المغرب: قوة إقليمية متنامية ولاعب أساسي في دبلوماسية واقتصاد افريقيا

 

في منطقة الساحل الإفريقي، تبرز المملكة المغربية كـ»قوة دبلوماسية واقتصادية مؤثرة»، مستفيدا من استراتيجيات متعددة لتعزيز حضوره ونفوذه. من خلال الحفاظ على علاقات متينة مع الحكومات الجديدة واستثماراته الواسعة، أصبح المغرب «وسيطا لا غنى عنه في القضايا الأفريقية الإقليمية» خاصة.
**وسيط أساسي بين الغرب ودول الساحل
برز المغرب كوسيط لا غنى عنه بين الدول الغربية والجنرالات الذين استولوا على السلطة في : «مالي»، «بوركينا فاسو» و»النيجر».
على عكس «فرنسا»، نجح «المغرب» في الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه الحكومات الجديدة، مما أدى إلى نجاحات دبلوماسية مهمة. مؤخرا، تمكنت المملكة من تأمين إطلاق سراح أربعة عملاء فرنسيين من المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) كانوا محتجزين في «بوركينا فاسو» منذ دجنبر 2023. تم تحقيق هذا الإنجاز بفضل تدخل الملك «محمد السادس»، الذي طلب شخصيا من الكابتن «إبراهيم تراوري»، قائد بوركينا فاسو منذ انقلابه في سبتمبر 2022، الإفراج عنهم.
هذا النجاح، يعزز دور المغرب كـ»وسيط موثوق به بين الغرب والجنرالات في المنطقة». في حين تدهورت علاقات «فرنسا» مع هذه الحكومات، تمكن المغرب من الحفاظ على حوار بناء معها، مما سمح له بلعب دور حاسم في حل الأزمات الإقليمية. على سبيل المثال، في غشت 2023، أشادت «رومانيا» بالدور الأساسي الذي لعبته «المديرية العامة للدراسات والمستندات» (DGED) في إطلاق سراح ضابط الأمن الروماني «يوليان غيرغوت»، الذي اختطف في «بوركينا فاسو» عام 2015 من قبل مجموعة متحالفة مع القاعدة. وبالمثل، ساهمت «المديرية العامة للدراسات والمستندات» (DGED) في عودة المهندس المدني الألماني «يورغ لانج»، الذي اختطفه إسلاميون في «النيجر» عام 2018 واحتجز في مالي لمدة أربع سنوات.
في حالة العملاء الفرنسيين المحتجزين في «واغادوغو»، جرت المفاوضات هذه المرة بين أجهزة الدولة. لم تتردد الدبلوماسية المغربية – التي لم تعلن سابقًا عن مساهمتها في تحرير الرهائن المحتجزين لدى الجهاديين – في إبراز «تميز العلاقات» بين الملك محمد السادس والرئيس تراوري . هذا يدل على فهم المغرب، على عكس فرنسا، «للسياق السيادي الجديد» في الساحل، وفقًا للصحفي النيجيري سيديك أبا، مؤلف عدة كتب عن المنطقة.
بالتوازي مع ذلك، ووفقا لـ»أفريكا أنتيليجينس»(Africa Intelligence) المتخصصة، تجري «المديرية العامة للدراسات والمستندات» محادثات مع الجنرالات في «النيجر» بهدف إطلاق سراح الرئيس «محمد بازوم» المحتجز في «نيامي» منذ الإطاحة به في يوليوز 2023. يؤكد المقربون من الرئيس السابق لـجريدة «لوموند» أن : «مسألة إطلاق سراحه نوقشت خلال زيارة «إيمانويل ماكرون» إلى «الرباط» في الفترة من 28 إلى 30 أكتوبر»، مضيفين أن «نظام الانتقال لن يقبل بذلك إلا بشرط أن يستقيل السيد «بازوم» وينفى». رفض الأخير هذين الشرطين منذ أكثر من عام، دون استبعاد احتمال مغادرته إلى المغرب، وهو حل مناسب للانقلابيين نظرا لبعده الجغرافي عن «النيجر».
**حضور اقتصادي وديني متنامٍ في إفريقيا
من وجهة نظر الجنرالات النيجيريين، يتمتع «المغرب» بميزة أخرى: «حياده النسبي» حيث أن الرباط ليست عضوا في «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، التي فرضت عقوبات شديدة على «تحالف دول الساحل الجديد (AES) «الذي شكلته «النيجر»، «بوركينا فاسو» و»مالي»، مما أدى إلى قطع هذه الدول علاقاتها مع المنظمة.
دون إدانة أي من الانقلابات، ظل المغرب محاورا جيدا للحكومات الجديدة، مستضيفا ممثليها ومواصلًا معهم تبادل خبراته في مجالات «الدفاع» و»الأمن»، خاصة في «مكافحة الإرهاب والتطرف». حتى أنه عرض عليهم، في مبادرة لا تزال قيد الدراسة، الوصول التجاري إلى ساحله الأطلسي.
ينطبق الأمر نفسه على تعزيز حضوره الاقتصادي، حيث لا تفرض «الرباط» أي شروط سياسية – حتى في «مالي»، التي تعترف بالجمهورية الوهمية.
في منطقة الساحل، يشمل هذا الحضور كل شيء من «الاتصالات» إلى «البنوك»، التي اشترت العديد منها سندات أصدرتها الحكومات لتمويل نفسها، حيث» يُقال إن المغرب يجري محادثات مع صناديق سيادية خليجية بهدف استثمارات مالية في المنطقة. هذا ما دفع وزيرا ماليا سابقًا للقول إن «المغاربة يحتفى بهم افريقيا، وهم يُستقبلوا بحفاوة لقوة استثماراتهم في القارة».
من الجهة الدينية، لم تنتشر مساجد تحمل اسم «محمد السادس» – التي ازدهرت في غرب أفريقيا كرموز للتأثير الديني للمغرب جنوب الصحراء – بعد في منطقة الساحل. لكن اسم الملك مكتوب بحروف كبيرة (منذ عامين) عند مدخل عيادة ما قبل الولادة في «باماكو» (ممولة من ميزانية مؤسسة ملكية).
في 12 دجنبر، تم افتتاح محطة حرارية تحمل اسم «صاحب الجلالة الملك محمد السادس»، كهدية من المغرب في «نيامي». في ذلك اليوم، عُرضت لافتة ضخمة تُظهر الصورة (الرسمية) للملك بجانب صورة الجنرال «عبد الرحمن تياني» مرتديًا قبعة بنية. خلال العيد الوطني للنيجر في 3 غشت، أكد محمد السادس «الاستعداد الدائم» للمغرب للعمل «من أجل تعزيز التعاون الثنائي» بين البلدين.
في الختام، يواصل المغرب تعزيز دوره كوسيط «رئيسي» و»موثوق به» في منطقة الساحل، مستفيدا من علاقاته الجيدة مع الحكومات الجديدة وموقعه كدولة محايدة. من خلال الجمع بين الدبلوماسية النشطة والاستثمارات الاقتصادية، يثبت المغرب نفسه كلاعب لا غنى عنه في استقرار وتنمية المنطقة والقارة السمراء.


الكاتب : تـ : المقدمي المهدي عن «لوموند» (ومصادر أخرى)

  

بتاريخ : 26/12/2024