المفكر والمؤرخ عبد الله العروي: لا توجد سياسة بالمعنى الحقيقي للكلمة دون ديمقراطية 3/2

نُصُب محاط بكتبه، صاحب شغف جعل منه شخصية ذائعة الصيت ، إنه عبد الله العروي الذي استقبلنا في حصنه،داخل مكتب أعيد تهيئه في حديقة بمنزله العصري الصغير الكائن بحي السويسي بالرباط.هذا الفضاء- المَعْلمة يعود إليه العروي باستمرار طيلة سنوات، بعد كل رحلة من أسفاره كأستاذ زائر في أرقى الجامعات الأمريكية والأوروبية.كونه قارئا فطنا لجوهر الراهن،أدبيا وإعلاميا،فقد دأب على مجموعة طقوس، بعيدا عن الأنظار، في مقاهيه المفضلة،على منوال فيلسوفه المفضل،فريديريك هيغل،الذي اعتبر بأن قراءة جريدة الصباح بمثابة صلاة الإنسان الدنيوي.
لطيف ،وحيوي ومنكب باستمرار على مشاريع متوخيا إنجازها ،مما جعله يضاعف منذ عشر سنوات إصدار عناوين غير متوقعة.منتقلا من شهادته باللغة الفرنسية وهو يعرض ثانية سرد رؤيته حول سنوات الحسن الثاني،إلى خواطر الصباح التي رصدت وقائع تلك الحقبة باللغة العربية ثم ترجمة فلسفات الأنوار مثل جان جاك روسو،وكتاب المسرح كما الشأن مع هنري دو مونتيرلان،وهو مؤرخ وباحث يستمتع بتقاعد مستحق ومنتج، بعد 37 سنة من العمل الجدي(1963-2000) بكلية الآداب في الرباط.
صاحب الإيديولوجية العربية المعاصرة وكذا مفاهيمه الشهيرة (الدولة، الحرية، الإيديولوجية، التاريخ )،ذاع صيته لكونه أحد مفكري القرن العقلانيين الذي ساءل بقوة أكثر، علاقتنا بالحداثة الغربية وأدرك شيئا فشيئا،كيفية التنقل بين ذاتيته كروائي،وتضاعف ذلك باعتباره شاهدا على التاريخ،ثم صرامته كمفكر يجادل باستمرار أفكارا وموروثات.عندما يستدعى إلى جلسة نقاش مع زملائه من طرف جريدة، أو التلفيزيون،أو المكتبة الوطنية،يتمسك خلال كل مرة بضبط الجدول الزمني وكذا صيغ حضوره إلى الفضاء العمومي.
سواء تعلق الأمر بالتاريخانية بناء على دعوة من مجلة»رباط الكتب»وكذا حول دور المثقف أمام ثورات الشارع استجابة لطلب من المجلة الشهرية ‘’زمان’’،أو فيما يتعلق بالاختلاف بين المؤرخ والقاضي ضمن عرض الدرس الافتتاحي لكلية الآداب بن مسيك في الدارالبيضاء(11أكتوبر2012) ،أو منذ عهد قريب بخصوص موضوع الدارجة على صفحات جريدة الأحداث المغربية أو عبر القناة 2m،فالخرجات الإعلامية لعبد الله العروي نادرة جدا مع أنها منتظرة كثيرا لدى أحد الأخيرين الذي يجسد بالنسبة للمخيال الاجتماعي صورة المثقف الكوني. بيد أن العروي نفسه لا يقر بضرورة ذلك معتبرا أن خطاب العالِم بكل شيء لم يعد مسموعا تماما، مع وصول المختصين إلى المشهد العمومي.من هنا إحساسه بأن المثقف يلزمه جيدا استثمار عزلته- المتوارية كي يترك آثارا مكتوبة للأجيال القادمة، دون أن ينسى بين الفينة والاخرى،عندما يقتضي الأمر ذلك أو استدرجه نتاجه نحو اتخاذ موقف بكيفية علانية .

