
ثَمّة معضلة واجهتنا سنة 1996، حين فُرض علينا التدخل لإنقاذ المدينة العتيقة، خصوصاً سورها الخارجي والمنازل المحاذية له والمتاخمة لواد الشعبة، من خطر فيضان وشيك. يومها، لم نكن نتوفر لا على الاعتمادات المالية الضرورية، ولا على الخبرات التقنية الكافية لمواجهة واقعة استثنائية بهذا الحجم .
بل الأخطر من ذلك ـ وهو ما يجهله كثير من المتحدثين اليوم في الموضوع، بمن فيهم بعض مدبري الشأن المحلي بآسفي ـ أن مجال واد الشعبة ليس اختصاصاً جماعياً ولا ملكاً جماعياً بقوة القانون. ومع ذلك، وأمام خطر داهم يهدد الأرواح، وبسبب رفض الجهة المختصة قانوناً تحمّل مسؤولياتها، وجدنا أنفسنا مُلزمين، من باب الضرورة القصوى، بـخرق القوانين والتدخل في جسم الوادي..
تم ذلك عبرإنجاز دراسة مستعجلة للخرسانة من طرف مكتب دراسات مشهود له بالكفاءة، والتعاقد مع مقاول يتوفر على الإمكانيات والخبرة بصيغة رأساً لرأس.
ولعلم من يخوضون في الموضوع بإسهاب اليوم، فإن واد الشعبة يخضع لمقتضيات ظهير 1 يوليوز 1914 وظهير 1 غشت 1925، وهو ما كُرّس لاحقاً بموجب القانون 10.95 ثم القانون 36.15 المتعلق بالماء، وهذه النصوص تحصر تدخل الجماعات الترابية التي تخترق مجالها أودية جارية أو جافة في:
النظافة، الحرص على عدم عرقلة الجريان، التنسيق بين مختلف المتدخلين ذوي الاختصاص..
أما ما عدا ذلك، فإن هذه الترسانة القانونية تجعل من وزارة التجهيز والماء، ومصالحها الإقليمية، المسؤولَ الأول عن وضعية الوادي، وعن تحمل تبعات الإنفاق والتدخل، باعتبارها الجهة الوحيدة النائبة عن ملك الدولة العام، وهو ملك لا يرتب أي حق خاص إلا ما كان ثابتاً قبل صدور الظهائر المشار إليها أعلاه..
لماذا هذا الكلام الآن؟
ليس لرفع العتب عن أي كان، ولا لتبرئة جهة أو تحميل أخرى. بل للبحث عن حلول جذرية، تضع كل الأطراف الحقيقية أمام مسؤولياتها، خاصة تلك التي تملك الموارد والخبرات، لكنها تتنصل دوماً من واجباتها، كما وقع سنة .1996
وللتذكير فقط، فإن فيضان تلك السنة كان نتيجة إقدام مصالح التجهيز نفسها على التنفيس عن الحاجز المائي بعد تجاوزه المعايير المسموح بها ( البراج).
آمل أن تساهم هذه الإطلالة في إعادة النقاش إلى مجاله الحقيقي، وتخليصه من المزايدات والشعبوية والانتخابوية، وفاءً ـ على الأقل ـ للأرواح التي فقدناها مؤخرا، وسعياً إلى إيجاد حلول ناجعة ومنصفة للمدينة وأهلها .
وأتمنى من مدّعي الانتساب للمدينة على طريقة «محنة الدجاجة بلا بزازل»، ما يخليوش هاد الصرخة تمشي هباء، كيف خواو بينا من قبل في قضية مقبرة لالة هنية الحمرية، حين احتجناهم للشهادة أمام القضاء بخصوص ملكيتها، في مواجهة وزارة الأوقاف التي وضعت يدها عليها كمقبرة تاريخية، ثم بادلتها بعوض مع «ليراك» بشقق في مراكش…
ضد التيار الشعبوي الذي ينفس من حيث لا يدري عن المسؤولين..
في حالة ما وقع بآسفي، الحدث لم يكن استثنائيًا من حيث التساقطات، بل من حيث هشاشة البنية وسوء الصيانة.
الخلاصة، وبكل موضوعية، ما وقع بآسفي فضيحة تدبيرية لا «كارثة طبيعية» بالمعنى القانوني، ينطبق عليه منطق المحاسبة والإصلاح العاجل.


