لا يني هذا المفكر العربي اللوذعي يتوقد عطاء ومثابرة ودينامية فكرية وثقافية لا تبلى ولا تركن إلى الخمول، حتى مع ارتداد سنوات العمر وتوالي نبضاته السريعة.
الدكتور عبد الحسين شعبان، الوجه المشع في سماء اليسار الأخلاقي، المكافح ضد “اللاعنف” و”اللاحرية” و”اللامساواة”، يفر بسنا النهار إلى العلياء، قابضا على جمر التحولات، قارئا عميقا لآثارها وتداعياتها على العقل والوجدان العربي.
لايزال سؤال الهوية عند شعبان، يتوجس صوته الثائر، يستحلب أفق ممكناته الواعية بأسئلة الراهن، مصمما على الإيغال العقلاني والمنطقي في مسامه دون كلل أو ملل.
يشارك المفكر عبد الحسين شعبان شرقا وغربا، في تفكيك بؤر انغلاقات هذا العالم وتناقضاته، مؤمنا كعادته الأبدية في الإخلاص لفكره وطريقه وقناعاته، وهو ما يكرس حاجة العقل العربي إلى جغرافياته المفتوحة وإمكاناته الفكرية والعلمية المجربة، والتي حضنت مكتباتنا العربية بغير قليل من مؤونة العقل والمنطق والمعرفة.
الفــكــر المــتعــدد
قليلون هم من شملت معارفهم واطلاعاتهم نظاما موسوعيا مبنيا على خطاب فكري ينظم فكر أمة، مثلما هو الحال بالنسبة لمفكرنا العربي الاستثنائي. فقد تخرج في تخصص الاقتصاد والعلوم السياسية، ونال شهاداته العليا في فلسفة العلوم القانونية. ارتبط اسمه ضمن العلوم الجديدة في القانون الدولي، في حقل حقوق الإنسان، كما انشغل باستثمار اهتماماته البحثية والعلمية في العلوم الدينية ومقارنة الأديان. هذا علاوة على اقتراباته العميقة من علوم الاجتماع والآداب والشعر، ومصاحبته الوفيرة لكبار شعراء القرن، كالجواهري ومظفر النواب وهادي العلوي، خير دليل على نباهة وطرافة ذائقته الشعرية وحبه السرمدي لكلام القلب وشغفه الأثير.
ومن جميل هذا التنوع والتماعاته، ارتباطه الروحي بفضاءات نشأته وتربيته الأولى. فقد أحب مرضاة الأبوة الفقيهية، ونظامها الروحي الآسر، فتعلق بصوت الآذان في سنواته التعاقدية الأولى مع حياة النجف الأصيل، وقراءاته القرآنية الساحرة، واقتبالات أقرانه ممن ساروا على النهج واسترعوا سماواته وآثاره في الوجدان والنفس، فرادة السفر والإبحار عبر سجوره وأبراره. وفي “عكَد السلام” في النجف، تأبط حيوات في أتون السلام الذي استذر قوائم نبوغه الأول، يقول مفكرنا ساردا: حيث “سماع القرآن الكريم مدوّياً وهادراً، … يفتتح والدي نهاره بقراءة القرآن وظلّ على عادته تلك طوال أيام حياته على ما أظن. وشكّل القرآن أحد الروافد الروحية الأساسية في تكويني وفي منظومة القيم التي تأثّرت بها لاحقاً خصوصاً: الخير والمروءة ومساعدة الفقير ونصرة المظلوم والدفاع عن الحق والانحياز إلى العدل والرحمة والتسامح وغيرها. وفي مرحلة نشأتي الأولى تلك، اطّلعت على “نهج البلاغة” للإمام علي، وهو ما دفعني لاحقاً للاطلاع على المذاهب الأربعة، وفي ما بعد على الإنجيل، إضافة إلى البوذية وتعاليمها”.
هذا العالم المشبع بالخير والأصالة والسماحة والكرم والتدين الواثق، لم يكن انحيازا لعقل يستقطع أو يجتزئ بين ملكة الرفض والقبول وملكة التمييز أو الاختيار والترجيح. بل محركا واعيا وأمينا حقيقيا للقدرة على تحويل قوة الوجود إلى عالم مثالي ينفرد بالأخلاق والعدل والمساواة والحرية.
