المناهج التربوية ودورها في بناء شخصية التلميذ

 

لا شك أن المؤسسات التربوية تعمل على رفع مستوى وكفاءة ومهارة التلاميذ، لذا فهناك ضرورة كبيرة إلى إنشاء علاقة تفاعلية بين هذه المؤسسات ومجتمعها المحلي لضمان عدم حصول تقاطع مع ثقافته وعاداته ومعتقداته لما قد يسببه ذلك من أزمات قد تفشل العمل التربوي وتؤدي إلى فشل المناهج التربوية، لهذا على المؤسسات التربوية أن تعمل على معالجة مواطن الضعف والقصور بضمان دعم المجتمع المحلي لجهود أسرة التربية والتعليم وتحقيق التطور المنشود .
يجب أن يتم إعداد المناهج التربوية والكتب المدرسية بعناية كبيرة وفق استراتيجية واضحة لتتلاءم مع حاجات الإنسان والمجتمع.
إن المنهاج التربوي يعني ما يمكن أن تقدمه المدرسة وتعمل على ترسيخه من قيم نبيلة ومعارف ومهارات للتلاميذ لمساعدتهم على بناء شخصيتهم التربوية بشكل سليم يؤهلهم ليكونوا في مستوى المسؤولية في المستقبل.
ان بناء المنهاج التربوي الصالح والسليم ليس بخطوة تقنية عملية وإجرائية فقط بل هي مسألة بناء وإصلاح كبيرة وصعبة ومعقدة، يجب أين يتم التحاور والتداول بعملية بناء المنهاج بأسلوب شامل سياسي وسوسيو ثقافي. وهنا يتوجب أن تدخل في صياغة المنهاج التربوي القيم الأخلاقية والمبادئ مع استيعاب رؤى الأحزاب والتنظيمات النقابية والمؤسسات الإنتاجية، بمعنى ٱخر يجب إشراك في إعداد المنهاج كل المؤثرات على سياسة البلاد واقتصادها إضافة إلى الانتباه لطبيعة شخصية التلميذ، نفسيا وثقافيا واجتماعيا، في تصميم وهيكلة وبناء وتطور المنهاج.
إن عملية بناء المنهاج التربوي هي عملية حية ومتواصلة التفاعل مع الظروف والأحداث الداخلية والخارجية، كما أن عملية بناء المنهاج هي عملية متغيرة وفقا للمستجدات.
إن الضعف والقصور في مناهجنا التربوية سيؤديان حتما إلى تبديد وقت التعلم وهدر الأموال وضعف بالمخرجات، ومن بين عوامل ضعف المناهج التربوية مشكلة الجمود وعدم مسايرة المستجدات والواقع الداخلي.
إن التلميذ لا يتأثر بما يتعلمه بقاعة الدرس فقط ولا يتأثر بالمنهاج التربوي المنفذ فقط وإنما يتأثر، بشكل أكبر، بأساتذته التربويين وأفعالهم وسلوكهم وأخلاقهم داخل وخارج المؤسسة التعليمية، كما يتأثر التلميذ ويتفاعل سلبا أو إيجابا بالعواطف التي ترافق سلوك وأداء مدرسيه في قاعة الدرس، وهذا ما يفرض على وزارة التربية الوطنية العمل على تأهيل الموارد البشرية لتكون منسجمة مع الرؤية الاستراتيجية ومع تقرير المشروع التنموي الجديد.
إن المنهاج التربوي لا يمكن أن يكون وحده هو الحل الإصلاحي بل يجب أن يرفقه إصلاح قيمي وثقافي مجتمعي أيضا وتوجه إعلامي كبير لغرض رفع المستوى الفكري والثقافي وزيادة الوعي للمجتمع ودفعه بالاتجاه الصحيح لتقديس قيم التسامح ونبذ العنف والكراهية والسوء، وهنا يبرز دور المؤسسات التربوية والثقافية والأندية التربوية ودور الشباب في المساهمة الفعالة في ترسيخ القيم التربوية النبيلة والصالحة ليتكامل دورهم مع دور المؤسسات التعليمية، إضافة إلى المنهاج التربوي وٱلية تنزيله على أرض الواقع؛ يأتي دور ٱخر هو  دور بناء شخصية التلميذ وذلك بالتركيز على الأنشطة المدرسية لتفعيل دوره في الحياة المدرسية وتعزيز ثقته بنفسه.
إن وزارة التربية الوطنية لا تتحمل لوحدها المسؤولية الإصلاحية، ولغرض تهيئة المنهاج التربوي بشكل سليم وصحيح، نحن بحاجة اليوم إلى وقفة تأمل وتفكير لوضع حجر الأساس في محله الصحيح وعدم التسرع في اتخاذ القرارات الارتجالية والانفرادية، ينبغي دراسة ومناقشة مضامين المشروع التنموي الجديد والرؤية الاستراتيجية بجدية وتأمل وتبصر مع الانفتاح على مناهج بعض الدول الرائدة في مجال التعليم لغرض وضع منهاج تربوي متكامل يهدف إلى بناء شخصية المتعلم. كما نحن بحاجة اليوم ليس إلى مؤسسات لها رأي ارتجالي وقرار سريع وإنما بحاجة إلى مفكرين ومبدعين لديهم القدرة الحقيقية على نسج وبناء مناهج تربوية صالحة تحقق الغايات المرجوة منها وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى تهديد مستقبل جيل كامل…
إن أهم خطوة باتجاه إصلاح واقع التعليم ببلادنا يجب أن تنطلق من توفر إرادة الإصلاح لدى الجهات المعنية بقطاع التعليم والقناعة التامة بأن التعليم بحاجة إلى عمليات إصلاح شاملة وعلى جميع مستوياته ومكوناته حتى يتمكن من أداء الدور المنوط به في التنمية والمساهمة في بناء مجتمع المعرفة. فالتعليم إذا توقف، توقف النمو وتوقفت القدرة على القيادة والتوجيه.
علينا أن نعمل على تمهين التعليم وجعله عملية إبداعية تفاعلية وليس تلقينية، وعلى إصلاح أنظمة الامتحانات الإشهادية ودمقرطة أجواء الحياة المدرسية والفصل الدراسي . فمدارسنا ينبغي أن تكون أدوات تغيير وتجديد وبناء التزامات وطنية إنسانية وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال عملية تفاعل إبداعي بين التلميذ وأستاذه.

(*)باحث تربوي


الكاتب : خليل البخاري(*)

  

بتاريخ : 04/11/2021