المفكر والفيلسوف المغربي الراحل محمد سبيلا: دور السلطة العليا هو حماية بيضة الدين ورعاية نبتة الحرية

في هذا الحوار الذي أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في يوليوز 2015 مع المفكر المغربي الراحل محمد سبيلا، تناول صاحب مؤلفات «حوارات في السياسة والثقافة»، «الحداثة وما بعد الحداثة»، «في تحولات المجتمع المغربي»، «للسياسة بالسياسة»…، بالدراسة والتحليل أهم القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تؤرق المجتمعات العربية عامة والمغرب على وجه الخصوص في العصر الحالي، كظاهرة الإرهاب، ثم الدخول لعهد الحداثة كعملية مستمرة في الزمان والمكان، ظاهرة الإسلام السياسي، ووصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، بالإضافة إلى دور المثقف ووظائفه ما بين الأمس واليوم، ثم ثورات الربيع العربي، والوضع السياسي بالمغرب.

1- المثقف كان دائما يدلو بدلوه في القضايا الكبرى داخل المجتمع، المثقف كان دائما طلائعيا بحكم أنه يحمل رؤية للحاضر والمستقبل، لكن يظهر اليوم أن المثقف ركن للخلف واتخذ موقف المتفرج والسلبي، هل يمكن أن نقول إن المثقف اليوم فقد دوره ووظيفته وأصبح في خبر كان؟

*هذه الرؤية النبوية للمثقف ربما ارتبطت بعصر ولى وبفترة تاريخية كان فيها للمثقف دور كبير، وهي الفترة التي كانت تتسم بطموحات التحرر والتقدم في المجتمعات العربية، سواء في وجهها الليبرالي أو الاشتراكي، كان المثقف رائدا وموجها ومرتبطا بالنضالات اليومية في الأماكن العامة والحزبية، لكن تطور الأحداث وتطور الشروط الاجتماعية والمعطيات التكنولوجية والإعلامية وغيرها، جعل المثقف يتساءل من جديد حول دوره، وهنا أفتح قوسا لأقول إن مفهوم المثقف قد تغير، لقد توسعت دائرة المثقفين لتشمل فئات أخرى لم تكن تدرج في هذا الصنف من قبل، فقد تكاثر عدد المثقفين والمتخصصين والمستشارين والصحفيين والإعلاميين الذين رفضتهم القنوات الإعلامية مما غير خريطة المثقفين، هذا في مرحلة أولى، في ما بعد حصل نوع من إعادة النظر في أدوار المثقفين، حيث بدأ يتبين انخراط المثقف في الصراعات الاجتماعية في تفاصيلها اليومية، قد يتعارض مع دور المثقف من حيث وظيفته الأساسية هي التفكير والتنظير ودراسة حركة التاريخ إضافة إلى مهامه المعهودة في تمثل التجديدات الثقافية والفكرية و المراكز الفكرية الكبرى بالعالم، فسرعة تطور الأفكار والنظريات وتعدد الإسهامات جعلت المثقف يحجم عن المساهمة والانخراط في تفاصيل الحياة اليومية حتى لا تفوته الكثير من التجديدات الفكرية، وهذا حرج لا يشعر به إلا المثقف، ولذلك بدأ ضمن هذه الشروط كلها نوع من تخلص الدور الإرشادي للمثقف، لكن مع ذلك ونظرا للحاجة التي تعبر عنها الفئات الاجتماعية والمرتبطة ربما بنوع من خيبات الأمل في الساحة السياسية، ربما في السياسيين الذين تحولوا إلى الممارسة البراغماتية، فافتقد الرأي العام ذلك الوهج والبريق الإرشادي والتوجيهي وظهر نوع من الحنين إلى المثقف المرشد، إجمالا تحولات مختلفة التي حدثت في العقود الأخيرة هي التي غيرت خريطة الثقافة والمثقفين وربما عدلت من أدوارهم ووظائفهم التي كانت دائما إشراقية ليتحولوا إلى أدوار معرفية تتطلب الكثير من التريث ومن إصدار الأحكام والتوجهات.

