المطربة والممثلة المصرية ياسمين علي لـ «جريدة الاتحاد الاشتراكي» 2/2

مثلت مع محمد صبحي في «ونيس « لكن للأسف لم يشعر الناس بي، لأن ذلك تزامن مع «الثورات العربية»

الكلام و اللحن يتحكمان في اختياراتي،كل واحد يكمل الآخر، و أنا أشكل الواجهة التي تعرض الفكرة واللحن معا

 

ياسمين علي، مطربة وممثلة، رضعت الفن وتشبعت به منذ أن كانت طفلة، خريجة كلية الإعلام قسم الصحافة، انضمت وهي صغيرة إلى الأوبرا المصرية، لكن عوض أن تساهم هذه المؤسسة العريقة في تقديمها للجمهور الواسع، ومنحها الفرصة الملائمة لذلك، لجأت ياسمين علي إلى مجال تخصصها، وهو الإعلام، حيث انفتحت على العالم الافتراضي، من خلال تسويق موهبتها، لتكون أغنية « نقابل ناس نفارق ناس « الأغنية التي غزت قلوب الناس في مصر وفي الوطن العربي، وهي التي قدمتها من فوق سرير نومها، وكانت في حالة نفسية سيئة، بعدما أبلغها بعض الدارسين للموسيقى بأنها ستفقد صوتها،على إثر إصابتها بفيروس كورونا.
كانت ياسمين علي حزينة ونفسيتها في الحضيض، لكن مع ذلك، كان الإحساس يتدفق ويجري بانسيابية من حنجرتها المبحوحة، مثل نهر النيل الذي نشأت على ضفافه العديد من الحضارات، ومنها حضارة الفراعنة، وهو الإحساس الذي اخترق المألوف لديها، واخترق معه قلوب الناس، لتجد نفسها في اليوم الموالي، “كأنّها علم في رأسه نار” ، لا تخطئها العين كما قالت الخنساء شاعرة العرب ذات قصيدة .
ياسمين علي، فنانة متعددة المواهب، متفائلة ومتواضعة جدا، تتحدث إلى مخاطبها بدون بروتوكول وبدون تصنع، ما جعلها تكون مختلفة عن الآخر، تكره النمطية وتنبذ أن تكون ظل غيرها، وهو الاستثناء الذي دفع بالفنان القديرمحمد صبحي، كي يحتضنها وتشاركه في أعماله الفنية.
ياسمين علي معجبة بالألحان المغربية، وبالديفا سميرة سعيد، التي تعتبرها نموذجا في الأخلاق والتواضع، مغرمة بالفنانة غيثة بنعبدالسلام وبجنات وعزيزة جلال وليلى غفران .
في الحوار التالي، تجيب المطربة والممثلة المصرية ياسمين علي، بقلب مفتوح ،على عدد من القضايا التي أثارتها معها جريدة الاتحاد الاشتراكي.

 

p كيف تُديرين توازنك بين الجانب الفني والشخصي في حياتك؟ وكيف تحافظين على إلهامك ونشاطك الإبداعي ؟

n أنا لا أخطط لأي شيء، وكما سبق أن قلت، فإنني أترك الأشياء بيد الله، مع الحرص كل الحرص على انتقاء الأفضل من الأعمال المعروضة علي، وبالتالي أنغمس فيها سواء كان تمثيلا أو غناء.

p كيف يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة للتواصل والتلاقي بين الثقافات المختلفة؟ هل ترين دورك الفني على أنه جسر ثقافي بين مصر والعالم الخارجي

n الموسيقى في حد ذاتها لغة، الكل يفهمها في العالم بأسره، هذه هي الإجابة التلقائية والدبلوماسية والنموذجية، لكن يمكن القول، بالنسبة لي، أتمنى فعلا أن يكون لي دور في هذا الاتجاه، وأمثل بلدي مصر أفضل تمثيل ، وأستطيع أن أقدم أعمالا تشرف بلدي، آتمنى أن أكون فنانة عالمية، وليس عربية فقط، لقد كنت منذ صغري، أتمنى أن أكون مثل أم كلثوم مثلي مثل كل الفتيات آنذاك، لكن لما بدأت أستوعب الأشياء شيئا ما، تغير لدي هذا الحلم، وأصبحت أريد أن أكون كما أنا ياسمين علي، آتمنى أن أترك بصمتي في الحياة الفنية، لما يتقدم بي السن أو أعتزل.

