خالد حجي: الشباب المسلم بالغرب يعيش الدين كثقل وليس كرافعة
عز الدين عناية: المسلمون في إيطاليا يستوردون إسلامهم من الخارج بسبب الاختراقات
ركزت التدخلات التي تناولت «تحديات االوجود الإسلامي بالغرب» و«ظاهرة التطرف العنيف» التي اعتبرت رد فعل على محاولات أسلمة الغرب، والتي ناقشتها الجلسات الأربع من ندوات منتدى أصيلة أول أمس الثلاثاء، على صورة المسلمين والإسلام والتمثلات المتمركزة حول الهوية والآخر، حيث قاربت جل المداخلات أسباب ظاهرة التطرف والخطابات المعادية للمسلمين داخل أوربا وأمريكا، والتداخلات القائمة بين الداخل الغربي واالخارج الإسلامي في ما يخص مسألة تدبير احقل الديني ببلدان الاستقبال وما تفتحه المساحات الفارغة والمهملة فيه من إمكانية الاختراق من طرف الجماعات الأصولية والمنظمات المدنية الموازية لها.
صورة المسلم في التمثلات الغربية
اعتبر الكاتب والروائي أحمد المديني في ورقته / الشهادة التي قدمها حول تمثلات الأوربي عن المسلم القادم بأعطابه النفسية والاجتماعية، والتي عنونها بـ «ليتني كنت أعمى» أن «الوضع لم يكن صداميا في ثمانينيات القرن الماضي حين وصل الى باريس عربيا حتى النخاع، ومسلما على الفطرة ، بلا تعصب لشيء كجل المغاربة»، لافتا الى قيم التعايش التي سادت في تلك الفترة بين المهاجرين المسلمين والفرنسيين قائلا « لا أحد توسوس مني في الشارع، خلا بعض العجائز يستفزهن الأسمر مجاهدا من «الفلاكة» يقض مضاجعهن مازال. لم يكن أحد تقريبا ونحن على مشارف القرن الحالي يقول: المسلمون..»، وهي نظرة يعتبرها المديني مرتبطة بطبيعة الدور الذي اضطلع به المهاجرون آنذاك وهو بناء اقتصاديات الدول المستعمِرة ، في إطار جغرافيا محددة ترابيا واجتماعيا «يقيمون في الضواحي ومدن بعيدة عن المركز، يعملون في المناجم والمعامل، ولهم دخل يتدبرون به العيش هنا.. إسلامهم بالنسبة للفرنسيين يخصهم، بتنسيق مع وزارة الداخلية المسؤولة عن تدبير الشعائر». لكن بفعل أسباب اقتصادية وثقافية، يضيف المديني «لم يقدر لانسجام إسلام فرنسا أن يبقى منسجما ومنمطا ولا صورة التعايش بين المسلمين ومضيفيهم متماسكة»، موضحا أن المشكل في فرنسا هو «المسلمون وليس الإسلام كلما اعتبروا وجودهم في هذه الأراضي مرتبطا بهذا الإطار وتبعاته».
الأكاديمي والإعلامي القطري أحمد عبد الملك وفي عرضه لتحديات الوجود الإسلامي بالغرب، ربط الأمر بالصورة النمطية التي يروجها الاعلام الغربي عن العربي المسلم، وهي صورة يمكن تقسيمها زمنيا الى فترتين:
– فترة المهاجرين الأوائل الذين ذابوا في مجتمعات الاستقبال واندمجوا فعليا وقدموا بذلك صورة المسلم المتسامح.
– فترة الجيل الثاني المتمسك بهويته والمنغلق على ذاتيته، وهو الذي يعاني التهميش ويحاول أسلمة المجتمعات الغربية .
ولفت عبد الملك الى أن أحداث 11 شتنبر 2001، شكلت لحظة فارقة في زاوية النظر الى المسلمين والإسلام، حيث برزت النظرة الحادة والمتطرفة وظهر معها مفهوم «الاسلاموفوبيا» الذي لم يخترعه الغرب بل نشأ من داخل البلدان الأصلية للمسلمين، وولد ردود فعل ضدهم وضد أماكن العبادة إذ وصلت حالات الاعتداء على المساجد الى 350 حالة في 2015. وشدد عبد الملك على أن أزمة الشباب المسلم في بلدان الاستقبال تكمن في كونهم وبعد أن فشلوا في مقاومة الاستبداد داخل أوطانهم الأصلية، حاولوا نقل مناطقهم تخييليا ونفسيا ووضعها داخل أوربا، مشيرا الى أن فئة كبيرة منهم توطوا في عالم الجريمة.