ولهذا كان المحيط الاجتماعي، ينأى بنفسه عن التضييق وخنق الرأي وتدوير الأحقاد الصغيرة والكبيرة، حيث تنبع حكمة العائلة من ارتقائها بالحقوق المكتسبة للناس مهما كانت أفكارهم واتجاهاتهم واعتقاداتهم، وهو ما أشار إليه صاحبنا في العديد من حواراته، التي أكدت على مخالطة عائلته لكل شخصيات العراق، من كل الأعراق والمذاهب والانتماءات، ما أهله لتقلد صفة “التنوع الفكري والمجتمعي” على نحو يضاهي به نظرية غاندي، التي أضحت في ما بعد مشتلا لأعماله النضالية ومقاومته الفكرية، قبل أن ينتمي فكرا وميدانا للفكر الشيوعي الماركسي الإشكالي .
وفي زخم اشتعال العقل وفورته العلمية الأولى، استقى عبد الحسين شعبان، مخزونه الأيديولوجي الواعد بدايات ستينيات القرن الماضي من الفكر الماركسي، منتسبا للحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يعدمن الأحزاب العريقة على الساحة السياسية العراقية، متقمصا أدوارا هائلة في التاريخ السياسي الحديث في العراق، والذي سجل موقفا محترما خلال أزمة حصار العراق، رافضا لعقاب الشعب العراقي، بعد خطأ نظام صدام حسين، عقب اجتياحه المأساوي للكويت، وعارض فكرة غزو العراق من قبل قوات التحالف في عام 2003.
الماركسي الإشكالي و”الإيمانية الدوغما”
يعتبر المفكر العربي الكبير عبد الحسين شعبان، أحد أهم أيقونات الثقافة العربية والإسلامية، بمعناها العضوي الغرامشي المتعدد والنوعي.استعاد آليات تفكيك الخطاب الماركسي المنغلق، وأدار عملية تركيبه وافتئاته محصنا بقوة الأخلاق النظرية الماركسية، في بعديها التأسيسي والتداولي.
كان قارئا نهما لأساطين هذا التوجه في أوروبا وآسيا، وعلى وجه الخصوص ذوي التوجه الفلسفي الأخلاقي، كسان سيمون، وشارل فوريي، وبيير جوزيف برودون، وقبلهم هيكل وموزس هس وبرونو باور المتأثرين بأعمال الفيلسوف المادي لودفيغ فيورباخ. وفي الكثير من أعمال مفكرنا يبدو هذا التوصيف النسقي في انتشاءاته حاضرا ومتواصلا إلى حين تحوله من التراشق الأيديولوجي والانغلاق الفج، إلى نقدانية مستشكلة متساوقة والمثالية الهيغلية ، واكتمال نظريته في الجمع بين الديمقراطية الثورية إلى الأخلاقية البانية.
لقد أعاد عبد المحسن شعبان، لإمكانيات تدبره وتوتيره لقضايا الراهن الزمني ومتعلقاته، صوته المفقود وافتراقاته الهاربة، مجال التنوع والتعدد والانفتاح، ما أكسبه احتراما منذورا ونادرا، عززته خبرته الطويلة في الحوار والنقاش والجدل البناء، الشيء الذي قابلته مثارات انتقاداته الشهيرة في شؤون “الدوغما”، و”الإيمانية”، وتحويل الأفكار إلى إيمان ومعتقدات. والشيء نفسه، حصل بشكل أكثر جرأة وشجاعة في انتقاد الماركسية العربية، بطبيعتها الدولتية، ونسختيها “الستالينيّة”و”الجدانوفيّة”، شديدتي الكراهية والقمع والعدوانية والعنصرية. فأبدى قلقا إشكاليا وجوديا حاسما، تجاه تنميطها وجمودها وتحجرها وولعها بالأدلجة والجمل الثوريّة الميتة، ممتثلا لقوة الأخلاق وانتقاء المواقف الصانعة للقضية والإنسان، وتشميل النظرية بالميدان والواقع.
يقول في إحدى مقالاته الرصينة:” من يريد استعادة صورة ماركس فعليه اجتراح الواقع، فقد كان ماركس الحلقة الأولى في التمركس، ولا بدّ من الاستفادة من منهجه الاجتماعي، أما تعليماته والعديد من استنتاجاته، فهي تصلح لعصره وليس لعصرنا، وقد تجاوزها الزمن، حتى وإن كانت صحيحة في حينها، وعلينا قراءة الواقع واستنباط الأحكام المنسجمة مع الحاضر والمتطلعة إلى المستقبل، لأن المرجعية هي للواقع وليست للنصوص، ولا قيمة لنظرية دون الواقع، والممارسة جزء لا يتجزأ من النظرية”1.