 

 

الليبرالية والدينامية الاقتصادية :

ما الذي يفسر تسامحكم مع الحسن الثاني مقارنة مع سياسته الاقتصادية؟
حسب مادة الاقتصاد السياسي،لا يمكننا التقدير بناء على الأمنيات وهي لامتناهية، لكن باستحضار الاكراهات وكذا الممكنات المتاحة.خلال فترة الحرب، لا نؤاخذ أبدا على جنيرال،التصدع الاستراتجي،الذي يعود إليه وحده،بل الخطأ التكتيكي الناتج عن قراره الحر.صحيح ،أن الفصل الذي تطرق إلى الاقتصاد في كتاب المغرب والحسن الثاني،كان الأقل نقدا.في الحقيقة، وضعت نصب عيناي حكومة اليوسفي،التي كنت أتابع يوميا الإساءة إليها من طرف الصحافة،بقولهم :((لكن ما الذي فعلته للفقراء، والمعطلين،والشباب؟)).كما لو أن مشاكل ذات طبيعة بنيوية تعود إلى قرون عديدة من التأخر،يمكن إيجاد حلول لها في غضون سنوات.لاسيما أن هذه الانتقادات مصدرها دوائر استفادت أكثر من السياسة التي تنتقدها.

في كتاباتكم،تؤيدون موقف ماكس فيبر،الذي طالب باستقلال الحقلين الاقتصادي والديني بالنسبة إلى المجتمع.هل تعتقدون بأن الدينامية الاقتصادية الحالية للمغرب ستكون كافية بهدف بلوغ نفس الشكل؟

تقريبا كافية،أقول. هنا يبدو لي، الدور التاريخي للملكية، كي ترمز إلى الوحدة الملتمسة بين المجالين.مادامت الوحدة تتحقق على هذا المستوى،ولا يمكن أن تكون في موضع آخر.لا أقول قط بأن هذا يعمل على تسوية المشكلة، لكنه يسهل الحل في المغرب.حاليا عندنا، تفتقد المؤسسة الدينية، أساسا اقتصاديا مستقلا(ضرائب، ثروة عقارية،امتيازات تجارية)،مثلما توفر لها ذلك ماضيا.إنها تحت رحمة الدولة وعطايا بعض الشخصيات،الوطنية والأجنبية.كل شيء، يرتهن في ظل هذه الشروط،إلى التطور الاقتصادي العام الذي سيحدد إن كانت هذه المؤسسة ستصير تقريبا مستقلة وتقريبا مؤثرة.عودة الديني بالكيفية التي نعاينها عندنا له مبرر بديهي. إنه الريع البيترولي لبلدان جديدة غنية مما سمح بتبشير متجدد ،سلميا أو حربيا(لدينا الدليل عندما نبحث في مايجري ضمن أوساط الهجرة).ليس الدين هو المهيمن على الاقتصاد، لكن حقا نموذجا اقتصاديا معينا(الريع)والذي يحدد شكلا خاصا للممارسة الدينية.هذا ما يجيز لي الحديث عن تهويد للإسلام الحالي (إشارة المحاوران : يقصد عبد الله العروي بهذا الصعود في الإسلام لمفهوم نفعي للدين ونزوع نحو تنمية التجارة،نفس الوضع في تاريخ اليهودية، بخلاف البروتستانية التي طورت فكرا مثابرا ومهتما بالصناعة).تصور صادم بالنسبة للكثيرين،ينبغي مع ذلك أخذه على محمل الجد.يتبنى المسلم أكثر فأكثر الاقتصاد الحديث. ويبقى في ذات الآن وفيا لفكرة تقليدية، بيد أنه لايعلمها سوى خلال لحظات معينة في اليوم،وحياته.
نحن في قلب الاقتصاد الحديث، دون أن نمتلك محركاته.تتضخم فقاعة البورصة ،لكن على مستوى الواقع، فالتفاوتات المجتمعية على وشك الانفجار.هل تعتقدون أن هذا التوتر بمثابة الفاتورة التي يلزم أداء ثمنها ضمن مسار الليبرالية؟