من جهته قارب خالد حجي الأمين العام للمجلس الأوربي للعلماء المغاربة ورئيس منتدى بروكسيل للحكمة والسلم العالمي، سؤال الجاهزية الثقافية للمسلمين لتقبل الآخر والاختلاف، من خلال إبراز عدم قدرة الإسلام الأوربي، والى حدود الآن، على خلق أرضية ثقافية خاصة به، معتبرا أن جاهزية المسلمين الثقافية منخفضة بسبب تخلفهم عن سياق العصر وتحولاته، معتبرا أنهم ما زالوا يقيسون بمقاييس متقادمة. وأشار حجي الى أن الشباب المسلم بأوربا يعيش الدين كثقل وليس كرافعة، داعيا المسلمين الى الاشتغال على مستوى البلاغة أثناء التخاطب مع السياق الأوربي الذي غير نظرته للمسلم بعد أحداث 2001 كما غير فلسفته التشريعية لتطويق التطرف الديني، مع ما يفتحه هذا من منزلقات على صعيد الحريات والحقوق. ولفت حجي الى أن الخطاب الليبرالي المتخوف من الإسلام، بالإضافة الى صناعة التخويف تحتاج اليوم الى دراسة وقراءة متأنية تبحث عن الأسباب الكامنة وراءهما في ظل وضع يشعر فيه الشباب المسلم بعدم الانتماء الى السياق الأوربي، داعيا إلى هدم منطق صراع الحضارات باللجوء الى رصيدنا الديني والروحي ومعتبرا خوض هذه المعركة مسؤولية مشتركة.
المجتمع المدني بين الفاعلية والاختراقات
من جهته، ركز دافيد بولوك:مدير مشروع «فكرة» بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تدخله على مظاهر التطرف العنيف التي تقدم ذريعة لتبرير الخطابات المعادية للمسلمين، مقدما نموذج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واستغلاله لهذا الوضع خلال حملته الانتخابية وهو الاستغلال الذي وجد تأييدا واسعا داخل الأوساط الحكومية والشعبية، ودفعه الى سن إجراءات حمائية صارمة بعد منعه مواطني 6 دول عربية إسلامية من دخول أمريكا لدواع أمنية.
وأوضح بولوك أن هذا الخطاب المعادي للأقليات وجد مقاومة شديدة من لدن السلطات التشريعية الامريكية، إذ أن المحاكم هناك طالبت عبر حركات مطلبية احتجاجية بوقف هذه الإجراءات ومنح تسهيلات للمسلمين القادمين من هذه البلدان. ورغم هذه الأجواء المشحونة بعد وصول ترامب الى السلطة، إلا أن الرأي العام الأمريكي اليوم بدأ يميل لصالح المسلمين كرد فعل على هذه الحملات الفكرية السلبية المنبنية على قوالب وأنماط ثقافية وأحكام مسبقة. ودعا بولوك الى استثمار هذا التجاوب والتعاون مع القوى المناهضة لهذه التوجهات المتطرفة التي تقوم على نظرية العدو المشترك، لافتا الى ضرورة التركيز على التجارب الناجحة للمسلمين بأمريكا، المنخرطين في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والذين يصل عددهم الى 6 ملايين.
وحاول عز الدين عناية، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة روما، توصيف الجالية المسلمة بايطاليا التي يصل عددها الى مليونين، معتبرا أنها هجرة حديثة لا تتجاوز الأربعة عقود، أغلب مواطنيها من المغرب. وتحدث عناية عن أن أي تناول لوضعية المسلمين بإيطاليا لابد وأن يأخذ بعين الاعتبار سياقين سوسيولوجيين يتعلقان بمفهومي الإسلام الايطالي والإسلام في ايطاليا، محددا أن الامر بالنسبة لإيطاليا لا يخرج عن السياق الثاني، وهو إسلام ذو طبيعة عمالية بسيطة رغم وجود جمعيات تنشط حقوقيا ودينيا، تحضر من خلال المساجد أي ما يسمى بـ«الإسلام البسيط»، وداخله يوجد اتحاد الجمعيات الإسلامية الأكثر نشاطا وهيكلية والذي يأتمر بخلفية إخوانية سياسية وتنظر إليه الدولة بريبة وتوجس. واعتبر عناية أن هذا التوجس يجب أن يكون دافعا للباحثين الايطاليين لدراسة أسبابه، في ظل جهل عميق للأكاديميين الإيطالين بتاريخ الإسلام واقتصار الجامعات الإيطالية على الجانب السياسي والتركيز على المخاضات العربية الدينية وتهديدها للهوية الغربية والإرهاب . وخلص عزالدين عناية الى أن المسلم في إيطاليا يستورد إسلامه من الخارج بطرق مختلفة تفتح إمكانيات اختراقه من الخارج وتوظيفه، إضافة الى تعدد وسائط الاتصال وهو ما ولد توترات مع الواقع الداخلي الإيطالي.