ولم يفت الدكتور عبد الحسين، في كل هذا الإسار الهادر والممتد، أن يتحوط بآليات العقل والديداكتيك الفلسفي، خصوصا وأن فراغات “الدوغما” و”الإيمانية” تشابكت بشكل مقيد بالنمطية والتقليد والتسامي الموهوم، وأضحت عائقا للفهم العصري واجتراحاته في عالم التشبيك والعولمة والتقدم التكنولوجي الهائل. وسرى هذا الاهتمام المكبس للشعور الانسياقي والتمكيني الخطير لصرعات الوجود الراهن، محور اجتهادات عبد الحسين، وبخاصة بعد حدوث تحولات مفصلية، قصمت ظهر العالم بجناحيه الاشتراكي والرأسمالي، وأوقدت نيران الجدل في كل ما يرتبط بـ”الثوابت الأيديولوجية”، إن “على مستوى نقد الماركسية”، أو “استعادة مركزيتها الفسلفية” التي ناضل عبد الحسين تحت رايتها ردحاً من الزمن، ثم يناور بمنحته الإيتيقي والفكري”إعادة تكوين ذاكرتها وترميمها أفقيا بشكل نادر وغير مسبوق” ، فكان يؤمن “أن أخطاء التطبيق السوفياتي لا تعني خطأ كلياً للفكر الماركسي برمته، كما ستثبت المرحلة القادمة من أزمة الرأسمالية.”2
وفي هذا السياق، شكل رأي عبد الحسين شعبان، في السياسة والدين، كأحد أخطر التيمات الفكرية والسياسية التي واجهها الماركسيون العرب، زاوية فكرية مفتوحة على التأويل والاستبصار والوعي الحضاري.فأكد في غير ما مرة أن ” العالم يدفع أثماناً باهظة، بسبب الاستخدام السياسي للدين، حيث استُعمل كذريعة أو حجّة لاندلاع أكثر الحروب والنزاعات دمويةً بين الشعوب من جهة وبين جماعات دينية وطائفية مختلفة أيضاً من جهة أخرى، وكان له تأثير سلبي خطير، فأزهقت بسببه ولا تزال تُزهق أرواح ملايين البشر، وتهدر أموال طائلة، وتُستنزف جهود عظيمة، لا على التنمية والتقدم والصحة والتعليم وتحسين نوعية الحياة والرفاه الاجتماعي، بل على إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، وتغذية بؤر التوتّر بروح الكراهية والعداوة والحقد والانتقام والثأر.
وحذر من أن تكون النوازع الاعتقادية والأيديولوجية هي من ضمن أهم أسباب حدوث”هجمات ضدّ اللاجئين والأجانب والمجموعات الثقافية الأخرى (في بعض البلدان الغربية)، لاسيّما في ظلّ صعود نخب شعبوية متطرّفة وعنصرية، وأحياناً تحت زعم الحفاظ على الهويّة والثقافة الموحدة، يتم التجاوز على الخصوصيات والهويّات الفرعية، بل يتم الاستخفاف بها والتنكّر لها” 3.
صديق الشعراء وشاعر الأصدقاء
لو لم يكن عبد المحسن شعبان مفكرا وفيلسوفا، لكان بالأجدر شاعرا ثوريا وأيقونيا لا يشق له غبار. هذا هو ميسم روح حديث مفكرنا القدير، وهو يستبصر أنواء آخر شعريات القرن الذي ودعناه، بمنجزه الدلالي وتكريسه لنهضة أب القول العربي ومأوى تاريخه الشاسع عبر الأزمنة والسيرورات المتلاحقة.فإلى جانب اطلاعه الكبير وقراءته الحاذقة لكل المدارس الشعرية القديمة والجديدة، كمن الدكتور عبد الحسين، في ثلمة أبهاء الشعر ورواده العظام. بل إنه أضحى خلال أربعة عقود ونيف، واحدا من رفاق درب أساطيره، وخازن أسرارهم وموئلهم الروحي المعتق.
وشكلت علاقة مفكرنا، مع شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وشاعر القصيدة المهرّبة وملك الهجاء السياسي مظفر النواب وحلاج الشيوعيين هادي العلوي، وغيرهم، واحدة من أندر العلاقات الثقافية المتأصلة والنبيلة. فقد أوثقت الصلة بقربى الثقافة وأخلاقها الحقة، وضربت مثالا لسمو الصداقة والكفاح المشترك ضد الاستبداد والديكتاتورية والبشاعة القيمية.
