الملتقى الوطني الأول ناجي العلي يكرم الكاريكاتيريست محمد عليوات

شفيق الزكاري،عمر العسري، عز الدين بوركة، جلال حجير، و بنيونس عميروش

يقاربون تجربة الراحل «حمودة» في ندوة ببلقصيري

 

 

 

نظمت جمعية النجم الأحمر للتعليم والتربية والثقافة والتنمية الاجتماعية، يوم السبت 25 فبراير 2023 بمشرع بلقصيري، الملتقى الوطني الأول ناجي العلي، حيث حملت دورته اسم الكاريكاتيريست محمد عليوات المعروف بحمودة.
عند انطلاق الأمسية، التي قامت بتنشيطها الأستاذة ثورية البدوي، تلت نجلة الفقيد إلهام عليوات، أصالة عن نفسها، ونيابة عن أسرتها، رسالة شكر وامتنان لرئيس جمعية «النجم الأحمر» الأستاذ بنعيسى الشايب، وباقي أعضاء مكتبها، على المبادرة النبيلة التي اتخذوها في حق والدها، وتكريمه خلال الدورة الأولى للملتقى الوطني ناجي العلي، متمنية لهم وللمهرجان كل التوفيق والاستمرارية في الدورات القادمة.
بعدها مباشرة، تم عرض فيلم وثائقي عن حياة حمودة، من إنجاز الفنان الكاريكاتيريست الناجي بناجي، والذي حاول إعطاء لمحة موجزة عن نشأة حمودة بمدينة سيدي قاسم، وعن خصاله المحبوبة لدى أصدقائه وأبناء حومته، وعن مساره المهني بمجموعة من الجرائد الوطنية، كان آخرها يومية «الاتحاد الاشتراكي»، التي اشتغل فيها لأكثر من أربعة عشر سنة، وعن الملتقيات الدولية التي حضرها، وخلف فيها انطباعات طيبة لدى المنظمين ولجن التحكيم المؤلفة من كبار فن الكاريكاتير.
حضر اللقاء بعض أفراد أسرة الفنان الراحل، إلى جانب عدد من أصدقائه المقربين وعلى رأسهم الكاريكاتيريست العربي الصبان، والصحفي المقتدر بوشعيب الدبار، والفنان الكاريكاتيريست الناجي بناجي وآخرون، كلهم، أجمعوا في شهادتهم على دماثة أخلاقه وعن موهبته المتفردة في فن الكاركاتير وعن إنسانيته ومشاعره الرهيفة.
ورغم برودة الطقس بمشرع بلقصيري في ذلك اليوم الممطر، غصت قاعة المركب الثقافي بالحاضرين، وسادها كثير من دفئ المحبة الصادقة والمشاعر الناعمة، والوفاء في لحظة تكريم هرم من أهرامات الكاركاتير الإعلامي.
أجواء اختلطت فيها دموع الشوق بفرحة اللقاء.. تخللتها، قطع موسيقية تعود إلى الزمن الجميل للطرب العربي، وللفن الموسيقي المغربي الأصيل، أدتها فرقة «يافا» من مدينة القصر الكبير بأصوات غذبة لمطربتين واعدتين.
وفي فقرة التكريم، خصصت الجمعية مجموعة من الهدايا لزوجة الراحل فتيحة فنان، ولنجلته إلهام، وكذلك لأخت الفقيد حمودة ثورية عليوات، قدمها كل من رئيس الجمعية السيد بنعيسى الشايب، والإعلامي الكاريكاتيريست العربي الصبان.
وفي يوم الأحد 26 فبراير، نظمت جمعية النجم الأحمر للتربية والتعليم والثقافة والرياضة والتنمية الاجتماعية، في قاعة الاجتماعات بالمجلس البلدي للمدينة، ندوة حول تجربة الفنان محمد عليوات في مجال الكاريكاتير، شارك فيها الناقد التشكيلي شفيق الزكاري، وعمر العسري، والناقد عز الدين بوركة، والناقد جلال حجير، والناقد بنيونس عميروش، بحضور جانب مهم من الإعلاميين.
وفي مداخلته حول موضوع «ثقافة الكاريكاتير بين الأمس واليوم»، قال الفنان التشكيلي والناقد شفيق الزكاري «إن الاهتمام بهذا المجال التعبيري يستحق التنويه، شريطة أن تضمن سيرورتها وحريتها لتنزع حق الوجود كضمير حي للمجتمع، وكسلاح رمزي قوي لاختراق كل أشكال التعسف واللامسؤولية، مع الإشارة إلى أن فن الكاريكاتير قطع أشواطا بين الأمس واليوم، بفضل عزيمة المبدعين والمناضلين من أجل غد أفضل».
وقد طرح شفيق الزكاري تساؤلا حول مقاربة الحرية في التعامل مع هذا الجسم التعبيري في الوقت الراهن، بعد أن وقع انفراج نسبي بقبول بعض الانتقادات المرتبطة بالمعيش اليومي للمغاربة، ومدى أهمية هذا الفن في اختزال المسافات، للتعبير عن أفكاره بشكل هزلي تخضع لمنطق النقد البناء في اتجاه الإصلاح.
