الحق في العلاج والرعاية الصحية يعتبر من الحقوق الأساسية التي تضمن الحق في صحة جيدةلكل المواطنات والمواطنين، وهذا ما يدفعنا لتسليط الضوء في بداية هذا المقال على الواقع والتحديات التي تواجه المنظومة الصحية الوطنية. سنناقش أيضًا مطالب النقابات المهنية على ضوء مخرجات الحوار الاجتماعي ل 25 يناير 2024، وذلك في ظل الاضرابات والتوترات والاحتقانات الحالية التي يشهدها القطاع، مع التأكيد على الحاجة الماسة لوجود حوار فعّال وبنّاء بين الوزارة المعنية والنقابات المهنية.
دور قطاع الصحة في تحقيق التنمية المستدامة بالمغرب
يعد قطاع الصحة في المغرب مكونًا حيويًا في نموذج التنمية المستدامة، لا سيما ضمن مخطط النموذج التنموي الجديد الذي يستهدف تأسيس دولة اجتماعية تركز على التغطية الصحية الشاملة وتكافؤ الفرص. في هذا الإطار، تندرج الجهود المبذولة نحو تحقيق التنمية البشرية المستدامة وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان توفير الخدمات الصحية بشكل عادل لجميع المواطنين في المدن والقرى. ووفقًا للمنظمة العالمية للصحة، تُعتبر الصحة ليست فقط حقًا من حقوق الإنسان بل أيضًا عنصرًا أساسيًا يساهم في الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بأكمله. من هذا المنطلق، يعتبر الاستثمار في الصحة يُعتبر استثمارًا في رأس المال البشري الذي يعزز الإنتاجية ويدعم النمو الاقتصادي المستدام.
بالنسبة للمغرب، يبدو أن الحكومة تواجه تحديات كبيرة في تطوير وتحديث البنية التحتية الصحية والخدمات، وتعزيز السياسات الداعمة للاستثمار في قطاع الصحة لتحفيز النمو وتحسين الحالة الصحية للمواطنين. كما أن تأخر الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المنتظرة بموجب القانون الإطار رقم 06/2022 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية يؤشرإلى عدم قدرة الحكومة على الأقل لحد الآن على أجرأةتوجيهات الخطاب الملكي الذي دعا إلى تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لأكثر من 22 مليون مواطن مغربي.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحكومة لا تبذل الجهود الكافية ولا تحقق التنسيق المطلوب بين القطاعات والوزارات المختلفة، وهو أمر ضروري لضمان استجابة شاملة للتحديات الصحية، علاوة على وجود نقص في تجميع الجهود والتنسيق بين المتدخلين لتحسين الحالة الصحية للمواطنين، مما يؤدي إلى تقليل القدرة العامة للنظام الصحي على التعامل مع الطوارئ والأزمات بفعالية.
على الرغم من الأهمية الحيوية لقطاع الصحة، فإن تحليل الميزانيات يكشف عن تفاوت كبير في الاستثمارات بالمقارنة مع قطاعات اجتماعية أخرى. خلال العام الماضي، بلغت ميزانية وزارة الصحة حوالي 20 مليار درهم، في حين أن ميزانيات التعليم والإسكان تجاوزت 75 مليار درهم. هذه الأرقام تعكس فجوة واضحة في الأولويات، حيث تُظهر زيادة متواضعة في ميزانية الصحة بنسبة 5% من العام السابق، مقابل زيادة 10% في ميزانية التعليم. هذا التوزيع يعبر عن عدم إيلاء قطاع الصحة الأولوية التي يستحقها، رغم حاجته الملحة لتحسينات في الخدمات والبنية التحتية.
وبخصوص ميزانية وزارة الصحة لعام 2024، التي بلغت 30.7 مليار درهم، فهيتعكس زيادة قدرها 9.1% عن العام السابق. وعلى الرغم من هذه الزيادة، فإن نمو ميزانية قطاع الصحة يظل محدوداً نسبياً ولا يتماشى مع الأهمية الإستراتيجية للقطاع والحاجة الملحة لمواجهة التحديات الصحية الكبرى، علما أن الهدف من هذه الزيادة هو تعزيز برامج المنظومة الصحية الوطنية، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ملحة لمزيد من الاستثمارات لضمان تحسين صحة ورفاهية السكان بشكل فعال.
