الملك الحسن الثاني يهدي أم كلثوم خروفين بمناسبة عيد الأضحى وتحتفي مع أسرة مغربية فقيرة

حفلات غنائية لدعم المجهود الحربي المصري والدبلوماسي أحمد
السنوسي يقنع الست ببث حفلاتها على شاشة التلفزيون

 

 

علاقة أم كلثوم بالمغرب، لم تكن علاقة فنان بجمهوره،أو علاقة متمثلة في إحياء حفلات غنائية وحسب ،بل امتدت إلى أبعد من ذلك لتكون علاقة عنوانها البارز الحب المتبادل الموسومة بكرم ملك فنان يعشق الفن وأهله .
كانت كوكب الشرق تحظى باحترام وتقدير كبيرين، وهذا ماشهدت به بعظمة لسانها في أكثر من مرة ومن مناسبة .
لقد أحيت أم كلثوم حفلات غنائية عدة في المغرب، لاقت نجاحات باهرة، حضرتها جماهير غفيرة من كل جهات المملكة ،بل حرص المعجبون من العالم العربي ان يحضروا حفلاتها في المغرب، قادمين من تونس والجزائر وليبيا ….
وكانت كوكب الشرق إلى جانب كبار الفنانين العرب يحظون في كل زيارة باستقبال ملكي،وعلى رأسهم أم كلثوم، وقد تطورت العلاقة بينهما إلى صداقة وطيدة .لقد شكلت الهدية التي قدمها الملك الراحل الحسن الثاني لكوكب الشرق، في عيد الأضحى سنة 1968، حينما أحيث في المغرب ثلاثه حفلات غنائية، الأثر الكبير في قلب ” الست ” ،ويتعلق الأمر بخروفين ،وهي القصة التي يرويها الوزير والدبلوماسي أحمد السنوسي ،حيث زارت أم كلثوم المغرب في إطار الاحتفالات بالذكرى الأربعين لميلاد الملك الراحل الحسن الثاني،كما وجهت الدعوة لعدد من الفنانين المشهورين في العالم العربي من بينهم محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وآخرين.
يقول أحمد السنوسي إنه رأى أنه سيكون من المفيد بث جميع الحفلات الفنية على شاشة التلفزيون، لا سيما ان البث التلفزيوني في المغرب كان حديث العهد 1962.
لكن كان معروفاً أن “كوكب الشرق” لا تقبل تصوير حفلاتها الفنية، ولهذا الأمر أبلغ الراحل أحمد السنوسي السنوسي، الملك الحسن الثاني أن أم كلثوم ستحيي ثلاث حفلات في المسرح سيحضرها 4500 شخص. وفهم الملك من ذلك، أنه لا يُعقل أن يتم إحضار أم كلثوم إلى المغرب ليسمعها فقط أقل من خمسة آلاف شخص.
ويضبق السنوسي أنه صادف وجود أم كلثوم في المغرب الاحتفال بعيد الأضحى، فأرسل لها الملك الحسن الثاني خروفين، وكانت تقيم في فندق “هيلتون” (سوفيتيل حالياً) الذي كان مداراً آنذاك من قبل شركة أميركية.
قال السنوسي للملك الحسن الثاني، إنه إذا جرى ذبح الخروفين في الفندق، قد ينزعج مسيروه الأميركيون، لاسيما وأن الفندق كان يقيم فيه حوالي 100 سائح أميركي. عندئذٍ، أمر الملك السنوسي بالاتصال بمحافظ الرباط المهدي بن بوشتى لإحضار سيارة من نوع “جيب” لحمل الخروفين والذهاب بهما إلى حي العكاري الشعبي في الرباط، وطرق باب أول منزل يصادفهم، وإخبار أهله بأن ضيفة الملك جاءت للاحتفال بالعيد معهم.
في حي العكاري، يقول السنوسي: “طرقنا أول منزل صادفنا”. كان صاحبه مساعد خدمة في وزارة الأشغال العمومية، وسأل: “هل تبحثون عن أحد؟” فردّ عليه السنوسي: “لا، نحن جئنا بأمر من جلالة الملك، ومعنا ضيفة جلالته لتحتفل معكم بالعيد”. فالتفت الرجل إلى الضيفة وقال: “والله إنها تشبه أم كلثوم”. فقال السنوسي له: “إنها أم كلثوم بدمها ولحمها”. عندئذٍ عمّت الفرحة وجه الرجل، وطلب من الجميع الدخول إلى المنزل، واحتفى وعائلته بالضيفة احتفاءً كبيراً رغم تواضع إمكانياتهم المادية.