وقد تساءل الزكاري في مداخلته عن مدى تأثير فن الكاريكاتير على المشاهد والقارئ من خلال المنابر الإعلامية والمعارض الفنية؟ وأين تكمن قوة الكاريكاتير مع النص المكتوب ؟ ولماذا تم حصار هذا النوع من التعبير لمدة طويلة على مستوى النشر والعرض؟
أما الناقد بنيونس عميروش، فقد تمحورت مداخلته حول موضوع «حمودة منبعث من قلب الشعب»، حيث قال «ونحن اليوم نلتف حول تجربة الكاريكاتيريست حمودة، إنما نحتفي بالزمن البطولي لفن الكاريكاتير.. زمن الريشة والحبر والبياض العذري، زمن حمودة والصبان في أكبر صحيفتين سياسيتين في البلاد وهي العلم والاتحاد الإشتراكي».
وأضاف عميروش أنه حتى في حال السخرية المتضخمة، ظل حمودة يحافظ على أناقة الغرافيك الذي يتضمن الفكرة أو الموقف أو الهزل بحسب طبيعة السياق، دون أن يطمس  منطق محاكاة عناصر الواقع المر، لعله المعيار التعبيري الذي سلكه في تطويع رسومه  وهي ترافق وتلازم نصوصا بعينها».
وفي معرض مداخلته، ذكرعميروش بشهادة ادريس الخوري قائلا «هو فتى آخر من فتيان الشعب، لكنه طموح لا يتكلم إلا بريشته وبرسوماته السريالية البسيطة التي لا تشبه رسومات الآخرين.. عندما أدخل قاعة التحرير الواسعة بالاتحاد الإشتراكي، أجده منكبا على أوراقه البيضاء، يخطط لمشاريعه الفنية باحثا عن المخلوقات الغريبة التي تشبهنا ولا تشبهنا..»
واستطرد بنيونس كلامه مذكرا بشهادة الإعلامي بوشعيب الدبار في كتاب «الكاريكاتير في المغرب/السخرية على محك الممنوع» للكاتب ابراهيم الحيسن، حيث قال «أعتز شخصيا بمواضيع ومقابلات صحفية لي منشورة على صفحات جريدة أخبار الفن، تولى هو تزيينها بريشته، فأضفى عليها مسحة من العذوبة والجمال. كان المقر الجريدة في شارع أبي فارس لمريني بالرباط، هو بيته وملاذه ومكتبه وعشه الدافئ، وفضاؤه الرحب، يغرد فيه كطير محب للتحليق وحيدا في قاعة التحرير، في أجواء الحرية والإبداع.
لقد ظل محتفظا ببراءته ودهشته أمام الأشياء، لم تلوث المدينة أخلاقة أو صفاءه النفسي والروحي، بقى نقيا من الداخل مثل قطرة ندية على زهرة برية في فجر ربيعي جميل، يحتضن مروج وحقول سيدي قاسم بضيائه»
وفي السياق ذاته ذكر أيضا يونس عميروش، بشهادة حسن نجمي في حق الراحل حمودة، حين قال  «كان قلقه مداوما من جراء الرسوم التي كان ينجزها ولا تجد طريقها إلى النشر. كان يعتبر دائما أنه ليس من حق أي محرر أو مسؤول أن يفرض حكمته وتعقله على القراء.. كان فنانا صادقا عميقا مؤثرا للصمت ومثالا للتواطؤ، بنى مساره الفني في الظل، وعاش بيننا مثل الطفل الذي لا يكبر، يمنح كثيرا من أسباب الضحك لهيأة التحرير، لكنه في عمق الابتسامة بذرة الحزن النهائي».
وقد استخلص الناقد عميروش انطلاقا من هذه الشهادات، «إلى أن الراحل حمودة، ترجم رقي الكاريكاتيريست الذي رتب حياته ومساره الإبداعي طبقا لالتزام مزدوج: التزام موظف بشروط مهنته التي تقتضي التوافق مع التحرير والتواجد داخل فضائه، والتزام فنان بالإنصات إلى نبض المدائن والتقاط الهموم في الفضاء الخارجي».
وختم الناقد بنيونس مداخلته مشيرا إلى أن «الفنان الراحل حمودة جسد الكثير من رسوماته التي استطاع أن يحفر فيها خطوط تحرره، والتي لم تعكس إلا صورا تعبيرية صادقة لتناقضات مجتمعه وما يختزله من آلام وأوجاع».
مباشرة بعد ذلك، ورغم التعب الذي لازمها منذ ليلة التكريم، إلا أن الأستاذة ثورية البدوي كانت تنشط الندوة برصانة وثبات، فأعطت الكلمة للشاعر والناقد المغريي عمر العسري الذي قدم ورقة في موضوع «الفن الساخر أو حين لا تنفصل الحياة عن صوره»-ملاحظات بصدد تجربة الفنان الراحل حمودة- قال فيها:
«بيد أن رسوم حمودة تحققت في سياقات متنوعة، وفي أزمنة مختلفة، ورغم هذا المعطى، فإنها لاتزال متاحة لإعادة النظر إليها لأنها سعت إلى تمثل الواقع تمثلا خلوا من كل مبالغة، وتمشيا مع شرط البساطة، فالحقائق التي نقلتها رسوماته عرضت الأشياء والمضامين بطريقة ساخرة، تبرز وضعية الإنسان المعاصر المقهور بسلوكيات وقرارات غالبا ما يتم استدعاؤها على شكل وسائل تؤشر على السلبية، فينخرط القارئ مباشرة ضمن سلسلة حقائق تهمه وتخص قضيته»
وحسب العسري فإن «هذا التوظيف يقترن بالاستعارة البصرية، وهي مدخل مفصلي في الخطاب الكاريكاتيري، من خلالها يتحقق النقل وإدراك المضمون في كليته. وإلى جانب هذا الخصوصية الخطابية فإن توظيف الحوار، أو بعض الكلمات والجمل، هو من باب الكشف عن اللغز المفتوح على نفسه، والكاشف للقضايا الحياتية المثارة»
وأكد الشاعر عمر العسري في آخر مداخلة له أن «شخصيات حمودة، في جل رسوماته الكاريكاتيرية، هي نماذج لتبين حقيقة الموضوع، فهو يقدما على بساطتها، حتى يتمكن القارئ من تفسير مقامها وسياقها، وتبين لا وعي التسلط الذي يخالف المنطق. فحمودة يطرح فكرة استحالة معرفة الإنسان، وإمكانية معرفة مشاكله، بل ويجبرنا على أن نتطلع إلى ما يكمن في نفوسنا، وأن نعثر فيها على تلك الأهواء التي تعصف بشخصياته/أبطالهن وكيف أن النفس الإنسانية تحمل في أسمى المثل إلى جانب أخط الدناءات. وكيف أن الإنسان يحمل في داخله قوة تنفيذ الظلم، ورغبة تحقيق العدالة
أما الباحث في جماليات المعاصرة عز الدين بوركة، فقد قدم مداخلته تحت عنوان «الكاريكاتير بوصفه ممارسة فنية.. إستيتيقا السخرية» قائلا «يقع الكاريكاتير بين الجد والهزل -استيتيقا الضحك- بين الفن والنقد، بين البناء والهدم، بين الواقعي والمخيل»
وقال بوركة يجب التأكيد على أن الكاريكاتير ممارسة فنية من حيث أنه نابع من الذات الإنسانية، معبر عن المحيط، ويعمل على إعادة تشكيل العالم، ويعمل على المحاكاة الجافة والمرآوية التجميلية.»
وفي آخر مداخلة له، قبل إسدال الستار على أول دورة لملتقى ناجي العلي الوطني لفن الكاريكاتير، قال السيناريست والناقد جلال حجير «نشط حمودة كريشة إبداعية خلاقة تزاوج بين الرسوم الساخرة، وتلك التي تؤثث فضاء الصفحات اليومية بجريدة الاتحاد الإشتراكي، وأصبحت أعماله في كثير من نماذجها الناجحة، جزءا من أحاديث القراء ومثارا للتقدير والاحترام لدى الجميع. «
وأضاف الناقد جلال حجير «بالنسبة لحمودة لم يكن فن الكاريكاتير مجرد أداة تعبيرية، وإنما كان مبرر وجود، لذلك كانت أعماله تتناول قضايا المجتمع كاشفة وحقيقية، أكثر من الواقع نفسه.»
ولم يخف الناقد جلال حجير إعجابه برسومات الفنان محمد عليوات، حيث صرح في مداخلته أمام الحضور، أن الراحل حمودة شكل له مصدر إلهام منذ الطفولة، فكان له الفضل في أن يلج عالم فن الكاريكاتير.
للإشارة، رغم الإكراهات المادية والمعنوية التي تعترض النشاط الثقافي بمدينة مشرع بلقصيري، إلا أن جمعية النجم الأحمر للتربية والتعليم والثقافة والتنمية الاجتماعية، تناضل بعزيمة قوية في ظل إمكانيات مادية ولوجيستية محدودة، من أجل الحفاظ على مشروعها التثقيفي، عبر برنامج حافل بالأنشطة الثقافية والفنية، والمتمثلة في الندوة الوطنية للرواية، مهرجان القصة القصيرة، ملتقى سبو للشعر، وملتقى ناجي العلي الوطني لفن الكاريكاتير الذي انطلقت أول فعالياته يوم 24-25-26 فبراير بالمركب الثقافي، والمجلس البلدي بمدينة مشرع بلقصيري.


الكاتب : عبدالرحيم الراوي

  

بتاريخ : 06/03/2023