توفير التمويل اللازم لتنفيذ الإصلاحات يمثل تحديًا كبيرًا، خصوصًا في ظل الحاجة المتزايدة إلى ميزانيات أكبر لتحسين الرواتب وتطوير البنية التحتية، وكذلك لتوفير المعدات الطبية وبرامج التدريب للأطباء والممرضين والتقنيين والاداريين. ويتطلب مثل هذا الأمر التزاماً حكومياً مستمراً وربما دعماً من شركاء التنمية لمواكبة النمو المطلوب في هذا القطاع الحيوي.
استقراء الوضع الحالي ورصد التحديات الأساسية للمنظومة الصحية الوطنية
تعتبر المنظومة الصحية في المغرب إحدى الركائز الأساسية لتنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية. لكن رغم الجهود المبذولة من قبل الدولة لتحسين وتطوير هذا القطاع، يلاحظأن هناك العديد من التحديات التي لا تزال تواجهه وتحد من فعاليته وكفاءته، وفيما يلي نظرة عامة على الوضع الحالي وأبرز التحديات التي تواجه النظام الصحي في الوقت الراهن.
تعد المنظومة الصحية في المغرب خليطاً من القطاعات العمومية والخاصة التي تقدم خدمات متنوعة للمواطنين. يضمن القطاع العام توفير الرعاية الصحية الأساسية عبر المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد. في المقابل، يسهم القطاع الخاص في تقديم خدمات طبية متقدمة ومختصة، إلا أن تكلفتها تكون غالباً مرتفعة ولا يستطيع الجميع تحملها.
ووفقًا للإحصائيات الرسمية، يعاني النظام الصحي من عدة مشاكل هيكلية تؤثر على جودة الخدمات الصحية للمواطنين. من بين هذه المشاكل، النقص الكبير في الموارد البشرية المؤهلة، حيث لا يزال هناك نقص كبير في عدد الأطباء والممرضين مقارنة بالحاجة الفعلية. فهناك حوالي 7 أطباء لكل 10,000 نسمة، بينما توصي منظمة الصحة العالميةأن يكون هناك 23 طبيبًا لكل 10000نسمة بالإضافة إلى ذلك، تعاني البنية التحتية الصحية من تقادم وعدم توفر المعدات الطبية الحديثة بشكل كافٍ في العديد من المناطق، خصوصاً النائية منها. يبلغ عدد الأسرة في المستشفيات حوالي 10 أسرّة لكل 10,000 نسمة، مما يعكس ضعف القدرة الاستيعابية للمستشفيات. بالنسبة للتغطية من حيث الممرضون وتقنيو الصحة فهي تتراوح حول 0.7 لكلالفنسمة و كذا ممرض واحد لكل 13 سرير استشفائي
ومما يزيد منتفاقم هذه المشاكل،غلاء الأدوية والمستلزمات الطبية وغياب وضعف الوصول إلى العلاج ، وضعف التحكم في دائرة التسويق نتيجة خوصصة مجال صناعة وتوزيع الأدوية، وهو الأمر الذي يحول دون حصول العديدمن المواطنين على المادة الحيوية للعلاج.
كما يعاني النظام الصحي من نقص حاد في عدد الأطباء والممرضين، ما يؤثر سلباً على جودة الرعاية الصحية ويزيد من فترة انتظار المرضى للحصول على العلاج. يقدر العجز في عدد الأطباء بحوالي 32,000 طبيب، بينما العجز في عدد الممرضين يصل إلى 65,000 ممرض.
وتتسم العديد من المستشفيات والمراكز الصحية بتقادم البنية التحتية ونقص التجهيزات والمعدات الطبية الحديثة، مما يؤثر على القدرة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين. تقدر نسبة التجهيزات الطبية غير الحديثة بحوالي 40% من إجمالي التجهيزات المتوفرة.
ويسجل أيضا ان هناك تباين كبير في مستوى الخدمات الصحية بين المدن الكبرى والمناطق القروية والنائية، حيث يعاني سكان هذه المناطق من صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية الأساسية والمتخصصة، حيث يمثل عدد المراكز الصحية في المناطق القروية حوالي 20% من إجمالي المراكز الصحية في البلاد، مما يعكس التفاوت الكبير في توزيع الخدمات الصحية.
