المعطيات الرسمية في مشروع التغطية الصحية… تضارب يستدعي التوضيح

وأنا أطالع التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لاحظت تضاربا مقلقا وغير مفهوم في المعطيات المتعلقة بأعداد العمال غير الأجراء المنخرطين في نظام التغطية الصحية، ففي تقرير المجلس الأعلى للحسابات للسنة المالية 2022/2023، تم الإعلان عن تسجيل 1.87 مليون عامل غير أجير كمنخرطين في نظام التغطية الصحية، مع الإشارة إلى أن 27% فقط منهم قاموا بتأدية اشتراكاتهم إلى حدود نهاية شتنبر 2023، وفي تقرير هذه السنة 2023/2024، كشف التقرير عن انخفاض في العدد الإجمالي للمنخرطين إلى 1.68 مليون، مع تحسن نسبي في نسبة الأداء التي بلغت 37% مع نهاية شتنبر 2024، بشكل غير مفهوم وبدون أي تفسير لهذا الأمر.
وبالرجوع إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة في ندوة صحفية لمجلس الحكومة، بتاريخ 12 دجنبر 2024، وجدته أعلن عن رقم مغاير تماما، حيث أفاد بأن عدد العمال غير الأجراء المنخرطين بلغ 3.769 مليونا، وهو ما يمثل تضاربا كبيرا بين التقارير الرسمية والتصريحات الحكومية، وهذا التناقض يثير العديد من علامات الاستفهام حول المنهجية المعتمدة في إحصاء المنخرطين، كما أنه يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مدى دقة البيانات ومدى انسجامها مع الواقع.
الاختلاف في الأرقام بين تقريري المجلس الأعلى للحسابات للسنتين الماليتين 2022/2023 و2023/2024 يشير إلى احتمال وجود خلل في متابعة هذا الورش، خاصة وأن الأرقام تعكس انخفاضا ملحوظا في عدد المنخرطين على الرغم من الجهود التي يفترض أن تكون قد بذلت لتوسيع دائرة المستفيدين، ومن جهة أخرى تضاعف الرقم الذي أعلن عنه الناطق الرسمي بشكل كبير مقارنةً بما ورد في تقارير المجلس، ما يطرح إشكاليات حول دقة التصريحات الحكومية وطبيعة الأرقام التي تستخدم في تقييم تقدم هذا الورش.
إن تضارب المعطيات بهذا الشكل يكشف عن إشكاليتين أساسيتين:
أولا، غياب التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بتدبير ورش تعميم التغطية الصحية، وهو ما يؤدي إلى تضارب الأرقام وضعف مصداقية المعطيات الرسمية.
ثانيا، يبرز التساؤل حول مدى واقعية الحصيلة المعلنة ومدى ارتباطها بالنتائج الفعلية على أرض الواقع، خاصة أن نسب الأداء لا تزال ضعيفة وتعكس تحديات مالية وإدارية كبيرة تواجه العمال غير الأجراء في الوفاء بالاشتراكات.
يبقى هذا التضارب مؤشرا خطيرا يفتح الباب أمام التكهن بوجود اختلالات هيكلية تعيق التنفيذ السليم لهذا المشروع، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة للمنهجيات الإحصائية وللإجراءات المتبعة لتدبير الورش، مع ضرورة تقديم تفسيرات واضحة وشفافة حول هذه التناقضات لضمان استعادة الثقة في المعطيات والحصيلة الرسمية.
(*) رئيس مركز الاستشراف
الاقتصادي والاجتماعي

 


الكاتب : علي الغنبوري (*)

  

بتاريخ : 16/12/2024