بدينامية مدروسة ومحكمة بالمفهوم العلمي، يمضي تدبير الشأن البيداغوجي والعلمي والأكاديمي والتأطيري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني ـ الدار البيضاء، في جو تواصلي بين الطلبة والأساتذة وأطر الإدارة بقيادة العميدة الأستاذة ليلى مزيان ونوابها؛ إذ عرف يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025، تنظيم الأبواب المفتوحة برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، اللقاء الذي اعتبر عرس الطالب وافتتاحا للموسم الجامعي 2025/2026، من باب الأنشطة الطلابية التكميلية الممثلة في الأندية والمحترفات التي لها توجهات ووجهات ترفيهية وعلمية وتواصلية وتأطيرية في مجالات متعددة ومختلفة ما بين الرياضي والإعلامي والثقافي والفني والتربوي والاجتماعي والبيئي والدرامي وغيره.
عقب يوم الأندية والمحترفات، نظمت كلية الآداب بنمسيك يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، لقاء مفتوحا بتقديم د. عمر لمغيبشي وتنسيق الأستاذ أشرف الحساني حضره طلبة من معظم الشعب وعلى رأسها شعبة التاريخ، أطر اللقاء في موضوع «معنى التقدم اليوم» الأستاذ عيسى مخلوف، المفكر والشاعر والمترجم والإعلامي اللبناني، وقد مهد عمر لمغيبشي للقاء بنقطة مركزية كون مثل هذه اللقاءات لها أهميتها في المسار الجامعي والتكويني للطلبة منوها بالمكانة الثقافية والأكاديمية للدكتور عيسى مخلوف، ثم تناول الدكتور مخلوف تيمة تواصله المعرفي بمدخل عن «معنى التقدم اليوم» وذلك عبر طرح السؤال، باعتباره مدخلا للمعرفة والعلم، مفككا مفهوم المعرفة في دلالتها الفرنسية (connaissance) وعلى علاقتها الجدلية بالولادة الجديدة والحرة (naissance) مع تأكيده على أهمية المعرفة والثقافة في علاقتهما بالواقع لكون المعرفة تساهم في بناء المعنى وجدلية العلاقة مع الآخر، الأمر الذي يحدد مفهوم التقدم وتجلياته في الحياة الاجتماعية والتي على إثرها نحلل خلفيات الأحداث، لكون السعي وراء هذا التقدم بخلفية الآلة (التقنية والتكنولوجية) بعيدا عن الإنسان، أصبح هو دافع التدمير والخراب، والدليل أن كل الحكومات والسلطات أمست قمعية وتميل إلى العنف وحل الصراعات بالحرب والقتل. من ثم استحضر مخلوف كتاب «قلق الحضارة» لسيغموند فرويد، الكتاب الذي ألف سنة 1930 بعد الحربين العالميتين، وذلك قبل 3 سنوات لوصول هتلر للسلطة، معتبرا أن «هذا الرصد الزمني كفيل بأن يضعنا أمام السياق التاريخي ونوعية الصراع وإشكالية المرحلة».
ففي رأي فرويد أن الإنسان تقوده غرائزه وبذلك فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفني نفسه وباقي الكائنات، خلاف رأي جان جاك روسو الذي يعتبر الإنسان كائن واعي معرض للمحسوسات التي تشعره بوجوده وأسبابها تتجلى خارجه وتؤثر فيه رغما عنه وهو المتحكم في كوكبه وله تأملات خارج الكوكب، بمعنى أن الغرائز تغلبها أو تقومها المعرفة والعلم.
ومن مخرجات مداخلة الأستاذ مخلوف، أن الأدب والفن والثقافة تساهم في الحفاظ على المعنى الذي افتقده العالم.