لا يمكن فصل تحليل النظام الرأسمالي عن التحليل الليبرالي.لكن النقطة التي أثارها ماركس، ولم تكذبها قط الوقائع، أن النظرية (الرأسمالية أوالليبرالية)تلتمس حرية الفرد،لكنها لا تشتغل إلا مع الجماعات.فيما يتعلق مباشرة بالسؤال المطروح هو تناقض آخر بين المادي واللامادي،يتعذر تجاوزه. تنمي الرأسمالية أكثر فأكثر الثاني ،دون أن يتأتى لها قط الانفصال عن الأول الذي تقلصه باستمرار حد إلغائه أحيانا من حساباتها.بينما، المادي، مثل الجماعة، يتذكر الرأسمالية من خلال الأزمات.على امتداد عشر أو عشرين سنة،لم تحدث أزمة،بالتالي يعلن عن موت نظرية الأزمات. ثم تحدث أزمة من جديد.لماذا لانستحضر ثانية مايقوله ماركس بهذا الخصوص؟نظريا، البورصة هنا من أجل تنظيم الادخار ووضعه تحت تصرف من ينتجون الثروات المادية،لكن بصيغة أخرى للتناقض تمت الإشارة إليها أعلاه،تعطي الرأسمالية قيمتين لنفس الشيء،تلك التي نلاحظها ونحدسها. إذن، سعينا كي نلعب على التناقضات .بهذا الخصوص، لايمكننا فعل أي شيء،فالخاصية الجوهرية للرأسمالية،أنها تغير راديكاليا إدراكنا للزمان. حاليا إذا فهمنا كل ذلك جيدا،فلم يحدث شيئا جسيما،لأن الأزمة تمثل مكونا من النظام. إذا لم يُستوعب ذلك لأن الاقتصاد كعلم ، لم يدرس أو تم الأمر بطريقة سيئة،كما الشأن عندنا، فالانتقال الحتمي من المادي إلى اللامادي –لإنتاج البورصة- يعضد غالبا الإيمان اللاعقلاني بالغيب. سيعتقد بأنه يصبح ثريا بين عشية وضحاها إذا عرف الحصول على قرض بدون ضمانة، وتدبر أمره كي يمتلك المعلومة الملائمة ،كما يعتقد بأن الدولة في وسعها تمويل كل شيء،وإذا لم تفعل،فإنها لا تريد،بسبب احتقار أو فساد. هكذا نجابه ثانية قضية التعليم.
لقد كتبتم بأن الأخلاق الفردية يوشك أن تكون بلا فعالية دون أخلاق جماعية.ماذا نفعل اليوم كي نقيم إيتيقا تعارض المضاربة في البورصة؟أصبح المال اليوم فقاعة لا تضخ ثانية سواء عبر إعادة التوزيع ولا في أي شيء؟