جرى ذبح الخروفين، وقدمت أسياخ اللحم المشوي والحلويات والشاي الأخضر لأم كلثوم، التي كانت في حالة انبهار وتأثر بكرم أهل المنزل وترحيبهم الكبير بها.
ويروي السنوسي أنه عندما حان وقت مغادرة المنزل، سحبت صاحبة المنزل سواراً ذهبياً من معصمها وترجّت أم كلثوم أن تقبله هدية، عرفاناً بتكريم الملك الحسن الثاني لهم.
في تلك اللحظة، كما جاء في جريدة” النهار العربي” في مقال كتبه الزميل حاتم البطيوي، بدأت أم كلثوم تبكي تأثراً. وحين خرجت من المنزل، قالت للسنوسي: “أرجوك، سي أحمد، كيف يمكنني أن أردّ هذا الكرم الذي خصني به المغاربة؟” فرد عليها: “إذا كنتِ تريدين أن تردّي على كرم المغاربة، يجب أن تتركينا نصوّر حفلاتك ونبثها على التلفزيون”.
فكان جواب كوكب الشرق: “سي أحمد، أنا امرأة مسنّة ولا أريد أن أظهر كبر سني في التلفزيون، لأن الجمهور تعود على رؤيتي من بعيد في المسرح، وأنتم ستظهرونني من قرب على شاشة التلفزيون”.
رافق أم كلثوم إلى المغرب أحد أبناء أخيها، فقال لها أحمد السنوسي: “سيظل قريبك في قاعة الإخراج ليختار الصور التي يمكن أن تُبث”. وهذا ما تم بالفعل.
بعد انتهاء حفلاتها، استقبلها الملك الحسن الثاني في مراكش واحتفى بها، مثلما احتفى بها باقي أفراد العائلة الملكية.
حكاية دعم المجهود الحربي الذي قامت به أم كلثوم بعد هزيمة 1967، سردها الباحث المصري كريم جمال في مؤلفه«أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي»، حيث تتبع ورصد الخطوات التي قامت بها كوكب الشرق في أعقاب هزيمة يونيو 1967، والحفلات التي أقامتها بغرض جمع التبرعات لإعادة بناء الجيش المصري، ما بين عامي 1967 و1972.
لقد كان ابن شقيقتها المهندس محمد الدسوقي الذي حضر معها في هذه الزيارة ،ينوب عنها في ضبط مواعيد وأمكنة حفلاتها. حيث تم الاتفاق على إقامة ثلاث حفلات بمسرح محمد الخامس، بالرباط، وحسب تعليمات أم كلثوم فإنه تم منع منح دعوات خاصة لكبار المسؤولين حيث سيكون الشباك وحده طريق المرور إلى السهرة، على اعتبار أن الهدف من الحفلات جمع الأموال لدعم المجهود الحربي للقوات المسلحة المصرية.
استاءت أم كلثوم من تفاوت أسعار التذاكر، وحصل ما لا يشتهيه ذوو الدخل البسيط والمتوسط، فقد حددت أثمان التذاكر تبعا للقرب أو البعد من ركح المسرح، وتراوحت أسعارها ما بين 30 و50 درهما. وحسب تصريح لأحد أعضاء لجنة التنظيم فإن تكلفة زيارة أم كلثوم وطاقمها للمغرب تجاوز عائدات بيع التذاكر.
ويروى عن ابن شقيقتها محمد الدسوقي، أن التلفزيون المغربي أنقد الموقف حين تعاقد مع المنظمين على نقل حفلات أم كلثوم على الهواء مباشرة مقابل ستين ألف درهم للحفل الواحد، وكان شراء حقوق نقل سهرة أول عملية تجارية بين التلفزيون المغربي وفنان، وهو ما مكن الأسر المغربية إلى الجلوس حول التلفزيون أثناء نقله لحفلات أم كلثوم.
ومن أجل الحرص على راحة أم كلثوم، عين الملك الحسن الثاني، الدبلوماسي بنونة مرافقا لها، حيث يقول في ندوة نظمتها جمعية تطاون للموسيقى سنة 2015، بمناسبة مرور أربعين سنة على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، إنه كان آنذاك مسؤولا في الإذاعة والتلفزةالمغربية ،وقد كلفه الملك الحسن الثاني رفقة زوجته بمرافقة السيدة في كل تجوالها، وقد أحيت سهرتين بمسرح محمد الخامس كما نظم على شرفها حفل عشاء بمنزل المهدي بنونة. ثم قامت بزيارة للدار البيضاء كما زارت فاس ومراكش، وأقامت سهرة خاصة لصاحب الجلالة حضرتها العائلة الملكية وشاهدت يومها سيدنا رحمه الله يقول، كيف فرح بها كثيرا وأعطاها هدايا». وأضاف أبو بكر بأنه في نهاية الحفل قالت له كوكب الشرق: «هذه أول مرة أقيم فيها حفلا لملك عربي».
