لها و للتلاقي ما له! على هذا المستوى أيضا ساد التكامل، لا تابع و لا متبوع…
لذلك، وغيره كثير ( يتطلب أكثر من مشاهدة و أكثر من قراءة ) نُهنئ فريق العمل، بكامل مكوناته، على ما حققه، متمنين أن تطول مدة عيش هذا العمل وعروضه حتى يُمتع أكبر عدد من الجمهور العاشق.


الكاتب : سعيد الرباعي

  

بتاريخ : 28/03/2023