p ما هي الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال فنك وأغانيك؟

n أي شيء له علاقة بالعادات والتقاليد، لن تحيد اختياراتي عن ذلك، لن أتنكر لطبيعة مجتمعي، فأي عمل فني لايستوفي شروط الإبداع المقرون بالاحترام لن أقبل عليه، بغض النظر إن كان الجميع يعجبه ذلك أم لا، فنحن العرب نتميز بعاداتنا وتقاليدنا واحترام ثقافتنا وديننا، وهذا ما يميزنا عن غيرنا، فليس واجبا أو شرطا ضروريا أن أكون عارية من أجل ممارسة الفن، ولن أقبل أن أغني أشياء هابطة وأقدم أعمالا لا تحترم الناس من أجل الشهرة، أو مواضيع حصرية تتعلق بالحب فقط، ولن أخضع لمقولة الجمهور «عايز كده» ،بالعكس الجمهور يريد فنا راقيا، وفي الأخير لايصح إلا الصحيح.

p مع مرور الزمن والتغيرات في صناعة الموسيقى، كيف تتعاملين مع التحديات التي تواجهينها كفنانة؟ وكيف تراعين تطور الجمهور واهتماماته المتغيرة؟

n الموضوع صعب جدا، والتغيرات تجري بسرعة فائقة، ففي السابق كنا نستمع إلى الأسطوانات والشرائط وغيرهما، قبل أن نصل إلى زمن المنصات ومواقع التواصل، في السابق كان المرء قادرا على ترتيب أفكاره، قبل أن يتحول كل شيء رأسا على عقب، ونحن كجيل أصبح الأمر علينا صعبا، وقد بحت بذلك مؤخرا عبر الهاتف للأستاذ محمد صبحي، إننا نحفر في الصخر، خاصة لمن ليس وراءه مؤسسة منتجة، إذ يجد المرء مثلي مسؤولا عن اختياراته لوحده، وطبيعي أن تكون الاختبارات خاطئة، وهذا اكتشفته منذ فترة، حيث سبق أن أعجبت ببعض الأغاني، لكن بعد ذلك عرضتها على أشخاص من أجل الاستماع إلى وجهة نظرهم، لم يبهروا بها، لكنني أطلقت هذه الأغاني مجبرة .

p هل يوجد فنانون أو موسيقيون تُلهمك أعمالهم وتُؤثر في مسيرتك الفنية؟

n لا أدري على وجه التحديد، لكن يمكن القول والجزم بأن هناك أسماء فنية أحبها وأسمع أعمالها كلما أطلقوا جديدهم الفني، من أجل تغذية أذني إن صح التعبير.

p مع مرور الزمن والتغيرات في صناعة الموسيقى، كيف تتعاملين مع التحديات التي تواجهينها كفنانة، وكيف تراعين تطور الجمهور واهتماماته المتغيرة؟

n الموضوع صعب جدا، كما يعلم الجميع، العالم اليوم تغير، وتحدث تغييرات ليس كل يوم، بل كل ساعة، ففي زمن الذكاء الاصطناعي الذي أصبح مهيمنا في كل شيء لم يعد الأمر سهلا، كما كان الأمر مع المطربين القدامى، لكن هذا هو الواقع الذي لن يرتفع، وبالتالي علينا أن نواكب العصر، وهذا ما أحاول القيام به على حد ما أستطيع.

p ماهي خططك المستقبلية الفنية؟ هل لديك رغبة في تجربة أنماط موسيقية أو مشاريع جديدة؟

n بالنسبة لمشاريعي المستقبلية، هناك ألبوم غنائي من إنتاج شركة «لايف ستايلز ستوديوز»، وقد أقنعني الشيخ فهد الزاهد بفكرة إصدار هذا الألبوم، إذ كان الأمر يتعلق في البداية بأغنية منفردة، إلا أنه تم الاتفاق على إصدار ألبوم غنائي، وكانت وجهة نظري في البداية، هي التركيز على أغنية « سينغل» ، ومبرراتي في ذلك، هو حتى أتمكن من التركيز على عمل فني واحد، وهناك أيضا أغنية جديدة سترى النور عما قريب بعنوان « زي الموج « وأتمنى أن تنال استحسان وإعحاب الناس .
وفي ما يتعلق برغبتي في تجربة أنماط موسيقية أو مشاريع جديدة، المسألة مرتبطة بطبيعة العمل، وما إن استطاع أن يستهويني أو لا، ويجعلني منبهرة به، في هذه الحالة، لن أتردد في دخول غمار هذه التجربة، أكيد لن أقترب البتة ولن أجرب أي عمل به بذاءة ، ولو كان يضمن الشهرة .

