المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر  32 : مغاربة سادة تجارة الحرير الفارسي، الذهب، الفضة، اللؤلؤ والمرجان

 “المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة.
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

يرى الدكتور حسام محمد عبدالمعطي أن الشبكات التجارية النشطة،عندما تتعرض للتراجع في منطقةما نتيجة لتراجع سلعة تسعى إلى مكان آخر وراء منافعها وتدفع برؤوس أموالها إليها.
ويكشف الكتاب أن  الهجرة الفاسية الكبيرة إلى مصر خلال بواكير القرن الثامن عشر، أدت إلى تقوية الدوائر والشبكات التجارية للتجار المغاربة في منطقة البحر الأحمر بصورة كبيرة خاصة أن عددا كبيرا من العائلات الفاسية سعت إلى إحداث فروع  لها في المدن الحجازية واليمنية سواءجدة أو مكة أو المدينة أو مخا. وهو ما قوى من سيطرة الشبكات التجارية للمغاربة على جزء كبير من الحركة التجارية في البحر الأحمرا. ولكن كان يعيب الشبكات التجارية الفاسية وفق الدراسة،  ارتكازها على محور مخا وجدة و القاهرة وتونس وفاس ولكنها لم توسع من حيز امتدادها باتجاه الشمال إلى إسطنبول وأزمير وموانئ الشام.
وهو ما أدى إلى تراجع دورها نوعا ما في تجارة البن خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ بعد تعرض البن للتراجع بعد إنتاج البن في العالم الجديد؛ حيث ظلت إسطنبول طوال القرن الثامن عشر أكبر مستهلك للبن اليمني. ولذلك فقد كان دور الشبكات التجارية الفاسية أكثر وضوحا في نقل البن إلى القاهرة والإسكندرية فقط.
يكشف الكتاب أن الشبكات التجارية المغربية  امتدت على جميع مسارات التجارة المصرية بقوة، وكانت كل أنواع السلع الشرقية والغربية تدخل في هذه الشبكات: الحرير الفارسي والأقمشة الهندية والتوابل والذهب والفضة والمرجان واللؤلؤ والبن والأرز والنيلة والنشادر والخشب وغير ذلك؛ ولعل الشبكات التجارية التي امتلكها آل أمغار وآل الشرايبي وآل غراب وآل اللوبري مثالاً جيدًا على ذلك؛  كانت هذه الشبكات تنفذ إلى قلب الريف المصري لتمول إنتاج محاصيل معينة مثل الكتان والسكر والقطن ولتقوم بتجهيزها وإعدادها للشحن ثم تنقلها إلى مناطق استهلاكها.
كان للتمويل تأثيره المباشر وغير المباشر على استثمارات الأفراد؛ فمن خلال توفر التمويل وسهولة الحصول عليه يزداد النشاط التجاري والصناعي في المجتمع؛ ومن هنا فإنه بسبب عدم تطور أسواق المال في مصر والدولة العثمانية والتي تؤدي إلى إيجاد البنوك،فقد  بقي التمويل الشخصي من جانب التجار هو المصدر الرئيسي والمهم للتمويل والذي يتحكم في تأمين السيولة؛ وكان عدم توفر هذه السيولة واحدة من أهم العوائق التي تواجهها استثمارات التجار؛ لذا فإن توافر السيولة المالية لدى التاجر؛ يعد من القضايا المهمة،وكان يتم التغلب على مأزق السيولة هذا عن طريق الشراكة، ففي بعض الأحيان يقول الدكتور حسام محمد عبدالمعطي شارحا، كان يشارك ما يتراوح بين تاجرين أو أربعة تجار في هذه الشركات التجارية؛ وكان هؤلاء الشركاء من الإخوة أو من الأقارب أو من الطائفة المغربية وحتى من خارجها وكان يتم بناء هذه الشركات بصيغة عقد الشركة؛ وهو عقد مشاركة يقوم بموجبه أطراف الشركة بإقرار كل التفاصيل المتعلقة بحجم الاستثمار الذى لم يكن دائما متساويا بين الشركاء.وفترة الشراكة وقيودها من ناحية مجال العمل وتوزيع المهام؛ حيث كان صاحب المال يعد بمثابة الشريك غير الفعال في حين أن الطرف الآخر العامل يعد الشريك الفعال.