وكشف أبو بكر أن الملك الحسن الثاني ظل يتابع تحركات أم كلثوم ويطالب بمنحها كل الاهتمام ولفها برداء الضيافة المغربية وتمكينها من التعرف على الصناعة التقليدية، لذا كلف بنونة زوجته بالإشراف على مجوهرات أم كلثوم وتعريفها بالقفطان المغربي ورافقتها في زياراتها لمختلف المدن المغربية.
وقد حرص المنظمون على أن يكون أول ظهور لأم كلثوم في مسرح محمد الخامس، بقفطان مغربي، فتكلفت زوجة بنونة بخياطة فستان خاص للمطربة المصرية فظهرت به في الحفل الأول الذي أقيم يوم الإثنين 4 مارس.
ويروي المتحدث أن زيارة أم كلثوم للمغرب صادفت الاحتفال بعيد الأضحى، حيث أهداها الملك الحسن الثاني كبش العيد، إلا أن «الست» أصرت على نحره في بيت أسرة فقيرة بالرباط. في يوم الأحد 10 مارس 1968 حل عيد الأضحى، كانت المرة الوحيدة التي أمضت فيها أم كلثوم العيد بعيدا عن مصر وعن أجواء العيد في القاهرة.
يقول الباحث المصري كريم جمال: «في التفاتة كريمة من الملك الحسن الثاني أهدى لأم كلثوم كبش العيد حتى تضحي مع المغاربة تماما كما كانت تفعل في القاهرة وحتى لا تحس بغربة العيد في المغرب، شكرت أم كلثوم الملك على مبادرته الكريمة لكنها أعلنت عن رغبتها في نحر الأضحية في بيت أسرة مغربية فقيرة، وكانت الأسرة السعيدة التي وقع عليها الاختيار هي أسرة عبد الفتاح الناصري وهو سائق في عمالة الرباط سلا، أب لطفلين وقضى في عمله 35 سنة خدمة». وحسب مقربين من السائق فإن وجوده ضمن فريق السائقين الموضوعين رهن إشارة ضيفة المغرب جعل الكبش من نصيبه.
حلت أم كلثوم ببيت الرباطي المحظوظ وسط فرحة عارمة وبهجة الأطفال وزغاريد النساء وحضرت مراسيم نحر الأضحية، ثم توجهت إلى بيت الموسيقار أحمد البيضاوي الذي استقبلها وأعضاء فرقتها ليشاركهم فرحة العيد، بعدها توجهت إلى بيت حسن فهمي عبد المجيد سفير مصر المعتمد بالرباط وتناولت هناك الأطباق المصرية الأصيلة التي تعد في مثل هذه المناسبات.
الموسيقار عبدالواحد التطواني هو الآخر استحضر هذه اللحظة في إحدى الحلقات التي نشرتها جريدة الاتحاد الاشتراكي في إطار مواكبة سيرته الفنية، وكان لي الشرف أن أقابله من أجل ذلك.
يقول الموسيقار عبدالواحد التطواني، جاءت أم
كلثوم لأجل جمع المال للمجهود الحربي في عز الصراع العربي الإسرائيلي، وقدمت من أجل ذلك سهرات عامة وخاصة، وكان الملك الحسن الثاني متواجدا بمدينة مراكش، فقام باستدعائها للقصر الملكي، وكان الجوق الملكي حاضرا مع الجوق الوطني في هذا اليوم، وبينما كورال الجوق الوطني يردد ” أغنية يارسول خذ بيدي “، قامت الراحلة أم كلثوم من مكانها الذي خصصه لها الملك ،واتجهت نحو الجوق ومسكت ب” الميكروفون ” وبدأت في ارتجال أشعار في مدح الرسول تتناسب مع لحن الراحل صلاح الشرقي، وحينما تنتهي هي من ارتجال الأشعار ،يعود الكورال في ترديد اللازمة ” يارسول الله خذ بيدي ” ،فتوجهت إلى الكورال وكنت سعيدا منتشيا وأنا أردد من ورائها، يارسول الله خذ بيدي “.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 21/09/2024