p دخلتِ كلية الإعلام قسم الصحافة، وتدربتِ على الإخراج الإذاعي وهندسة الصوت الإذاعية. هل من الممكن ان تشاركينا تجربتك هناك، وكيف كانت رحلتك في هذا المجال؟

n دراسة الصحافة والإعلام، شيء عظيم، وقد أكرمني الله سبحانه وتعالى بذلك، وكان الفضل كل الفضل في ذلك، لوالدي بصراحة، اللذين حرصا على أن أتابع دراستي في هذا المجال، علما أن مجال الغناء لم يكن في يوم من الأيام هدفي كمهمنة وكسب المال من خلاله، لأنني لم أكن مقتنعة بهذا الأمر، على اعتبار كما كنت أعتقد أن التكسب من خلال الفن هو بمثابة تسول، ولم أكن أيضا أعتقد وأستوعب أنني في مرحلة ما، ممكن أن أحترف الغناء كمهنة، لكن مع ولوجي الكلية بدأت أفهم الأشياء أكثر.
وبخصوص الإخراج السينمائي، لقد حصلت على دبلوم في الإخراج السينمائي، كما تدربت على يد المخرج أحمد فتح الله في الإخراج الإذاعي، كانت تجربة مميزة دامت ثلاث سنوات، كنت حريصة على عمل وتعلم كل شيء بشكل مكثف، وكأنها عشر سنوات، إلى درجة أصبحت ملمة بهندسة الصوت وغيرها، مما أصبحت معه منتبهة إلى أدق التفاصيل.
وبالنسبة للإخراج السينمائي دائما، هناك مخرجان متميزان، وهما ياسر سامي وفادي حداد، مخرجان بارعان وماهران في إخراج الكليبات، تأثرت بأعمالهما كثيرا، وكنت أتتبع أعمالهما الفنية منذ زمان، وقد سنحت لي الفرصة أن أشتغل مع المخرج ياسر سامي في مسلسل « النهاية «، كما أن المخرج فادي حداد أخرج لي أكثر من كليب، لقد أحببت الموضوع أكثر، واستهواني الأمر، مما جعلني أقدم على إخراج فيديو كليب « نفسي نعرف « من إنتاج شركة “لايف ستايلز ستوديوز»، كانت الفكرة لفهد الزاهد.

n الخبرة العملية تسهم في تطوير المهارات. أود أن أسأل عن مشاركتك الفنية كمطربة وممثلة في مسلسل (يوميات ونيس) الجزء الثامن، كيف كانت هذه التجربة وما هي الدروس التي تعلمتها منها؟

p لما التقيت بالأستاذ محمد صبحي، لم أكن أعرف معنى التمثيل أصلا، فهو الذي علمني كل شيء، لن أنسى فضله علي، علمني كيف أقف أمام الكاميرا، وكل ماهو مرتبط بالإضاءة، الصوت، الغناء، مخارج الحروف. العرب ، الأداء التمثيلي، الحركة، كيف أقف على خشبة المسرح، جعلني أتقن كل ذلك، وأؤدي دوري على المباشر، كانت تجربة ممتعة، لقد سخر لي الله أناسا طيبين في الوسط الفني، وأعتبر نفسي محظوظة، والحمد لله، فأنا لست سوداوية، بل متفائلة دائما، ولا أسعى بأي شكل من الأشكال، إلى اختطاف اللقمة من فم أحد، كما يقال، سواء من أجل العمل أو الشهرة ، لذلك أعتقد أن الله سخر لي هؤلاء الناس الطيبين وعلى رأسهم الأستاذ محمد صبحي الذي علمني كل شيء.

p ماذا يعني لك فن الغناء، وما هي الأنماط الموسيقية التي تشعرين بالراحة في أدائها؟

n الغناء يجري في دم منذ صغري، علاقتي بالفن علاقة عشق، ولا أتخيل حياتي بدون غناء، وقد تعرضت لامتحان صعب، حينما أصبت بفيروس كورونا، وأثر بشكل كبير على صوتي، وقد ازداد خوفي وقلقي، حينما قال لي أحد الأشخاص، إن صوتي لن يعود كما كان من ذي قبل، لكن الله خيب ظنه، في هذه الفترة كنت مرتبطة بأعمال كثيرة وملتزمة بأداء أغنية بأحد المسلسلات، ولما كنت أغني، كان صوتي لايسعفني، فأدخل في نوبة من البكاء، لكن الحمد لله تخطيت هذا العائق، وعاد صوتي إلى طبيعته الأولى، فالغناء بالنسبة لي نعمة كبيرة ، وأتمنى أن أحافظ على صوتي.
في ما يتعلق بالنمط الموسيقى الذي أرتاح له، أكيد الفن القديم، زمن الرواد والعمالقة، وحينما أستمع وأنا أستمتع بهذه الأغاني، أتأمل في المواضيع والأداء واللحن، وكيف كان مثل أساتذتنا رياض السنباطي، محمد الموجي، بليغ حمدي، محمد عبدالوهاب وغيرهم يلحنون، أتمنى أن يكون مثل هؤلاء في زمننا اليوم، لقد كانوا عباقرة ومتواضعين في نفس الوقت، وغير متعالين على الناس.