وفي بعض الأحيان كان يتم تحديد أنواع البضائع التي يتعين على الشريك الفعال التجارة بها وتحديد الطرق التجارية التي يجب عليه اتخاذها  ومدى المسئؤولية التي تقع على عاتق كل طرف من الأطراف المشاركة. وإذا ما انتهت الشركة كان على التجار الشركاء تصفية حساباتهم وتوزيع الربح بالنسبة وتسجيل عقد «تفاسخ» إنهاء الشركة وإشهار ذلك بتسجيله لدى القضاء،وقد فضل عدد من التجار المغاربة عقد المشاركة وتوضح دراسة تركات التجار المغاربة تنوعا غريبا في هذه الشركات ومستواها وأحجامها. وكانت الدوافع التي تدفع العديد من التجار إلى استخدام مثل هذا النوع من التعاملات التجارية ترجع إلى رغبة التجار كما يرى المؤلف،  في تفادي الوقوع في المخاطر بتوزيع كبار التجار رأس مالهم  على عدد من الشركات التجارية لاعتقادهم أن وضع رأس المال كله في صفقة واحدة أو في شركة واحدة من الممكن أن يعرضه للمخاطرة. وكذلك لأن تعدد الشركات يحدث سيولة نقدية وسلعية لدى التاجر عن طريق وصول الصفقات إلى أي من شركائه سواء مع إسطنبول أو مكة أو كانو أو غيرهم وتحقيق أرباح دورية طوال أغلب فترات العام.
و يؤكد الدكتور حسام محمد عبدالمعطي ،أنه كانت بعض هذه الشركات طويلة الأجل والبعض الآخر لمجرد صفقة أو موسم تجاري مثل الشركات العديدة التي كانت تنشاً مع موسم الحج في كل عام وتنتهي بعودة الحجاج،وغالبًا ما حرص التجار المغاربة عند تكوينهم للشركات مع التجار غير المغاربة أن يكونوا الطرف الفاعل حتى يضمنوا بقاء الأموال تحت أيديهم. وسبب نشاطهم
وحبهم للتنقل على المحاور والممرات التجارية مثل الشركة التي كونها الخواجا علي بن حسن الشويخ الشابي وابن عمه أحمد مع الخواجا محمد بن علي بن علي جلون للتجارة في الأقمشة برأس مال قدره ماثة ألف بارة كان للخواجا علي الشويخ وابن عمه النصف ولجلون النصف الآخر.
لم يقتصر الأمر على ذلك فقط ولكن كان يرجع أيضا إلى حجم رأس مال كل تاجر ورغبته في استثمار هذا المال، فقد فضل عدد آخر من هؤلاء تمويل التجارة دون المخاطرة بأنفسهم وحياتهم فقاموا بتقديم الأموال إلى الطالبين ليكونوا معهم شركات يحصلون بموجبها على نصف الأرباح بعد خصم رأس المال والمصاريف. فمثلا من أجل الدخول في تجارة البحر الأحمر، كون الشوام المسيحيون شركات تجارية مع التجار المغاربة أصحاب النفوذ التجاري الواسع في جدة خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ إذ كون الأخوان حنا ويوسف ولدا موسى كحيل شركة تجارية مع الخواجا حسن الشهد بن عبد السلام بن محمد جلون ،كما عمل آل الشرايبي في التوكيلات التجارية بشكل كبير فكانوا وكلاء عدد كبير من التجار من إسطنبول والهند ومنى وجدة؛ فمثلاً كان الخواجا خضر بن عثمان البغدادي واحدا من كبار تجار جدة في النصف الأول من القرن الثامن عشر وكان يقوم بإرسال البن والأقمشة الهندية إلى آل الشرايبي في القاهرة لتصريفها وإرسالها إلى إسطنبول أو شمال إفريقيا أو أوروباء وكانوا يرسلون إليه ما يحتاجه من بضائع وسلع مصرية أو أوروبية أو تركية؛ وقد طلب خضر من قاسم شراء أخشاب من إسطنبول وبناء مركب للعمل بين جدة والسويس، وبالفعل فقد تم شراء أخشاب ولوازم لهذا المركب ،إلا أن وفاة خضر يقول المؤلف،  حالت دون إتمام بناء هذا المركب.


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 05/06/2021