ويواجه النظام الصحي تحديات متعلقة بتمويل الخدمات الصحية واستدامتها، حيث يعتمد النظام بشكل كبير على الميزانية الحكومية التي قد تكون غير كافية لتغطية كافة الاحتياجات الصحية للمواطنين.ويجدر التذكير في هذا الخصوص بأنالإنفاق الصحي العام بلغ حوالي 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 9.8%.
من جهة أخرى، يحتاج النظام الصحي إلى تحسين في جوانب الحكامة والتدبير والإدارة لضمان فعالية وكفاءة تقديم الخدمات الصحية، حيث تعاني بعض المؤسسات الصحية من ضعف في التنظيم والإدارة.
من جانب آخر، يشكل نقص الكوادر الطبية واطر هيئة الممرضين و تقنيي الصحةتحدياً بارزاً؛ إذ يوجد عجز حاد في عدد الأطباء والممرضين، خاصة في المناطق القروية والنائية، مما يضع ضغوطاً كبيرة على العاملين في هذا القطاع ويؤثر سلباً على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى. بالإضافة إلى ذلك، تتمركز الخدمات الطبية المتخصصة بشكل أساسي في المدن الكبرى، مما يترك المناطق الأقل حظاً دون الحصول على الرعاية الكافية والمتخصصة، وهذا يزيد من التفاوت الجغرافي في جودة الخدمات الصحية المقدمة.
النظام الصحي في المغرب يواجه تحديات مالية وتمويلية كبيرة، حيث يؤثر التمويل غير الكافي على قدرة النظام على تحديث البنية التحتية، توظيف المزيد من الأطباء والممرضين، وشراء المعدات الطبية الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغطية الصحية غير الشاملة تترك الكثير من السكان بدون حماية مالية في حالات المرض، مما يزيد من العبء المالي على الأفراد.
من ناحية أخرى، تظهر تحديات جدية في جودة وسلامة الرعاية الصحية، حيث تؤدي الأخطاء الطبية ونقص الخدمات إلى عرقلة جهود تحسين الرعاية. الاستثمار المحدود في البحث الطبي والابتكار يقلل من قدرة المغرب على تطوير حلول جديدة للتحديات الصحية المتنامية.
وتنضاف إلى ذلك التحديات التشريعية والسياسية التي تسهم في توسيع الفجوة بين السياسات الصحية الموضوعة وفعالية تنفيذها، مما يؤثر سلبًا على النتائج الصحية للسكان، ومما يستوجبإجراء إصلاحات سياسية وتشريعية لتحديث القوانين وتحسين الإدارة والفعالية في القطاع الصحي.
في هذا السياق، يطرح السؤال حول ما إذا كانت الإصلاحات والمبادرات الجديدة كافية لدفع المغرب نحو تحسين نظامه الصحي وضمان تقديم رعاية صحية عالية الجودة ومتاحة لجميع المواطنين. الجهود المبذولة في هذا الاتجاه ستحدد مدى قدرة المغرب على التغلب على هذه التحديات الكبيرة وتحقيق تطلعاته في مجال الرعاية الصحية.
من خلال هذا التشخيص المبدئي للوضع الصحي في المغرب، يتضح أن هناك حاجة ملحة لإصلاحات شاملة ومستدامة تهدف إلى تعزيز قدرات النظام الصحي وتجاوز التحديات الحالية لضمان تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية لكافة المواطنين.
النصوص الدستورية التي تؤطر المنظومة الصحية في المغرب
دستور المغرب لعام 2011 يضع إطارًا تشريعيًا قويًا يضمن حقوق الصحة كجزء من الحقوق الأساسية للمواطنين، مؤكدًا على حق الحياة والأمان الشخصي واعتبار الصحة حقًا أساسيًا. ويلزم الدستور السلطات العامة بتوفير الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وحماية البيئة الصحية، مع التأكيد على مبادئ المساواة وعدم التمييز والتكافؤ بين الجنسين في الحصول على الخدمات الصحية.