لنترك الفقاعة تتشظى.الذين لا يتركون البورصة سريعا سينتهون بالانهيار داخلها.تتوقف الاتيقا المجتمعية على عوامل كثيرة :الأسرة، المدرسة، الجماعة الاتنية أو المجتمعية،الانتساب الأخوي، النظام السياسي،إلخ.لنرى ثنائية مدرسة- نظام سياسي،منطلقين من محتوى المقررات التي ندرسها في مستويات الابتدائي.التربية عندنا لها هدف واحد، الإذعان، بحيث تواصل ما بدأته أو يفترض كذلك، مع الأسرة،الزاوية، القبيلة،إلخ.نتوخى نمطا إنسانيا معينا،بخاصيات محددة ينبغي تشجيعها،ثم أيضا مساوئ معينة، يلزم التنبيه لها،بالتالي لا يهم كثيرا في نهاية المطاف إن كان حقا نموذج الشخص الذي يحتاج إليه بالضبط المجتمع خلال حقبته الحالية من التطور. لنتخيل حاليا فضاء سياسيا مختلفا ، ذاك الذي يستجيب لتطلعاتي،حيث السلط مقننة مؤسساتيا،والموكولة إليهم المهام يمارسونها بالكيفية الأكثر إقناعا :في هذه الحالة،سيتم الجانب الكبير من التربية المدنية،خارج المدرسة العمومية،التي لن تكون لها سوى مهمة تكوين الشخص الأكثر نفعا (المقصود اقتصاديا) للمجتمع.هذا النوع من المنفعة يحدده البرلمان،باعتباره ممثلا للمجتمع.هذه التربية – التكوين،التي تتوخى المجدي،تسقط بدورها على جميع المستويات، تحت طائلة حساب المنفعة.ونحن أبعد ما نكون عن هذا الأمر.

في كتاب المغرب والحسن الثاني، أثنيتم على المجهود الذي بذل من أجل النمو. حاليا، تطرح إشكالية إعادة التوزيع.كيف ترون حاليا هذا التباين وكذا مخاطره؟
تأتيني رغبة أن أرى في كل مكان الإعلان عن عرض مزدوج،واحد اقتصادي والآخر اجتماعي.أدرك، طبيعة الجواب المطروح،الذي مفاده أنه يصعب جدا التمييز بينهما.إن تدبيرا اجتماعيا ،هو كذلك عنصرا للإنتاج.مع ذلك، أصر على الاعتقاد، بأنه قد تكون له تقريبا قيمة تربوية. سيظهر لكل واحد الممكن من غير الممكن. بدون هذا، كيف نبرهن للرأي العام، بأن إدماج العاطلين أصحاب الديبلومات،بدون تردد ولامبالاة،يمثل أقصر السبل نحو الإفلاس؟سنرى بالتالي أننا نستفيد من ثروات كثيرة لاننتجها عندنا.بوسعنا فحص الإشكالية على جميع المستويات،نعود دائما إلى الاقتصاد الحقيقي،أي خلق الثروات المادية.ما هو دال في نظري ليس مقدار رقم النمو(ألاحظ من جهة ثانية أن البلدان التي يقدموها لنا كنماذج تعرف تضخما مضاعفا وأحيانا بثلاثة أضعاف قياسا لتضخمنا كما الحال مع تركيا والتايلاند) ،بل ذاك المتعلق بزيادة القيمة،وفائض الثروة الواقعي الذي يخلق كل سنة.على المدى الطويل، ينتج الفقر البنيوي من كون زيادة القيمة تلك،صارت طفيفة أو منعدمة،نتيجة فلاحتنا البدائية.أعرف أن هناك مشكلة تتعلق بالماء،والمناخ، والتصحر، إلخ .لكن يوجد أيضا عامل بشري، خلية الأسرة، قانون الإرث،نمط الاستغلال.لقد انتقدنا باستمرار،منذ عهد الحماية، السياسة الزراعية المتجهة إلى الفلاحة التصديرية،على حساب تلك التي يعيش بها الأفراد.أيضا كونها تواصلت،على الرغم من الانتقادات المتكررة،يؤكد استجابتها لبعض المقتضيات الاقتصادية والسياسية :هي في غاية السهولة من ناحية التفعيل ،ثم تتجلى نتائجها بكيفية مباشرة أكثر. مع ذلك، بقدر إصرار فلاحتنا على هذا الوضع، سيستمر العوز،ثم التفاوتات على جميع المستويات.الأول يستدعي الثانية.نفكر هنا في المثال الايطالي،المتباين دائما شماله عن جنوبه.ما يزعجني أكثر،أننا نغير السياسة كل خمس سنوات. قررنا اتباع سياسة للأمن الغذائي،ثم تركناها فيما بعد لأنها كانت باهضة التكلفة، ثم ارتفعت الأسعار بالنسبة إلى السوق الدولية، مما نزع كل ملاءمة مع التحليل السابق : ثم نعيد ثانية الحديث عن الأمن الغذائي، إلى أن يشير علينا ناصح جديد بأفضل تخصيص للموارد ،وهكذا دواليك.أليس في وسعنا أن نكون اليوم في وضعية أفضل، لو واظبنا على السياسة الأولى؟