هندسة اجتماعية غير متكافئة
اعتبر جوردان مورغان مدير البرنامج البريطاني «فور وارد تينينغ»، أن ثقافة القتل المنتشرة بأوربا والتي لا ترتبط بالظاهرة الإرهابية، لا يتم التعامل معها بنفس الخطاب الهجومي. كما أن الجهل باللغة العربية يساهم في تشويه الرسائل والمغازي. ولاحظ جوردان أن الحديث عن حوار إنساني حقيقي بين الجاليات المسلمة ومواطني البلدان الاوربية يقابله تشرذم وتنافس بين الجاليات نفسها التي تعاني من تناقضات عميقة داخل صفوفها، حيث تقصي بعضها البعض من أي نقاش حول التعايش كما يحدث ببريطانيا التي يتم إقصاء مساهمات الجالية الليبية من أي مبادرة.، مشيرا الى أنه من الصعب إعادة اجتذاب المسلمين المهمشين وإعادة النظر في علاقات الغرب معهم من طرف منظمات المجتمع المدني، في ظل تدني شروط العيش الكريم وسيادة الفقر والأمية وهي الشروط التي من شأن تحسينها أن يجنب تسييس قضايا الهوية والانتماء. ودعا مورغان الى سن تشريعات لمكافحة الإرهاب لا تتعامل مع الظواهر بل مع الأسباب العميقة لها مع الأخذ بعين الاعتبار التنوع المذهبي والثقافي بين أوساط الجاليات المسلمة التي يتم التعامل معها ككتلة متجانسة، يتم النظر إليها من زاوية المعتقد فقط، مضيفا أن المطلوب اليوم لتجاوز وضعية الاحتقان والرفض، إشراك الجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تعاني من تهميش رسمي عند وضع السياسات العامة لبلدان الاستقبال باعتبارها القناة المناسبة لإيصال الرسائل.
بدوره ، أكد محمد بن صالح مدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا أن الحديث عن التطرف العنيف اليوم فقدَ كل مبرراته التي روج لها المحافظون الجدد في عهد إدارة بوش الابن، وهو الطرح الذي كان يبرر العلاقة الصدامية للمسلمين بأمريكا خاصة بعد أحداث 11 شتنبر بغياب الديمقراطية وواقع الاستبداد بالدول العربية، واستعجالية تصديرالديمقراطية إليها.، ملاحظا ان هذا الباراديغم الذي بُرّر به التدخل الغربي لم يعد ممكنا اليوم مع تفجر مظاهر التطرف العنيف داخل بلدانها التي تعيش ديمقراطية حقيقية. واعتبر بنصالح أن جزءا من الغرب صدّر جيوشه وآليات عولمته ثم انتقل الى تصدير التطرف العنيف والإرهاب وأنتج خلايا إرهابية ،كان أفرادها ضحايا هندسة اجتماعية غير متكافئة في الغرب الذي مارست حكوماته فصلا عنصريا مناطقيا ضد المهاجرين المسلمين، مؤكدا على أن المسألة اجتماعية في الأصل وهي التي تؤدي الى أسلمة التطرف. وبالاضافة الى العامل السوسيولوجي أدخل بنصالح العامل السيكولوجي، حيث أن 40 بالمائة من المستقطبين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية خاصة في فرنسا، لذا يعتبرون أن انتماءهم لهذه الجماعات المتطرفة بمثابة خلاص من المعاناة النفسية.
وعن أوساط الاستقطاب، سجل بنصالح أن 60 بالمائة شحنوا داخل السجون التي كانوا يقضون بها عقوبات عن أفعال إجرامية، مضيفا أن ثلث المنضمين ينتمون الى الطبقة الوسطى والعليا ، «أكثر من نصفهم معتنقون جدد للاسلام، لم يطلبوا التطرف بل عُرض عليهم في سوق رقمي يتم فيه استغلال خطاب الصورة»، الصورة التي تعتمد خطاب المظلومية الطائفية( شيعي – سني، مسلم – مسيحي، مسلم – يهودي) مظلومية انتقلت من معاناة الفلسطينيين في البداية لتتحول اليوم الى رد فعل على ما يحدث بسوريا والعراق واليمن مثلا، مع ما يغذي هذه الصورة من جهل غربي بتاريخ الشرق الأوسط وشمال افريقيا والذي يشكل خلفيات هوياتية للمهاجرين المسلمين.