المشتبه فيه شارك في صلاة الجنازة بعد محاولته دفع الأسرة لرفض التشريح
عرفت قضية وفاة الممرضة «فاطمة أ» بخنيفرة، تطورات متسارعة بعد أن أماط التشريح الطبي اللثام عن معطيات جديدة نسفت رواية «الوفاة جراء تسرب غاز البوتان» التي تم تداولها في البداية كسبب رسمي للحادث، فقد كشفت نتائج التشريح الطبي أن الوفاة لم تكن نتيجة اختناق بالغاز، بل إن هناك مؤشرات قوية على شبهة جنائية، ما دفع النيابة العامة المختصة إلى فتح تحقيق جنائي شامل تحت إشراف مباشر من الوكيل العام للملك باستئنافية بني ملال، حيث تم تكليف المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالتقصي في تفاصيل القضية.
في سياق متصل، قادت التحقيقات بشأن الوفاة المثيرة، التي هزت الرأي العام المحلي والوطني، إلى الاشتباه في وقوف مفتش شرطة ممتاز، يشتغل بالمنطقة الأمنية لخنيفرة، هو المشتبه في تورطه وراء الفعل، بناء على علاقته بالضحية، وكونه آخر من رافقها إلى المستشفى حين وفاتها في الظروف المشبوهة، وقد تم إخضاع مكان الحادث لمسح علمي دقيق من طرف عناصر الشرطة المختصة، التي جمعت أدلة ومعطيات ساهمت في كشف الخيوط المعقدة لهذه القضية، وقد وُضع مفتش الشرطة المشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية.
المثير في الأمر أن المشتبه فيه كان قد نسج علاقة وثيقة مع الضحية، إلى درجة أنه كان ينوي التقدم لخطبتها بعد شهر رمضان، غير أن الموت الغامض كان أقرب من أي مشروع زواج محتمل، ووفق إفادات مقربين من الضحية، فإن هذا العنصر الأمني كان قد رافقها في واقعة سابقة مشابهة، حيث نجت من حادث «اختناق مزعوم بالغاز»، خلال رمضان، وادعى حينها أنه أنقذها، وهي الرواية التي يُنظر إليها اليوم، بين أوساط المتتبعين والمعلقين، كتمهيد أو تحضير لما قد يكون «نية مبيتة لفعل لاحق».
وتابع الرأي العام المحلي والوطني مجريات القضية باهتمام بالغ، خاصة بعد أن تكشفت حقائق صادمة، منها أن المشتبه فيه حاول الالتصاق بعائلة الهالكة بعد وفاتها، إن على مستوى المستشفى أو مستودع الأموات ومركز الشرطة والمحكمة الابتدائية، مُظهرا تعاطفه وحرصه على المساعدة في الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بوفاة الضحية، وساهم في إقناع الأسرة برفض الموافقة على إخضاع الجثمان للتشريح الطبي، وفق مصادر عائلية، رغم تلميحات بعض الأطر الطبية لوجود علامات غامضة على الجثة، تتنافى مع فرضية الوفاة بسبب الغاز.
وكم كان الأمر مريبا في مشاركة المشتبه فيه في صلاة الجنازة وترديده لمقولة «إكرام الميت دفنه»، بل المفاجأة وقعت قبل دقائق فقط من دفن الجثمان، حين تم توقيف عملية الدفن بناء على اتصالات عاجلة جرت بين الوكيل العام للملك ببني ملال ووكيل الملك بخنيفرة والشرطة القضائية ومندوبية الصحة، حيث تم نقل الجثة من قلب المسجد مباشرة إلى خنيفرة، ثم إلى المستشفى الجهوي ببني ملال لإجراء تشريح طبي دقيق عليها.
وقد تم تسليط الضوء على ملابسات مثيرة إضافية، منها أن الضحية لم تكن في وضع استحمام كما أشيع، بل كانت بكامل ملابسها، ولم يكن عليها أي آثار تدل على تعرضها للاختناق بالغاز بقدر ما كانت عليها أثار مريبة، كما ظهرت معطيات تفيد أن الضحية كانت قد أخبرت والدتها عن نية مفتش الشرطة التقدم لخطبتها، ما يعزز فرضية العلاقة التي كانت تربط بينهما، ويطرح تساؤلات حول مدى صدق نوايا المشتبه فيه الذي تمسك بنفي علاقته بقضية وفاة الضحية، غير أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي كان لتفاعلهم تعاليقهم الخاصة.
القضية ما تزال قيد التحقيق عبر مساطر الاستدعاء والاستماع لعدة أطراف مقربة من الضحية أو منتمية لقطاع التمريض والطب وغيرها، وذلك تحت إشراف الوكيل العام ببني ملال ووكيل الملك بخنيفرة الذين أكدا حرصهما التام على ضمان الشفافية والوصول إلى الحقيقة دون مواربة، ومن أجل فك جميع خيوط هذه الجريمة المفترضة التي قد تكون واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، والتي أضحت شبيهة بأي فيلم سينمائي من أفلام الإثارة والتشويق.
ويعود الحادث الأليم إلى اليوم الذي خيم فيه الحزن والصدمة على أوساط كثيرة بمدينة خنيفرة إثر وفاة الممرضة المذكورة التي تشتغل كمساعدة علاج بمصلحة المستعجلات بالمركز الاستشفائي الإقليمي، وذلك داخل منزلها، عشية الأحد 6 أبريل 2025، في واقعة وُصفت بداية باختناق في «تسرب غاز البوتان»، قبل أن تخيم أجواء التشكيك وتتسع دائرة التساؤلات، محدثة جدلا واسعا واستفهاما سريعا، فبين رواية «الوفاة بالغاز» و»الشكوك الخفية» وجد معارف الضحية وزملاؤها أنفسهم في قلب قضية رأي عام وتحركات مستفهمة. هذا الخبر نزل كالصاعقة، ليس فقط على أفراد أسرة الضحية ومعارفها، بل على الجسم الطبي والتمريضي والنقابي بالإقليم، حيث كانت الراحلة، في رأي الكثيرين، نموذجا للأخلاق والإنسانية والتفاني في عملها، لكن ما كان يمكن أن يُسجل كحادث عرضي ومأساوي، انقلب إلى لغز حقيقي بعدما بدأت الشكوك تتسلل إلى الجهات الرسمية، وبدأت علامات الاستفهام تتناسل حول ملابسات الوفاة التي لم تعد تبدو واضحة المعالم، خاصة في ظل تواتر معلومات مؤكدة تتحدث عن وجود ما يفتح شهية الشبهات، وعدم منطقية «رواية الغاز» المتداولة.
وانقلب الأمر بسرعة، إذ بعد أن اعتمدت النيابة العامة في البداية على تقارير صحية رجحت فرضية التسرب الغازي، عادت لتأمر بإجراء تشريح طبي دقيق لجثة الضحية بمصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجهوي ببني ملال، من أجل كشف السبب الحقيقي للوفاة، وعدم استبعاد أي فرضيات أو احتمالات ممكنة، فيما جرت تحقيقات معمقة، تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ببني ملال، الذي أعطى تعليماته للقيام بكل التحريات الممكنة، في تنسيق تام مع وكيل الملك بابتدائية خنيفرة الذي تابع تفاصيل الملف عن كثب في انتظار نتائج التشريح.