المغرب وروسيا يتجهان لتفعيل اتفاق بحري يشمل سواحل الصحراء المغربية ويمنح 90 ألف طن من حصص الصيد

في منعطف جديد يعكس رسوخ العلاقات المغربية الروسية في مجال الصيد البحري، أقرّت الحكومة الروسية مشروع اتفاق جديد مع المملكة المغربية، يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في استغلال الموارد البحرية وتثبيت شراكة استراتيجية على ضفاف الأطلسي، بما يشمل سواحل الصحراء المغربية. القرار، الذي صادقت عليه موسكو بتاريخ 4 أبريل 2025 تحت رقم 825-ر، جاء بناء على مقترح من وزارة الفلاحة الروسية، وبتنسيق مع وزارة الخارجية وعدد من الهيئات الفيدرالية المختصة، بعد مشاورات مسبقة مع الجانب المغربي.
الاتفاق المنتظر لا يقتصر على تجديد الإطار التقليدي للصيد البحري فحسب، بل يحمل في طياته أبعادًا أعمق، حيث يرسي أسس تعاون شامل في مجال الحفاظ على الموارد البيولوجية البحرية واستغلالها بشكل عقلاني داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للمملكة المغربية. كما أنه يحدد الشروط الدقيقة التي ستشتغل في ظلها السفن الروسية في المنطقة الأطلسية المغربية، وهي شروط تنم عن حرص متبادل على التوازن بين النشاط الاقتصادي وحماية البيئة البحرية.
وتكتسي أهمية هذا الاتفاق طابعا خاصا بالنظر إلى شموله سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي باتت محورا رئيسيا في العمليات البحرية الروسية، لاسيما في ظل البعثات العلمية المشتركة بين الجانبين، مثل البعثة التي شاركت فيها مؤخرا سفينة الأبحاث الروسية «أتلانتنيرو» إلى جانب المعهد الوطني المغربي لبحوث الصيد البحري، في إطار مهمة علمية إفريقية كبرى قبالة سواحل الصحراء المغربية. وتأتي هذه التحركات في وقت حساس يشهد فيه الطرفان مفاوضات متقدمة لصياغة اتفاق نهائي يسمح باستمرار ولوج السفن الروسية للمياه المغربية، خاصة بعد التمديد المؤقت للاتفاق السابق إلى نهاية عام 2024.
وينص الاتفاق الجديد، في نسخته الأولية، على السماح لما يصل إلى عشر سفن روسية بالنشاط في المنطقة الأطلسية المغربية خلال السنة الأولى من دخوله حيّز التنفيذ، على ألا يتجاوز الحمولة الإجمالية لكل سفينة 7765 طنا من السعة المسجلة. كما يُترك للجنة الروسية-المغربية المشتركة صلاحية مراجعة عدد السفن والحمولات في السنوات اللاحقة، تبعا للمعطيات التقنية والعلمية المتوفرة.
من حيث الأنواع المستهدفة، يرخص للسفن الروسية باصطياد أصناف من الأسماك السطحية الصغيرة (الأسماك السطحية) مثل السردين، والسردينيلا، والأنشوفة، والماكريل، والسمك الأزرق (الطونينة). وقد حُدد سقف الكمية السنوية لهذه الأصناف في 90 ألف طن، مع إمكانية تعديل هذا السقف – رفعا أو خفضا إلى حدود 100 ألف طن – بناء على تقييم علمي مشترك لحالة المخزون يقدمه المعهد الوطني المغربي للبحث في الصيد البحري.
ومن المرتقب أن تستمر اللجنة المختلطة في مراجعة قائمة الأنواع المسموح بصيدها وتقييم الوضع البيولوجي بشكل دوري، في مسعى لضمان استدامة الموارد وتفادي الاستنزاف المفرط.
الاتفاق لا يعكس فقط تنسيقا تقنيا بين البلدين، بل يكشف عن رغبة استراتيجية متبادلة في تعميق الشراكة البحرية، وتكريس المغرب بوصفه فاعلا أساسيا في الأمن الغذائي البحري بالمنطقة، ويمنح روسيا منفذا ثابتا إلى مياه دافئة غنية بالثروات، ضمن بيئة قانونية منظمة. وهو ما يجعل من هذا التعاون نموذجًا يحتذى في التوازن بين السيادة الوطنية، والاستثمار الدولي، والاستدامة البيئية.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية التي تعرفها السواحل الإفريقية، تظل سواحل الصحراء المغربية ورقة استراتيجية بامتياز، تجمع بين الغنى البيولوجي والموقع الجغرافي الحاسم. ويبدو أن موسكو، التي تدرك جيدًا هذه المعطيات، تسعى عبر هذه الاتفاقية إلى تثبيت حضور طويل الأمد في هذه المنطقة، ليس فقط من بوابة الصيد، بل أيضا من خلال العلوم والتكنولوجيا ونقل الخبرات.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 11/04/2025