المصممة المغربية نسرين ياحي، مصممة ولجت المجال من باب الهواية في البداية، قبل أن تختمر الفكرة في رأسها، وتقرر اقتحام هذا العالم من أجل الاحتراف، لكن لكي تضمن لها موطأ قدم بين النجوم التي تتلألا في سماء عالم التصميم والأزياء والموضة، كان لابد من الدراسة، وهو ما أقدمت عليه، لأنها تعلم أن المنافسة في هذا الأمر منافسة شرسة، لامكان لها للمتطفلين.
درست التصميم في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي جعبتها دبلومين مهنيين في مجالي التصميم والرسم، ومع ذلك تواصل مشوار التكوين دون كلل أو ملل أو تعال.
نسرين ياحي حاصلة على شهادة البكالوريا في شعبة الاقتصاد بميزة حسن جدا وحاصلة أيضا على الإجازة والماستر في مجال إدارة الأعمال بكل من سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.
عرضت منتوجاتها داخل المغرب وخارجه، وكانت أول مصممة مغربية تعرض القفطان المغربي في إندونيسيا.
في هذا الحوار، نستعرض مع نسرين ياحي، البدايات وكل ما يرتبط بالقفطان المغربي والمنافسة الشرسة في هذا المجال، بعد دخول فاعلين آخرين مثل الصين وغيرها إلى غير ذلك من الاسئلة التي تجيب عنها في الحوار التالي
ولجت المصممة نسرين ياحي ،عالم التصميم والأزياء، منذ عشرين سنة عن حب ،وشكلت والدتها ،مصدر إلهام لها في هذا المجال ، حيث كان لها التأثير المباشر عليها، من خلال رؤيتها وهي تخيط القفاطين لنفسها، وهي الصورة التي ترسخت في ذهنها منذ الصغر ، ولما انغمست بكل جوارحها في هذا العالم الملىء بالأضواء، أخذت نسرين ياحي على عاتقها تطوير هذا الفن قبل أن يكون حرفة، ساعية إلى صقل موهبتها ورغبتها بالدراسة، فانتقلت لهذه الغاية، إلى فرنسا وأيضا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان التخصص في مجال تصميم الأزياء.
تتذكر المصممة المغربية نسرين ياحي، المحطات التي مرت منها، والتي كان لها الوقع على ما سيأتي في القادم من الأيام، وعلى مسيرتها الحياتية والمهنية، أنها ذات يوم، حينما كانت متوجهة من العاصمة الفرنسية، باريس إلى المغرب، حيث صادف هذا اليوم التهييء لدورة من دورات القفطان المغربي، ومن ثمة صممت على الاشتغال على تصميم القفطان، رغم الصعوبات التي اعترضت سبيلها وطموحها ككل البدايات، على اعتبار أن تفكيرها كان منصبا على التصميم العصري، لكن سرعان ، كما تقول ،بدما بدأت تكتشف الأسرار والغنى الذي يتميز بهما القفطان المغربي.
تكشف نسرين ياحي، انها خاضت عدة تجارب في هذا الباب، كما قامت بإلباس العديد من الفنانين والنجوم ، وهي التجربة التي تعتز بها أيما اعتزاز، لأنها فتحت عينيها على جوانب أخرى ليس بمقدور الإنسان العادي أن يكتشفها، لقد كانت تجربة رائعة، بل كلما كانت تشتغل ،كانت في ذات الآن تبحث عن نفسها داخل هذا الميدان، من أجل التميز في سماء مليئة بالنجوم، لذلك أخذت مسارا جديدا و نوعا جديدا في ميدان تصميم القفطان ،اختارت فيه إبداعا جديدا بأثمنة ملائمة.
عالم التصميم والأزياء والموضة أيضا، عالم مختلف تماما عن باقي العوالم، فهو مجال للإبداع والأفكار والاجتهاد، مثل الماء لايقبل الركود، لكي يبقى حيا عليه بالجريان، وهو ما تؤمن به المبدعة والمصممة نسرين ياحي، لذلك لم تقتصر عروضها على داخل الوطن فقط، بل تعداه إلى بلدان أخرى وثقافات متنوعة جديدة، (من إرضاء متطلبات وجميع الاذواق وفي جميع الأماكن.)
سافرت ياحي بإبداعاتها وتصاميمها إلى العديد من المعارض في فرنسا، بلجيكا و العديد من الدول و آخرها والذي تفتخر به كثيرا ،هو العرض العالمي للأزياء المحتشمة في إندونيسيا.
في هذه المعارض ،تقوم المصممة نسرين ياحي بنشر الثقافة المغربية، ويبقى القفطان المغربي أفضل وأسرع وسيلة لتحقيق هذا المبتغى ،مثل كرة القدم.