عقب هذا التأطير تفاعل الحضور مع أسئلة تكاملية أكثر منها استفسارية أو قل تحاورا ولد بدوره أسئلة، ختمها الأستاذ مخلوف ضيف الكلية بالعبارة التالية: «كيف نأخذ العبرة من أسطورة سيزيف ونوقف هذا النزيف»، وفعلا بدأ اللقاء بالسؤال وانتهى بطرح السؤال وبين السؤالين، تكمن المعرفة والعلم.
درس د. عيسى مخلوف في جامعة “السوربون” وحاز منها على شهادة الدكتوراه في الأنتروبولوجيا الاجتماعيّة والثقافيّة، وهو يعيش على مفترق بين الثقافات المختلفة. له مؤلّفات في الأدب (شعرًا ونثرًا)، ومنها «عزلة الذهب»،»عين السراب»، «رسالة إلى الأُختَين»، «مدينة في السماء»، «ما سوفَ يبقى». وفي البحث: “بيروت أو جاذبيّة الموت»،»تفّاحة الفردوس» و»الأحلام المشرقيّة/ بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة». وقد نقلَ إلى اللغة العربيّة كتبًا ونصوصًا أدبيّة وفكريّة من اللغتين الفرنسيّة والإسبانيّة، ومنها مسرحيّة «مُهاجِر بريسبان» لجورج شحادة (قُدِّمَت في مهرجانات بعلبك الدوليّة، صيف 2004)، وكتاب «فان غوغ مُنتحِر المجتمع» لأنطُونان أرتو، ومجموعة «بحر وضباب» لإيتل عدنان.
عملَ مديرًا للأخبار في «إذاعة الشرق» في باريس. كما عملَ في «النهار العربي والدولي» و»مجلّة اليوم السابع» (أشرف على القسم الثقافي فيها). حاضَرَ في المعهد العالي للترجمة التابع لجامعة السوربون ، وكان مستشاراً خاصًّا للشؤون الثقافيّة في منظّمة الأمم المتّحدة، في إطار الدورة الحادية والستّين للجمعيّة العامّة (2006-2007).
نُقلَت بعض كتبه ونصوصه الأدبيّة إلى لغات عدّة. ومن الجوائز التي حاز عليها، جائزة «ماكس جاكوب» الأدبيّة الفرنسيّة في العام 2009 عن كتابه «رسالة إلى الأختَين» له عدة منشورات في الشعر والنثر والمسرح، ومجال الدراسات نذكر منها:
ـ «هُيامات» (كتاب فنّي يحتوي على مختارات من «عزلة الذّهب» نقلها إلى الفرنسيّة جمال الدين بن شيخ ورافقتها ستّ محفورات للفنّان لتّشكيلي أسادور)، دار» أندريه بيرين»، باريس 1993؛
ـ «عين السّراب»، دار النّهار للنّشر، بيروت 2000؛ دار التنوير، طبعة ثانية منقّحة، بيروت 2018؛ دار”جوزيه كورتي”، باريس 2004 (نقل الكتاب إلى الفرنسيّة نبيل الأظن)؛ دار مونتي أفيلا”، كراكاس 2007، (نقله إلى الإسبانيّة رافاييل باتينيو) ؛ دار “بوست أبولو برس”، كاليفورنيا 2015 (نقلته إلى الإنكليزيّة أليسيا ف. لام).
ـ “ما سوف يبقى”، دار التنوير، بيروت 2019؛ دار “لُو كاستور أسترال”، باريس 2022 (نقله إلى الفرنسيّة عبد اللطيف اللعبي).
ـ ” بيروت أو جاذبيّة الموت” (بالفرنسّية)، دار”لاباسيون”، باريس1988؛
ـ «الأحلام المشرقّية» بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة (دراسة وترجمة)، دار النّهار للنّشر، بيروت1996؛
ـ ترجم « مهرجان بريسبان»، مسرحية لجورج شحادة قدّمها نبيل الأظن في “مهرجانات بعلبك الدولية”، صيف 2004.
ـ «فان غوغ مُنتَحِر المجتمع»، أنطُونان أَرْتُو (عن الفرنسيّة)، دار الرافدين، بيروت 2021.