أنتم أحد المفكرين الليبراليين النادرين المحيل باستمرار على ماركس.ما الذي يفسر راهنيته، بالنسبة إليكم ؟

ببساطة لأنه مُنظِّر الرأسمالية والليبرالية الأكثر أهمية.لقد توخى حقا تجاوزهما، لكنه أراد خاصة فهمهما.ننسى، أو نجهل، بأن هذا كان واضحا جدا لدى رجل مثل جوزيف شومبيتر (اقتصادي نمساوي ابتداعي (1883-1950)).يخلط البعض بين ماركس، الماركسية، البولشفية، اللينينية، الستالينية،مثلما خلط آخرون قبلهم بين روسو،روبسبير،الرعب،إلخ.لقد أهمل روسو طيلة خمسين سنة،واعتبر بمثابة شخص متقلب وصاحب فكر غير منظم،لكنه تمكن أخيرا من العثور ثانية على مكانته الحقة.طبعا،لا يمثل ماركس سواء المعرفة الكلية،ولا تجاوزا للاقتصاد،ولا اكتمالا للتاريخ،كما أمكن الإقرار،خلال لحظة أو أخرى،من طرف بعض الذين يتكلمون عنه اليوم بنوع من الاحتقار.ماركس هو الشارح الموهوب،العميق في جل الأحيان،المحلل البارع ضمن مفكرين جسدوا،كل في ميدانه،مظهرا للحداثة.من جهتي،أضفت ميكيافيلي وابن خلدون.مثلما أفعل معه، أيضا استلهم منهم بريقا أكثر.أود الإشارة،إلى نقطة واحدة.لقد حاول ماركس،دون أن ينجح، يلزم الاعتراف بذلك،تفسير تشكل الأثمنة. بيد أن القضية التي أثارها تبقى مسألة يتعذر حلها .آخرون بعده اقتفوا مسالك أخرى ،دون نجاح أيضا. لقد استنتجوا بأنها إشكالية فلسفية وانتقلوا إلى الميكرو- اقتصاد. ماهو الثمن بالنسبة لمقاولة؟ بإعادة صياغتهم للسؤال على هذا النحو،توصلوا إلى نتائج .لكن يستمر المشكل على المستوى الإجمالي،كما صادفناه من جديد لحظة العولمة.لم نتمكن من السيطرة على الأثمنة (البترول مثلا)،مادمنا لانعرف كيفية تشكلها ،أو بكيفية دقيقة أكثر فالسوق لا يضبطها لأنها غائبة بالنسبة إليه. هو السؤال الذي طرحه ماركس.من هنا راهنيته.

شهادة،موضوعية،عقلانية

هل استثمرتم ثانية في كتابكم،السنة والإصلاح، الأسلوب الرسائلي،كما يظهر قصد الالتفاف على الحدود المنهجية للبحث .ماهي الحريات التي تستندون إليها من خلال الأسلوب الأدبي،وقد بدت لكم محظورة مع الأسلوب الأكاديمي؟

في الماضي،كان العلماء، ومثقفو الحقبة،يكتبون وصيتهم الفكرية،قبل الموت.يسمونها ب’’عقيدة’’،يؤكون من خلالها تماما عناصر اعتقادهم.لقد تضمن كتابي من جهة أخرى عنوانا فرعيا لم يهتم به الناشر»عقيدتنا لزمن الشقاء’’.أردت، بدون إحالات، ولامجادلات، ولا التكلم عن الآخرين – حتى بحديثنا عن الذات، نتكلم دائما عن الآخرين قليلا – أعرض بكيفية نسقية رؤيتي الخاصة للأشياء.