ولأن معرض إندونيسيا له مكانة خاصة في قلبها ووجدانها، على اعتبار أنها أول مصممة مغربية تقتحم هذه السوق، فقد قامت ياحي، بعرض القفطان بالحجاب ،وذلك بمشاركة مصممة إندونيسية مختصة بالحجاب، كما ولجت العرض مرتدية القفطان المغربي على إيقاع الموسيقى المغربية التي كان من ورائها الموزع والملحن حميد داوسي، هذا الأخير الذي أنجز موسيقى خاصة لذلك العرض، حيث زادت من قيمة و رونق القفطان المغربي، و من هذا المنبر أشكره كثيرا تقول.
عن وضع القفطان المغربي اليوم، والصعوبات التي تعترض تسويقه، خاصة أن العديد من المصممين التجأوا إلى العالم الافتراضي، لتسويق منتوجهم؟، عن ذلك تجيب المصممة نسرين ياحي، بالإشارة إلى أن
وضع القفطان ما بعد كورونا، و مع هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح يعاني من العديد من الصعوبات، و ذلك بسبب غلاء الأسعار و الأزمة التي خيمت بظلالها على العالم كله ،وضمنه المغرب، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي ،أصبحت تنافس المعارض، وأصبحت العديد من القنوات تبيع بشكل مباشر (بيع أونلاين)، فالعديد من الأشخاص يقومون ببيع و شراء القفاطين بشكل مباشر على الإنترنت، زيادة على تشابه السلع، لكن نسرين ياحي ،رغم كل ذلك ،كما تقول، تحاول القيام ببيع منتوجاتها بنفس ثمن السوق، مع وجود الإبداع و الإتقان والاختلاف على الآخرين، وهذا يتطلب وجود فريق مساعد في اختيار الثوب و شرائه، وكما يقول أجدادنا” الرباح في الشرا ماشي في البيع”، يعني قبل شراء الثوب ،يجب التفكير في الزبائن قبل عملية الاقتناء ،و ذلك بالحفاظ على الجودة و أن يكون الثمن مناسبا، والتصميم الذي عليه أن يكون خاصا بهم لوحدهم فقط.
حينما نتحدث عن عالم التصميم والأزياء، فالتفكير ينصب مباشرة على الأضواء والسفر والمعارض، وينسى المرى كما ترى نسرين ياحي، أن هناك وضعا آخر ليس تماما كما تنقله الكاميرات، إذ لاحظت في السنوات الأخيرة ،نقصان اليد العاملة،وأصبح من الصعب العثور على الصناع التقليديين القدامى ،الذين يشتغلون بحب وإيمان ،ويخلصون لحرفتهم، لقد وقفت على انقراض مثل هذا النوع من الصناع .
ومن أجل حل هذه المعضلة تدعو ياحي، الناس لتشجيع بعضهم البعض، وولوج هذا المجال للمحافظة عليه ، خاصة أنه مجال مربح ماديا.
فن التسويق ،أصبح الآن تخصصا له قواعده و أدبياته و تقنياته، ولايكفي أن تكون مبدعا وماهرا في تخصصك، بل الذكاء مطلوب في مثل هذا المجال، ومن أجل معرفة الآخر المختلف، عليك أن تعرف ثقافته، حتى تقدم له تصاميم يستهويها ويتقبلها، عن هذا الأمر، تجيب نسرين ياحي، بالتأكيد على أنها تتعامل مع الزبائن وفق هذه الرؤية، لذا تجدها تضع تصميماتها على حسب الدول التي تشارك في معارضها، فمثلا تشرح، أن في الجزائر يفضل الناس هناك، القفطان مملوءا بالأحجار و مطروزا، ولا يريدون القفطان الطويل، عكس المغرب ،الذي يفضل فيه المغاربة نخوة القفطان الطويل، أما بالنسبة للزبائن في فرنسا، فنجدهم يفضلون القفطان البسيط حتى يتمكنوا من استعماله في المناسبات، بينما العروس تفضل القفطان الذي يكون لامعا، إذن مع التجربة و الوقت ، تقول ياحي ،أصبحت حريصة على أن تكون تصاميمها مطابقة لطلبيات زبائنها و أذواقهم.
ولتحقيق هذه الغاية، تكشف ياحي، أنها تعمل من خلال وجهتين اثنتين، الأولى هو الابداع ،والثانية مرتبطة بالتسويق ، فهي مصممة أزياء ،لكن في نفس الوقت رئيسة مقاولة ،وعلى كل شخص أولا أن يشتغل كمبدع ويدبر عمله التجاري، لأن الأمر في البداية يكون مجرد هواية، لكن مع الوقت لابد من التسويق ،وفي مجمل القول، لا بد من الحفاظ على اللمسة الخاصة مع إرضاء الزبائن.