الفصل 31 يشدد على التزام الدولة والمؤسسات العمومية بتسهيل وصول جميع المواطنين بالتساوي إلى الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية. بينما يركز الفصل 34 على وضع سياسات لرعاية الفئات الهشة والأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والمصابين بأمراض مزمنة. أما الفصل 154 فينص على المساواة في الوصول إلى المرافق العامة والتغطية الجغرافية المتكافئة.
هذه الأحكام توفر أساسًا متينًا للمغرب لتحقيق نظام صحي منصف وفعال يلبي احتياجات جميع المواطنين، مما من شأنه أن يساهم في تحسين الظروف المعيشية وتعزيز التنمية المستدامة
خلاصة القول،يمكن القول أنالنظام الصحي في المغرب يواجه تحديات كبيرة ومتنوعة، التي تم تحديدها في تشخيص الوضع الصحي. وبشكل أكثر تحديدا، يعاني النظامالصحي من نقص في البنية التحتية والموارد البشرية، مع وجود تباينات جغرافية واضحة في توزيع الخدمات الصحية. هذا النقص يظهر بوضوح في عدم توفر أسرة كافية بالمستشفيات والتوزيع غير الكافي للأطباء والممرضين والاطر الادارية، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية أكثر صعوبة، خصوصًا في المناطق القروية.
كذلك، يتحمل المواطنون جزءًا كبيرًا من التكاليف الصحية، ما يشير إلى نقص في التغطية الصحية والحماية المالية، ويزيد من الصعوبات المتعلقة بالحصول على تأمين صحي ملائم.وهو أمر يستوجبزيادة الاستثمارات في التكنولوجيا والأنظمة المعلوماتية الصحية واضحة، حيث يمكن لهذه التحسينات أن تساهم في إدارة الموارد بشكل أفضل وتقديم رعاية صحية أكثر فعالية.
أمام هذه التحديات، يكتسب القانون الإطار للمنظومة الصحية الوطنية والتشريعات المرافقة له أهمية كبرى في محاولة لتصحيح هذه النواقص. الاعتماد على هذه الإصلاحات يمثل رهانًا حيويًا لتطوير نظام صحي أكثر كفاءة وشمولية، شريطة مواصلة بذل جهود مستمرة للتغلب على العقبات الحالية وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة لكل المواطنين.
المرتكزات الاساسية لإصلاح المنظومة الصحية الوطنية
إصلاح المنظومة الصحية في المغرب يعتمد على مجموعة من المرتكزات الأساسية التي تهدف إلى تحقيق نظام صحي شامل وفعّال. يشمل هذا التحديث التركيز على تحسين الحكامة الجيدة والرفع من العرض الصحي، بالإضافة إلى تثمين الموارد البشرية والمالية وتطبيق النظم المعلوماتية والرقمنة لتطوير قدرات النظام الصحي.
من بين الإصلاحات الرئيسية، تم إنشاء الهيئة العليا للتقنين، التي تعمل على ضمان التنظيم الجيد والشفافية، من خلال تطوير معايير الجودة ومراقبة وتقييم أداء المرافق الصحية، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد. كما تم تأسيس المجموعات الصحية الترابية التي تعزز اللامركزية وتوفر خدمات صحية متكاملة في مختلف المناطق، مما يساعد على ضمان توزيع عادل ومتساوي للخدمات الصحية.
إضافة إلى ذلك، تم إحداث وكالة الأدوية والمنتجات الصحية لضمان جودة وسلامة الأدوية والمنتجات الصحية المتوفرة في السوق، ووكالة الدم ومشتقاته لتنظيم وتنسيق جميع الأنشطة المتعلقة بجمع وتخزين وتوزيع الدم ومشتقاته، مما يضمن سلامة الدم وتوافره.
هذه الإصلاحات تهدف إلى بناء نظام صحي متكامل وشامل يلبي احتياجات جميع المواطنين ويعزز التنمية الصحية المستدامة في المغرب، ويعكس التزام الدولة بتحسين جودة الخدمات الصحية وضمان توزيعها العادل وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد الصحية.