وتحدث عبد الحسين شعبان كثيرا عن أسرار هذا الرباط اليوتوبي الفاخر، فقال في لقاء فكري بمدينة مراكش، “إنه ينشغل بالشعر كما لو أنه نسق متأبد في الفكر.. فهو سليل لمتاهة سؤال الفلسفة، وقارب نجاة لمن يهوى الاصطلاء بأوثاق الجدل ومجاهل التقريض، أيا كانت مقاماته ملتحدة مع القول أو مؤولة له”.
وينظر عبد الحسن شعبان، للشعراء كأنهم رسل حلوا في الأراضي الثاوية لكون مليئ بالندوب والأورام. جاؤوا لتضميد جراحات الإنسانية وإغاثتهم من جحيم الشر والحقد والكراهية وسوء المآل.
ومن أجمل بناءاته لهذا النوع من الوعي الإشكالي، امتلاؤه المتين بأجمل المواقف الشعرية العربية الحديثة، بدءا بالنخب الشعرية العراقية، وتأثيراتها في بنى وأنساق الخصيصات الشعرية العربية الأخرى، وانتهاء بشعر القضية الفلسطينية وقوتها الرمزية في مجمل أعماله الفكرية ومقالاته ودراساته.
ويمكن هنا، التمثيل فقط، ببعض نماذج مقارباته المعروفة، كقوله عن الجواهري، وقد خصه بكتابين فريدين، هما (جواهر الجواهري) و(الجواهري جدل الشعر والحياة) :” نحن لم نكن أمام شاعر وحسب، بل حالة من الشّعر”، وهو ما تفاعل معه الجواهري بقوله:” إنه الواحة الأكثر اخضرارا والأغزر ينابيع”. وينجلي سحر لقائهما الروحي في الوفاء الذي ظل يحمله عبد الحسين لشاعره المفضل، معترفا :” إنْ كنت في حضرة الجواهري ستكون في حضرة الشعر، بل إن مثل هذا الشعور لا يكاد يفارقك، وكأنك تدخل بجلال وهيبة مملكة الشعر؛ فكل شيء في تلك الحضرة ينبض بالشعر. الجواهري بقامته المديدة وفصاحته وأصابعه الطويلة كأنه عازف بيانو، يدهشك حين يستحضر التاريخ، بقصيدته العمودية الموروثة والملّونة بأطياف الحداثة؛ بتحديه وتناقضه؛ بانفعالاته وردود أفعاله؛ بمعاركه الأدبية وخصوماته السياسية والشخصية، يظهر واضحاً جليًا، لا يعرف الأقنعة وقد امتهن الشعر فناً وذهناً ومزاجاً”5.
أما الجسر الذي يأخذه إلى مظفر النواب شاعر السياسة بلا منازع، فقد استوطن فؤاد المفكر عبد الحسين، وأسرج نار الهوى والهوس في تلابيب العشق الكينوني ومخاتلاته. وقد كان أقرب إليه من حبل وريد الفكر وتحولاته في زمن الرويبضة والغوغاء والسحت السياسي. يقول عبد الحسين في أحد حواراته: ” دخلت عالم مظفّر النواب بخصوصياته، وهو ما حاولت أن أدوّنه تصريحًا، أو تلميحًا. ومنذ اللقاء الأول، وبعد ساعة أو ساعتين، شعرت وكأننا تلميذان في المدرسة الابتدائية، على اختلاف المرحلة، فهو من جيل الخمسينيات، وأنا من جيل الستينيات، ثمّ افترقنا لنلتقي في دروب الأحلام والخيبات والمرارات. وكان مظفر غالبًا ما يستعيد قول ماركيز “لو تعلمين كم يزعجني هذا العالم… أريد الفرار… أن أمضي بعيدًا عن هذه القذارة… إلى أين يا أمي؟”6.
وينجلي هذا الحب المشع ، دون هوادة، وبكثير من الأثر والتأثير في زخم هذه الثنائية الروحية اللامتناهية، في إهدائه الباذخ لمظفر النواب، وهو يملأ جرة كتابه “رحلة البنفسج” والذي يعد وثيقة وشهادة ودراسة أدبية ونقدية عن شعر النواب بشقيه الشعبي (العامي) والفصيح وبصوره الغزلية والحسية والثورية، يقول :”قبل ربع قرن أصدرتُ كتابي عن شمران الياسري (أبو كاطع) وأهديته لمظفر النواب مع مقطع من رائعته (المساورة أمام الباب الثاني) والآن أهدي “رحلة البنفسج” لأبو كاطع ليقيني أن ما يجمع بينهما هو الإبداع والقرب من الناس والمصداقية في التوجهات”.
