افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بباريس هذا العام لم يشهد توترًا، حيث تمكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من زيارته في هدوء تام ولقاء المزارعين الفرنسيين دون اصطدامات أو توتر، على عكس الدورة السابقة. كما كانت بركة المغرب حاضرة إلى جانب الرئيس هذا العام، حيث كان المغرب ضيف الشرف ولأول مرة في تاريخ هذا المعرض. وعبر ماكرون عن “بالغ سعادته وفخره” باستضافة المغرب، وقد مرت هذه الضيافة في أجواء هادئة، رغم الجدل الذي أثارته بعض وسائل الإعلام حول الطماطم المغربية التي تلبي ثلث حاجيات فرنسا، من حوالي مليون طن تستهلكها سنويًا.
خلال الندوة الصحفية التي عُقدت صباح افتتاح المعرض مع الصحافة الفرنسية والأجنبية، لفت انتباهي تركيز الرئيس الفرنسي على المسألة الجيوسياسية وتأثيرها على الأمن الغذائي، مشددًا على أن “السيادة الغذائية” قد تصبح سلاحًا في النزاعات الجيوسياسية. وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية خلال السنوات الثلاث الأخيرة وضعت أزمة الحبوب والتصدير على المحك، خصوصًا أن روسيا وأوكرانيا تُعدّان من أهم المنتجين عالميًا، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا. وقال ماكرون: “لا أحد يضمن لنا ألا يُستخدم هذا السلاح في الحروب المستقبلية.” وأضاف: “مسؤوليتنا اليوم هي تأمين الغذاء لأنفسنا ولأطفالنا على الأراضي الفرنسية.”
هذا الخطاب جاء قبل يومين من لقاء ماكرون بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يسعى لإشعال حرب تجارية مع الحلفاء والخصوم كلما كانت الاتفاقيات التجارية لا تخدم مصالح واشنطن. وهو توجه قد يضرّ بالقطاع الفلاحي الأوروبي، خاصة فرنسا، باعتبارها أحد أكبر المصدّرين إلى السوق الأمريكية.
إلى جانب ذلك، يثير اتفاق “الميركوسور” مع دول أمريكا الجنوبية جدلًا واسعًا في فرنسا، حيث واجه معارضة شديدة من الحكومة الفرنسية تحت ضغط المزارعين. أما فيما يخص الإشكالات البيئية المرتبطة بالنموذج الفلاحي، فقد كان الرئيس واضحًا بقوله: “علينا الإنتاج لضمان الأمن الغذائي للفرنسيين وأيضًا من أجل التصدير.” وهو خطاب يرضي نقابة كبار المنتجين الذين يشكلون الأغلبية. ورغم كون فرنسا بلدًا غنيًا بسوق استهلاكية قوية، إلا أن العديد من صغار الفلاحين يعانون من صعوبة تأمين سبل العيش من نشاطهم الزراعي.
الحضور المغربي في المعرض
افتُتح الرواق المغربي في المعرض الدولي للفلاحة بباريس بحضور رئيس الحكومة ، عزيز أخنوش، ووزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو. وقد شكّل هذا الرواق فرصة لعرض المنتجات المجالية المغربية، التي تمثل ثمرة عمل تعاونيات ذات خبرة متوارثة عبر الأجيال. تعكس هذه المنتجات تنوع القطاع الفلاحي المغربي، بفضل التفاوت الجغرافي بين السهول، الجبال، والصحاري، مما يمنح الفلاحة المغربية طابعًا فريدًا على المستوى العالمي، خصوصًا مع قدرة المزارعين المغاربة على التأقلم مع التغيرات البيئية والمناخية.
يُعدّ الرواق المغربي من أبرز نقاط الجذب في المعرض، حيث يزخر بمختلف المنتجات الفلاحية التي تمثل تعاونيات من شتى مناطق المملكة. وتُعد المشاركة المغربية فرصة هامة للتعاونيات لتقديم منتجاتها وتعزيز مكانتها في الأسواق الدولية.
كما أن العديد من التعاونيات لا تقتصر على عرض المنتجات الفلاحية في شكلها الخام، بل تستثمر في تحويلها باستخدام تقنيات حديثة لإضافة قيمة مضافة، مما يجعلها أكثر جذبًا للأسواق العالمية. يساهم هذا التوجه في دعم الاقتصاد المحلي وإبراز جودة المنتجات المغربية، سواء في الصناعات الغذائية، العسل، الزيوت، التمور، أو النباتات الطبية والعطرية، وذلك بفضل مواكبة وكالة التنمية الفلاحية بقيادة مديرها المهدي الريفي.
في إطار المعرض، صرّح الريفي بأن “هذا الفضاء يُعدّ فرصة مثالية لاستعراض غنى وتنوع المنتجات الفلاحية المغربية.” كما أتاح المعرض للجمهور فرصة لاكتشاف جوانب أخرى من أصالة وتميز المغرب، من خلال أنشطة ثقافية وفنية، إلى جانب تذوق الأطباق المغربية التقليدية.
آفاق التعاون المغربي الفرنسي والسيادة الغذائية
يُعد التعاون المغربي الفرنسي في المجال الفلاحي فرصةً هامة لكلا البلدين، حيث يمكن للمغرب الاستفادة من التكنولوجيا الفرنسية في مجال الصناعات الغذائية واختيار البذور الملائمة، بينما يمكن للفلاحة الفرنسية الاستفادة من الخبرة المغربية في مجالات مثل تدبير الموارد المائية.
وأكدت وزيرة الفلاحة والسيادة الغذائية الفرنسية، آني جينيفار، أن “إلى جانب التحديات المشتركة التي تواجه فلاحتنا، لا سيما فيما يتعلق بالتكيف مع التغيرات المناخية، فإن هذه الشراكة تُضفي بعدًا دوليًا حقيقيًا على المعرض.” وأضافت: “مزارعونا لديهم الكثير ليتعلموه من بعضهم البعض، كما أن الفلاحة الفرنسية، التي تواجه تحديات مناخية متزايدة، يمكنها الاستفادة من تجربة المغرب، خاصة فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية.”
يُعد هذا التعاون مع الجانب الفرنسي فرصة مهمة للمغرب، الذي يسعى بدوره لتحقيق “سيادته الغذائية” وضمان حاجيات سكانه من المنتوجات الزراعية، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها، مثل ندرة المياه والتغيرات المناخية المستمرة والطويلة الأمد.