2- و ماذا عن المثقف العضوي الذي عرفناه في ما قبل، هل لايزال هذا الصنف من المثقفين في العصر الحالي؟

لا يمكن أن ننفي وجود المثقف العضوي، لكن بمعنى آخر وفي سياق آخر فالمثقف الإسلامي في حزب إسلامي هو مثقف عضوي والمناضل الإعلامي في ساحات المظاهرات والاحتجاجات هو أيضا مثقف عضوي بمعنى آخر، ويمكن أن نقول إن هناك العديد من المثقفين العضويين في مجالات مختلفة وفي أفق مختلف عن الأفق السابق، المثقف بالمعنى الآني هو مثقف مرتبط بحركة جماهيرية معبئة، تقليدية أو حداثية، احتجاجية أو سلمية، هو من جهة ثانية مرتبط بوسائل الإعلام والاتصال والمعلوميات والشبكات الاجتماعية، أي أن المثقف العضوي الحالي بهذا المعنى الموسع قد انتقل من دائرة الثقافة الكتابية التي ارتبط بها المثقف العضوي القديم، وانخرط في الثقافة التي يسميها روجيس دوبري la videosphère ثقافة الصورة المتحركة.

3- لماذا نمارس السياسة وعن أي جرح تجيب السياسة، وماذا عن وضعية السياسة في المغرب؟

السياسة ظاهرة حركية وشمولية، فهي بمثابة مرآة لكل ما يحدث في المجتمع، وهي إلى حد كبير مرآة قيادية أو توجيهية، لأن السياسة هي قفل ومفتاح في نفس الوقت، والمفروض في السياسة اليوم، والسياسة المغربية على وجه الخصوص، أن تستجيب لهذه الجروح التي أشرنا إليها، للمشاكل الاجتماعية في المغرب الذي يشهد تحولات متسارعة، فدينامية التحولات الكلية في المغرب، تدل على نوع من الشارع الاجتماعي وعلى قدر أكبر من التفاعل والصراع بين بنيتين أو مكونين أساسيين في المجتمع، البنية التقليدية والبنية العصرية، بعض الباحثين أشار إلى أن هناك مغربين ضمن المغرب الواحد، مغرب التقليد والمحافظة والرتابة ومغرب التجديد والتحول، ومن أجمل المقالات التي اطلعت عليها مقال لمحمد الساسي تحتعنوان “مغرب محافظ” يرصد فيه بالضبط هذه الدينامية المزدوجة في مختلف المجالات، والتي تعبر عنها الأحداث المتكاتفة في مغرب اليوم المتمثلة في توجهات قوية نحو المساواة الكاملة بين المرأة والرجل وفي ميل الكثير من المغاربة نحو الأفكار والسلوكات والممارسات والاختيارات العصرية في الثقافة والموسيقى والسينما وغيرها من المجالات، والتي يمكن إدراجها ضمن ما أسماه السوسيولوجي المغربي جنجار دينامية انبثاق الفرد الحر أو تطلعات نحو لعب أدوار أكثر تأثيرا في اتجاه تحديث المجتمع، وفي اتجاه قبول الشرط المعاصر، وهي دينامية تغذيها أو تسندها بعض الاختيارات السياسية الكبرى، المتمثلة في الدستور الجديد أو مدونة الأسرة وإصلاح القانون الجنائي وغير ذلك، ومقابل ذلك يورد الأستاذ الساسي في مقالته مظاهر الاختيارات المحافظة، سواء خارج اللعبة السياسية أو داخلها، المتمثلة في مواقف محافظة تجاه المرأة، أو الاختيارات الثقافية العصرية وهذان الاختياران الأساسيان اللذان يعتملان في قلب المجتمع المغربي لهما أصداء وعناوين أو رموز سياسية، وربما كان هذان القطبان، على الرغم من تعدد الأحزاب وتداخلها، هما القطبان الأساسيان، يعتبران بمثابة البنية الأساسية للفعل السياسي، وهما اللذان يحددان، بشكل كبير، دور السلطة السياسية في مراعاة التوازن بين هذين القطبين الكبيرين وحماية المكونين معا، واللذين ألخصهما في حماية البيضة، بيضة الدين ورعاية النبتة، نبتة الحرية.


الكاتب : حوار: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 28/07/2021