ويلخص صلب هذا الصداقة الإكسيرية “ارتبطت مع مظفّر النوّاب بصداقة أعتزّ بها زادت عن خمسة عقود من الزمان، رويت جزءًا منها في سردياتي عنه، ولعلّ ذلك يعود إلى أحد أهداف إصداري هذا الكتاب، إجلاءً للحقيقة، وإلقاء ضوء كاشف على شعره وشاعريته، فضلًا عن تعريف القارئ العراقي والعربي به وبشعره الذي ظلّ بعيدًا عنه أو يسمع بعض أخباره ليس من مصادر وثيقة الصلة به، بسبب انغلاق الوضع السياسي وهيمنة الواحدية والإطلاقية الشمولية، طيلة ثلاثة عقود من الزمن تقريبًا. يُضاف إلى ذلك صدور طبعات عديدة من مجموعاته الشعرية غالبيتها الساحقة لم يكن على علم بها، وقد بيع منها عشرات الآلاف دون أي علاقة له بها، ناهيك عن أن العديد منها احتوى الكثير من الأخطاء، سواء قصائد العامية العراقية (اللغة المحكية) أو قصائد العربية الفصحى”7.
خاتمة:
مهما جادت الأقلام، فلن تفي قدر المحسوس. فإن اجتلاء الوميض ينحبس في فيافي الكلام. وأخف الكلام، على نافذة هذا المفكر العربي الموسوعي، الدكتور عبد الحسين شعبان، أن وثوق تجربته في الحياة، علما ومنهجا وسلوكا واختيارات، هي بمثابة القيمة الخالصة للمعرفة، بما هي جوهر للوجود، وغاية مثلى للرحلة الفكرية المستنيرة التي إن أفرغت من وعاء حدودها التي اصطنعتها آليات التعتيم والتورية والعماء الأيديولوجي، فستكون لا محالة صنعة العالم الفاضل، الذي هو لب ونتاج وجوهر “المدينة الفاضلة”.
إن عطاء هذا الرجل، وإذ يقاس بنتاجه الفكري والحضاري الكبير، الذي أنار دروبا معتمة من الجهالات والارتدادات، طيلة عقود سابقة، سيبقى وسيستمر في ملء أوهاد ومخاوف، لن يكون بمقدورها الانتقال إلى طفرات لاحقة، دون التحلق والتمثل بمرتقى إبهاره وتنوع روافده وسمو مقاصده.
وهو إذ يعيش بيننا، شاخصا نابضا، كنسر أوراسي يتعقب قطائع الزمن وحتمياته المتجاوزة للسياقات الظرفية الراهنة، سيظل نبراسا لآفاق انجلاء ساحات الفكر المعاصر بوصفها طرائق وانثيالات جديدة في التفكير، دونها للقطع مع العجز والتواري عن احتواء الحقيقة، والتي صارت أبعد من أن يصل إليها العقل أو العلم بالمفهوم التقليدي.
عبد الحسين شعبان، ذلك الجدار الذي يصقله الفكر الجدلي، فيجتبي به نطوع السقط وتغيراته، يظل قابضا على جمر محبرته الجواهرية، التي تمعن نقدا ونقضا:
تبا لدولة عاجزين توهموا أن الحكومة بالسياط تدام
وإذا تفجرت الصدور بغيظها حنقا كما تتفجر الألغام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ماركس، الماركسيون.. المتمركسون ـ 180 بوست ، يناير 2024
2 تحطيم المرايا : في الماركسية والاختلاف ـ حوار وتقديم خضير ميري
3 الاستخدام السياسي للدين ، صحيفة الخليج ، يناير 2024
4 الاستخدام السياسي للدين
5 HYPERLINK “https://180post.com/” \t “_blank”الجواهري.. نهر العراق الثالث وغابته المترامية ـ بوست180 ، يوليوز 2022
6 حوار عبد الحسين شعبان وليندا نصار ـ الضفة الثالثة /العربي الجديد ، أبرل 2024
7 مظفّر النوّاب.. صورةٌ عن قرب ـ 180 بوست ، نونبر 2023