التصميم ليس حرفة مرتبطة بالإتقان والدراسة، بل هي أعمق من ذلك بكثير، ترتبط أساسا بالفكرة والفكرة هي إبداع، مثل اللوحة التشكيلية، مثل أي قصيدة ومثل أي لحن موسيقى ،لابد من الإلهام، لذلك لابد من طقوس و حالة نفسية تساعد على الإلهام، وهو ما تؤمن به المصممة نسرين ياحي، وعن ذلك ترد، أن الفكرة قد تأتيها من غير موعد سابق، قد تفاجئها وهي صافية الذهن في حضرة البحر، هادرا كان أو العكس، هادئا وفق الحالة النفسية التي هو عليها المرء.
كما أن السفر (يحرضها) على الإبداع ،ففي السفر كما يقال ،هناك فوائد كثيرة، ولعل من ذلك، تغيير الفضاء الذي تقطن فيه، وقد يأتيك الإلهام فجأة ،كما يأتي المخاض المرأة الحامل.
وقد تكون الغابة وأنت تتنفس من رئتها، فتشاركها أنفاسها، ويمكن أن تجود عليك بعطائها ،بفكرة أو صورة، وقد تترسخ في ذهنك صور بعض الورود وهي تتطاوس بألوانها، كل ذلك يمنحك طاقة إيجابية ويفجر في دواخلك الإبداع والإلهام.
هناك تقول المصممة ياحي، أكثر من مجال يمكن أن يلهمك، “ممكن أن أسمع أغنية أو أستقبل ابتسامة طفلي، فيولد هذا لدي نوعا من الأفكار” ،فالإلهام يكون أحيانا عبارة عن صور نستمدها من الواقع، فأغلب المصممين يحلمون تلك الأحلام ،التي تعطيهم الأفكار أو يستمدونها عن الواقع.
في السوق المحلية أو العالمية، هناك منافسة شرسة في هذا المجال، لكن هذه المنافسة أضحت تتخذ طابعا مغايرا ،هل هي فعلا منافسة مرتبطة بالإبداع في التصميم، أم أصبحت منافسة مرتبطة بالتجارة، عن هذا السؤال، تجيب ياحي، كاشفة أن المنافسة شىء جميل ، في الماضي كانت المنافسة (كثيرة)، نظرا لعدم إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي ،فكانت محصورة على رؤوس الأصابع ،في فئة محددة ،وهي الفئة التي كانت تملأ التلفاز والجرائد، لكن حاليا هناك للأسف، منافسة تجارية، أكثر منها منافسة على التصاميم، وطريقة رسمها، فهذه المنافسة تجارية وليست فنية…
وتكشف نسرين ياحي، أنه أحيانا هناك أشخاص يقتحمون هذا المجال، وهم على غير دراية بأبسط المعلومات حول هذا الميدان، فليس كل شخص يحترف مهنة الصحافة صحفيا،وليس كل من لديه صوت جميل مغنيا ومطربا، كذلك الأمر بالنسبة إلى هذا الميدان، فبالرغم من وجود متطفلين على المجال، إلا أنه لابد من التأكيد على أنه ليس كل شخص يطلق عليه اسم مصمم، فهو كذلك.
وتقر نسرين ياحي، أن المنافسة حاضرة بقوة ،فالقفطان موجود في العديد من الدول، كتركيا، الصين، الهند ،لكن إذا تحدثنا ثقافيا، فكل دولة لها قفطان خاص بها ،لكن المنافس الحقيقي الآن، تبقى الهند، نظرا لوجود يد عاملة كثيرة تتقن العمل ( الخياطة الطرز التنبات). صحيح أيضا أن القفطان يوجد في العديد من الدول، لكن ترى المصممة نسرين ياحي، أن القفطان المغربي له سمعته العالمية، وله خصوصياته المتفردة ،خاصة من ناحية التصميم ، إلى درجة حينما يذكر اسم القفطان ، يستحضر المرء للوهلة الأولى المغرب بالنسبة للأجانب، مضيفة أن الصين هي الأخرى أصبحت تنتج القفطان، لكن ليس كالمغرب، ولكن هذه المنافسة أترت على المنتوج المحلي.
القفطان المغربي كما تشهد على ذلك الكتابات المؤرخة لهذا الأمر ،تعود أصوله إلى القرن الثاني عشر ميلادي، في عهد الدولة الموحدية، حيث كان سلاطين الدولة الموحدية يبحثون عن لباس مهيب يليق بمكانة السلطان المغربي وصُنِع هذا اللباس المغربي انطلاقًا من لباس قبائل مغربية ومزجه مع منسوجات السفيفة والعقاد التي كانت تصنع بفاس.
