المغرب يستعيد تصنيفه الاستثماري لدى «ستاندرد آند بورز» ويصبح الاستثناء الإفريقي

أعلنت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز رفع تصنيف المغرب السيادي من مستوى المضاربة إلى درجة الاستثمار عند BBB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، ليصبح المغرب الدولة الوحيدة في إفريقيا التي تحظى حاليا بهذه المكانة لدى الوكالة الأمريكية. ويعكس هذا القرار استعادة المغرب للثقة التي فقدها في عام 2021 خلال ذروة تداعيات جائحة كورونا، حين اضطرت الوكالة إلى خفض التصنيف في ظل ضغوط مالية وصحية خانقة.
القرار الأخير لم يأت من فراغ، إذ استندت ستاندرد آند بورز إلى معطيات اقتصادية تؤكد قدرة المغرب على الصمود أمام سلسلة من الصدمات التي هزت الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة، من الوباء إلى الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وصولاً إلى الضغوط التجارية المرتبطة بالرسوم الجمركية الأمريكية. وأشارت الوكالة إلى أن الحكومة المغربية أحرزت تقدماً ملموساً في مجال الإصلاحات الهيكلية والمالية، حيث تمكنت من الحفاظ على توازن نسبي في الحسابات العمومية، وتقليص المخاطر المتعلقة بالمديونية، وتعزيز قدرة الاقتصاد على استقطاب الاستثمارات.بحسب توقعات الوكالة، فإن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي سيسجل متوسطا في حدود أربعة في المئة بين عامي 2025 و2028، وهو معدل يعكس دينامية إيجابية مقارنة بالعديد من الاقتصادات الناشئة. كما توقعت أن ينخفض عجز الميزانية تدريجيا ليبلغ ثلاثة في المئة من الناتج بحلول 2026، في حين يُنتظر أن يظل عجز الحساب الجاري عند حدود اثنين في المئة، ما يمنح المملكة هامشاً أكبر للمناورة في مواجهة تقلبات الأسواق الخارجية.
العودة إلى خانة الاستثمار تعني بالنسبة للمغرب فتح أبواب جديدة في أسواق المال العالمية، إذ يتيح هذا التصنيف استقطاب فئات من المستثمرين المؤسساتيين مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين، التي تلتزم عادةً بالاستثمار فقط في الأصول ذات التصنيف المرتفع. كما سيساهم القرار في خفض تكلفة الاقتراض الخارجي عبر تقليص الفوائد التي تطلبها الأسواق مقابل شراء السندات السيادية، وهو ما يمنح الحكومة قدرة أكبر على تمويل مشاريع البنية التحتية والتحول الطاقي والبرامج الصناعية الطموحة.
إلى جانب المكاسب المالية المباشرة، فإن استعادة التصنيف الاستثماري تمثل إشارة سياسية واقتصادية قوية للأسواق الدولية، وتظهر أن المغرب يسير في اتجاه مخالف للعديد من الاقتصادات المتقدمة التي تواجه في الوقت الحالي ضغوطا على تصنيفاتها الائتمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا. غير أن هذه المكاسب لا تعني غياب المخاطر، إذ لا يزال الاقتصاد المغربي عرضة لتقلبات الإنتاج الزراعي بسبب التغيرات المناخية المتسارعة، إضافة إلى استمرار اختلالات اجتماعية تتمثل في تفاوتات مجالية وبطالة مرتفعة في صفوف الشباب، وهي عوامل قد تحد من استفادة المواطنين بشكل مباشر من التحسن المالي.
غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب بعد هذا الإنجاز هو مدى قدرته على الحفاظ على هذا التصنيف وترجمته إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. فالحفاظ على صلابة المالية العمومية يستدعي التزاما مستمرا بسياسات رشيدة في إدارة الدين وضبط العجز، كما أن تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد يفرض المضي قدما في إصلاحات التعليم والتكوين والحكامة ومحاربة الفساد. وفي المقابل، يفتح التصنيف الجديد نافذة أمل أمام جذب استثمارات أجنبية مباشرة في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة، والصناعات الخضراء، والتحول الرقمي، وهي قطاعات قد تشكل العمود الفقري لنموذج اقتصادي جديد أكثر صلابة واستدامة.


الكاتب : عمادعادل

  

بتاريخ : 29/09/2025