p ما هي أهم التحديات التي واجهتها في مسيرتك الفنية والإعلامية وكيف تغلبتِ عليها؟

n ليست ورائي مؤسسة تدبر موهبتي للأسف، واضطر إلى تدبر أمري شخصيا، وهذا يشكل لي بطبيعة الحال تحديا كبيرا، بالإضافة إلى ذلك، هناك من في الوسط الفني من يمني النفس كي لا أواصل مشواري ومسيرتي الفنية، لا أعرف لماذا هذا الإصرار من بعض الأشخاص على إلحاق الضرر بالآخر، فلما كنت في الأوبرا، كانت هناك عراقيل من طرف البعض ضدي، وكذلك الأمر لما اشتغلت مع الأستاذ محمد صبحي، حيث عمل البعض على الإضرار بي وعرقلة عملي، لكن أنا مؤمن بأن من يضع ثقته في الله لن يمسه أي ضرر.

p هل يوجد فنان أو فنانة معينة يلهمك في مجال الفن؟

n للأسف اليوم، لا أعتقد أنه يوجد هناك من يلهمك في المجال الفني، كما كان في السابق، زمن عمالة الفن والطرب.

p كيف ترين تطور صناعة الفن والإعلام في مصر والعالم العربي، وما دور الإعلام اليوم في المجتمع؟

n للأسف اليوم الإعلام له سمعة سيئة، لأنه ليس مستقلا، وأصبح رهينة لما يسمى ب « الترند « وعوض أن يكون هو القاطرة، أصبح تابعا، ليس هناك أسس وقوانين يخضع لها الإعلام اليوم، ما يهمه هو الانتشار بأي وسيلة، وكذلك جلب أموال المستشهرين، وكمثال على ذلك، أن إحدى القنوات قدمت إعلانات خاصة بأحد المرهمات، وتبين في الأخير أن هذه المادة غير صحية، نفس الأمر ينطبق على الفن، بسبب غياب الرقابة، وانتشار وهيمنة الرداءة والابتذال مقابل تراجع الفن الراقي والهادف، فالتطور الحالي بسبب التقنيات الحديثة لم يتم توظيفه بشكل إيجابي، بالعكس تم توظيفه بشكل سلبي، وبالتالي فالتطور الحاصل اليوم هو تطور للأسوأ، لست راضية على حال وواقع الفن والإعلام .

p ما هي اللحظات الأكثر إثارة وفخرًا في مسيرتك الفنية والإعلامية حتى الآن؟

n هناك أشياء كثيرة، في مسيرتي الفنية فخورة بها في عالمي الغناء والتمثيل، منها العمل مع الأستاذ محمد صبحي، الوقوف على مسرح الأوبرا، وفي مهرجان قرطاج أو كندا وغير ذلك، وأشعر بالفخر كلما أقف أمام الناس ويرددون معي أغاني، وهذا شعور لايوصف، سواء في مصر أو خارجها، بالإضافة إلى محبة الناس، خاصة حينما يصرون على تكريمك وكذلك المؤسسات، وأنا في مثل هذه السن، وازداد فخرا حينما يثني الناس على والدي وتربيتهما لي، كل ذلك يشجعني ويعطيني طاقة كي استكمل مشواري الفني ويحرضني على الكد والاجتهاد أكثر لأكون في مستوى تطلعات هؤلاء الناس، وكذلك كي أترك بصمة في هذا المجال، لكني مصممة وحريصة على تنفيذ ما أنا مقتنعة به ومؤمنة به حتى ولو خالف ذلك هوى الوسط الفني، الذي فيهم من يراني أنني لا أشبهه، المهم أنني لن أحيد عن هذا النهج الذي ارتضيته لنفسي، ولن أعمل شيئا يغضب ربنا ووالدي ومن يحبني .


الكاتب : أجرى الحوار: جلال كندالي

  

بتاريخ : 24/08/2023