وكانت فاس تعتبر المدينة الصناعية الأولى عالميًا سنة 600 هجرية الموافق ل 1203 ميلادية لما تحتويه من معامل ومصانع لنسج الثياب ومنها كان يصنع القفطان المغربي.
وكما جاء على لسان ليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقيا عن مدينة فاس:«يوجد بفاس خمسمائة وعشرون دار للنساجين وهي أبنية كثيرة ذات طبقات عديدة وقاعات فسيحة كقاعات القصور، تضم كل قاعة عددا كثيرا من عمال نسج الكتان. وهناك أيضًا مائة وخمسون معملا لقصاري الخيوط يقوم معظمها بجوار النهر…».
بل يذهب المؤرخون إلى درجة وصف لون القفطان المغربي، حيث يقرون، أنه خلال القرن 12 كان داكن اللون بأكمام قصيرة، ارتدى الرجال من فوقه قطعة سوداء أو داكنة اللون من الصوف تسمى البرنوس. كان الجزء الأمامي من البرنوس أقصر من الظهر لتسهيل المشي أو ركوب الخيل. وكان له قب أو غطاء رأس يوفر الدفء في الشتاء. أيضا، الجلابة مع البرنوس كانت شائعة جدا لدى الرجال المغاربة.
هذا التذكير بالتاريخ ، يجرنا إلى سؤال مرتبط بصناعة القفطان، ولماذا لم يعد مرتبطا بالرجل، في حين أصبح مرتبطا بالمرأة اليوم؟ عن هذا الأمر، تقول نسرين ياحي، صحيح ،إن الرجل كان يلبس القفطان، والقفطان لباس طويل بالكمائم ،هو لباس مخصص للرجل والمراة ،ولكن عندما نتحدث عن القفطان،دائما نربطه بالمرأة ، في الوقت الراهن أصبحت المرأة تلبس كالرجل (سروال قميجة) لأن المرأة اقتحمت عالم الشغل في كل الميادين والمجالات.
وتوضح ياحي، أنه في ما مضى، كانت المرأة تلبس القفطان حتى في المنزل، لكن مع تطور العصر واقتحام المرأة مجال العمل،كل ذلك فرض التغيير في طريقة اللباس حتى يتماشى والوضع الجديد.
وذكرت ياحي أنه في السنين الأخيرة، نجد أن الرجل اصبح يهتم بمظهره ويحرص على ارتداء اللباس التقليدي خاصة في المناسبات ،ومن بين هذا اللباس، نجد القفطان .
وكشفت المصممة نسرين ياحي، أن بعض المصممين يهتمون بهذا الجانب، لكن هذه الفكرة بدورها يجب الاهتمام به،والعمل على إنتاج منتوجات تقليدية خاصة بالرجال قصد تشجيعهم على اللباس التقليدي المغربي، فهو رمز للثقافة المغربية الضاربة في التاريخ، وتعكس أصالة المغرب، ويكفي أن ملوكنا المغاربة حريصون على ذلك في المناسبات الرسمية وغيرها ، ويرتدون الجلابة المغربية.
وتزيد نسرين ياحي قائلة ،إنه في كل مهنة، نجد إما الغلبة للرجال وإما للنساء ،لكن في مجال التصميم نجد الأغلبية من النساء اللائي احترفن هذه المهنة ،فأصبحت حكرا عليهن لكن في الوقت الراهن ،تم فتح مدارس خاصة بهذا الفن،حيث تضم الجنسين معا ،وينبغي ألا ننسى أن هناك بعض المصممين من الرجال صنعوا مسارا متميزا في هذا المجال ،وهم فئة قليلة مقارنة مع النساء، لكن كان لهم أثر كبير وواضح في هذا الميدان واستطاعوا التفوق على النساء المصممات، بل الأمر امتد إلى مجالات أخرى كالطبخ مثلا، إذ نجد أحيانا بعض الرجال يمارسون هذه المهنة ومتمكنين منها بشكل جيد أفضل بكثير من المرأة، وترى أن هذا الأمر، يبقى مسألة إختيار ،لكن أغلب الرجال الذين عرفتهم نسرين ياحي كما تقول ،في هذا المجال، كان لهم قريب يعمل في ذات المجال، وتأثروا بهم ، كأمهاتهم اللواتي احترفن مهنة الخياطة مثلا ،فيضطرون إلى دراسة هذه المهنة، فيطورونها ويبدعون فيها ، وهناك العديد من الرجال الذين بصموا بصمة خاصة في هذا المجال.