لاتبتعدون عن ماسميتموه بالتفاؤل المفجع. فإنكم تركنون إلى ذلك شيئا ما أكثر،إن صح القول.لكن لما تشعرون بحاجة كتلك للانتقال من خلال هذه المرأة التي راسلتكم ووضعتكم عند موقع السجال؟

باختيار هذه المرأة كمحاورة،أردت خاصة تجميد الخيوط الحمراء بحيث يتعذر الاعتراض علي .سعيت عبر مراسلة امرأة غير مسلمة انطلاقا من وضعها بل اختياريا،لكي تستطيع طرح ظروفها. لماذا امرأة؟ لأن النساء، في رأيي،لم يمتلكن الحق في الكلام منذ قرون عدة،في كل المجتمعات ولاسيما مجتمعنا،وقد بقين أكثر قربا من الواقع، لذلك هن أقل انخداعا بالكلمات من الرجال.ثم غير صفتها النسوية، ينبغي على صاحبة الرسالة الانفصال في الآن نفسه عن الثقافة المحيطة،أي الأمريكية،بكل أحكامها الجاهزة المناهضة للإسلام، والثقافة الإسلامية التقليدية بشتى أحكامها الجاهزة.إذن يلزمها أن تكون ذات تكوين علمي.هذه الشخصية متخيلة،مع أن العديد من القراء قد يظنوها حقيقة.في إطار هذه الثوابت،تشغل مٌراسِلتي نطاق وضعية إصغاء.إنها تتعلم، ولا تساجل قط، تبحث عن حقيقة بوسعها فعلا البوح بها وليس مجرد ترديدها.يلزم إبقاء العلم التجريبي،الذي تحيا معه ومن أجله، خارج السياق، نفس الأمر بالنسبة للسياسة.بغير ذلك،تشعر بمنفى داخلي ،وهذا ما لا تريده.لقد نزعنا نحو الاعتقاد بأن السياسة فن، حرفة، وتقنية،لأن الكلمة العربية ‘’سياسة’’تحيل على تجربة الفارس (حسب معنى اعتنائه بحيوانه).لكن عند التروي،كما تدعونا إلى ذلك نصوص عربية أدبية كبيرة،فالسياسة بحث عن المصلحة المشتركة. يؤكد البعض بأن الديمقراطية وجه ومظهر ونتيجة للسياسة.الديمقراطية،هي السياسة. لا توجد سياسة،بالمعنى الحقيقي للكلمة،دون ديمقراطية،على الأقل كمشروع.أما استتباب الأمر،وما يستتبعه من ائتمار، ونفوذ ، وتوجيه للأشياء والأشخاص،الأشخاص كالأشياء،هنا نبتعد عن السياسة.لا يمكننا القول قطعا: يمثل النظام المفهوم العام والديمقراطية إحدى مواصفاته.بدون ديمقراطية،لا يقوم نظام حقيقي،ومقبول بكيفية حرة.لكن لنعد إلى النقطة التي بدأنا منها.إذا كان العلم والسياسة غير واردين مبدئيا في النقاش،فما الذي سأتحدث بخصوصه مع هذه السيدة المنتمية إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي ؟عن الجوهري.وفق أي معنى بوسعها الادعاء أنها مسلمة،ليس فقط على مستوى القول،بل وعيها بذلك،بإرادة، وصدق؟
هامش :
Fatima Ait Mous et Driss KsiKes :le métier d intellectuel ; en toutes lettres ; 2014 ;pp59- 87

 

حاوه: ادريس كسيكس وفاطمة موس


الكاتب : ترجمة :سعيد بوخليط

  

بتاريخ : 31/05/2017