المقاولة المغربية تعيش حالة اختناق غير مسبوقة في غياب التحفيز وضعف التنافسية

العجز التجاري يقفز إلى 109 ملايير درهم ويعري فشل الحكومة

في تحصين العرض التصديري للبلاد

 

كشف مكتب الصرف في آخر بياناته حول المبادلات التجارية أن العجز التجاري للمغرب بلغ عند متم أبريل 2025 نحو 108.9 مليار درهم، مسجلا تفاقما بنسبة 22.8% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، حيث لم يكن يتجاوز 88.7 مليار درهم. وبلغت قيمة الواردات خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية ما مجموعه 263 مليار درهم، بزيادة ناهزت 22 مليار درهم، في حين لم تتعد قيمة الصادرات 154 مليار درهم، بارتفاع محدود لم يتجاوز 1.2%.
البيانات الرسمية كشفت عن تراجع واضح في معدل تغطية الصادرات للواردات، الذي فقد 4.6 نقاط ليستقر في حدود 58.6% فقط، وهو أدنى مستوى يسجله المؤشر في السنوات الأخيرة. ويعزى هذا التدهور بالأساس إلى اتساع الفارق بين تطور الصادرات التي سجلت نموا طفيفا، مقابل ارتفاع قوي في قيمة الواردات، خاصة في المواد الاستهلاكية والغذائية ونصف المصنعة.
قطاع السيارات، الذي يمثل رافعة أساسية للصادرات المغربية، سجل تراجعا ملموسا بنسبة 7%، منتقلا من 52.6 إلى 49 مليار درهم، نتيجة انخفاض حاد في مبيعات وحدة التصنيع التي فقدت 5 مليارات درهم من رقم معاملاتها خلال أربعة أشهر فقط. قطاع الإلكترونيك بدوره فقد 428 مليون درهم من صادراته مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، متأثرا بانخفاض قوي في صادرات المكونات الإلكترونية بنسبة 42.5%. أما صادرات النسيج والجلد، فقد سجلت تراجعا بنسبة 2.7%، مع انخفاض ملحوظ في مبيعات الملابس الجاهزة والمنتجات النسيجية.
في المقابل، واصلت واردات المواد الغذائية منحاها التصاعدي، حيث ارتفعت بنسبة 11.3% لتصل إلى 33.4 مليار درهم، مدفوعة بزيادة لافتة في واردات الذرة والأغنام والأبقار والقهوة. وبلغت فاتورة الذرة وحدها 2.6 مليار درهم، بزيادة فاقت 44%، في حين ارتفعت واردات المواشي إلى أكثر من 2.2 مليار درهم. أما واردات القمح، فقد تراجعت بـ14.5%، لكن ذلك لم يخفف من الضغط على الميزان الغذائي.
وساهم الطلب القوي على المواد الاستهلاكية المستوردة بدوره في تضخيم الفاتورة، حيث سجلت واردات المنتجات النهائية الموجهة للاستهلاك ارتفاعا بـ6.2 مليار درهم، لتبلغ 61.2 مليار درهم، نتيجة الارتفاع المتواصل في واردات الأدوية، والسيارات ، والمفروشات المنزلية. كما ارتفعت واردات المعدات الجاهزة بنسبة 13.3%، لتصل إلى 61.8 مليار درهم، في ظل زيادة الإقبال على الأجهزة التكنولوجية والمعدات الصناعية.
ورغم أن الفاتورة الطاقية سجلت بعض التراجع بنسبة 4.9%، مدفوعة بانخفاض واردات الغازوال والفيول بـ2.8 مليار درهم نتيجة هبوط أسعارها في السوق الدولية، إلا أن هذا التراجع لم يكن كافيا لكبح تفاقم العجز التجاري.
في جانب مداخيل العملة الصعبة، انكمشت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى 35.9 مليار درهم، بتراجع بلغت نسبته 3.7% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وهو ما يمثل انخفاضا بـ1.37 مليار درهم في ظرف أربعة أشهر فقط. ويطرح هذا التراجع إشكالية جديدة مرتبطة بتراجع أحد أهم مصادر تمويل العجز الخارجي في المغرب.
على النقيض، سجلت مداخيل الأسفار أداء إيجابيا نسبيا، حيث ارتفعت بـ7.5% لتبلغ 34.4 مليار درهم، في حين ارتفعت صادرات الخدمات عموما بـ5.3%، مما عزز فائض ميزان الخدمات بنسبة قاربت 12% ليستقر في 46.3 مليار درهم.
و تعكس البيانات الجديدة اختلالا واضحا في بنية المبادلات الخارجية، في ظل تباطؤ دينامية التصدير مقابل ازدياد حدة التبعية للاستيراد، سواء في المواد الأساسية أو في المنتجات النهائية. ورغم الأداء الإيجابي لبعض القطاعات كالفوسفاط والطيران، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوقف منحى التدهور المسجل في الميزان التجاري، الذي يستدعي مراجعة عاجلة لخريطة التحفيزات الصناعية والتجارية.
هذا التدهور المسجل في مؤشرات المبادلات التجارية لا يعكس فقط اختلالا ظرفيا في التوازنات الخارجية، بل يكشف، بالأرقام، عجز الحكومة عن بلورة سياسة فعالة للنهوض بالعرض التصديري الوطني. فرغم الشعارات المرفوعة حول دعم الإنتاج وتحفيز الاستثمار، تعيش المقاولة المغربية اليوم حالة غير مسبوقة من الانكماش، تغذيها تراجعات متتالية في الإنتاجية، وتآكل القدرة التنافسية، وغياب أي دينامية حقيقية على مستوى التحفيزات الحكومية. وضع يكرس مزيدا من الارتهان للأسواق الخارجية، ويقوض جهود إنعاش اقتصادي يفترض أن يكون مبنيا على خلق الثروة لا على استيرادها.


الكاتب : n عماد عادل 

  

بتاريخ : 02/06/2025