لكن ورغم السقف الطموح الذي حددته السلطات المعنية في مجال إصلاح المنظومة الصحية في المغرب،فإنه لا زاليواجه عدة تحديات تتعلق ببطء التنفيذ وغياب الحوار الفعال مع المعنيين. ويعتبر تأخر تنزيل الإصلاحات المقترحةأحد أبرز هذه التحديات، مما يعيق تحقيق الأهداف المرجوة من تحسين الخدمات الصحية.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز غياب الحوار والتواصل المنظم مع المؤسسات والمجتمع المدني والمواطنين كعائق كبير، إذ هناك حاجة ماسة لشرح فحوى الإصلاحات بشكل واضح وإشراك جميع الأطراف في عملية تنزيل المنظومة، لضمان فهم وتقبل التغييرات المطلوبة.
كما تظهر مشكلات في التواصل والتفاوض مع النقابات المهنية، حيث يبدو أن هناك تنصلًا من بعض النتائج التي توصلت إليها الوزارة والنقابات المهنية في حوارات سابقة. هذا يؤدي إلى تآكل الثقة ويزيد من صعوبة تنفيذ الإصلاحات بشكل موحد وفعال.
علاوة على ذلك، النصوص والتشريعات وحدها لا تكفي لضمان نجاح الإصلاحات إذا لم يتم تحفيز العاملين في القطاع الصحي بشكل كافٍ. من الضروري تحسين ظروف عملهم وتوفير الدعم والتقدير اللازمين لهم، حتى يمكنهم تقديم خدمات عالية الجودة بما يتناسب مع الطموحات الصحية للبلاد.
لتجاوز هذه العقبات، يجب على السلطات المعنية الرفع من منسوبالشفافية والمساءلة في إدارة النظام الصحي، وتعزيز المشاركة الجماعية في صياغة وتنفيذ السياسات الصحية، مما يعزز من مسار التنمية الصحية المستدامة في المغرب.
ونحن إذنسعى لفهم الدور الأساسي للوظيفة الصحية الذي أوجدته المنظومة الصحية في المغرب، والذي يُعتبر عنصرًا محوريًا في الاحتقان الحالي داخل القطاع الصحي، هذا التوتر يتجلى بوضوح في الوقفات الاحتجاجية والإضرابات المتكررة التي تشهدها الخدمات الصحية،لا يفوتنا أن نسجل عمق التحديات والإحباطات التي يواجهها العاملون في هذا المجال.
المنظومة الصحية، التي كان من المفترض أن تعمل على تحسين الرعاية الصحية وتوفيرها بشكل متساوٍ لجميع المواطنين، تواجه انتقادات بسبب عدم تلبيتها للتوقعات المرجوة. العاملون في القطاع الصحي يشعرون بأن الإصلاحات المطروحة لم تعالج القضايا الأساسية مثل نقص التمويل، ضعف البنية التحتية، التوزيع غير المتكافئ للموارد، وضعف الدعم للمهنيين الصحيين.
ومن شأن مثل هذا الوضع أنيؤدي إلى تدهور في جودة الخدمات المقدمة ويحبط المحاولات الرامية لتحقيق تحسين ملموس في النظام الصحي. الإضرابات والاحتجاجات التي ينظمها العاملون في القطاع الصحي هي تعبير عن عدم الرضا عن كيفية تنفيذ الإصلاحات وطلب لمزيد من التغييرات الجذرية التي يمكن أن تحسن من بيئة العمل وتضمن توفير رعاية صحية عالية الجودة للمواطنين.
لمعالجة هذه القضايا، من الضروري إعادة تقييم سياسات الصحة وإجراء حوار شامل يشمل جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى حلول تلبي احتياجات العاملين في القطاع والمرضى على حد سواء. من خلال مثل هذا النهج المتكامل فقط، يمكن للمغرب أن يأمل في تحقيق نظام صحي يلبي تطلعات مواطنيه.
الاحتقان القائم بين وزارة الصحة والنقابات المهنية على ضوء الإصلاحات المرتقبة للمنظومة الصحية الوطنية
يشهد القطاع الصحي في المغرب توتراً متزايداً بين وزارة الصحة والنقابات المهنية، وذلك في ظل الإصلاحات المرتقبة التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها لتحسين المنظومة الصحية الوطنية. هذا الاحتقان يعكس حجم التحديات والصعوبات التي تواجه الأطر الصحية في البلاد، حيث تبرز مطالب الأطباء والممرضين والتقنيينالمتعلقةبضرورة تحسين الأجور وظروف العمل كشرط أساسي لتحقيق إصلاح شامل وفعال للنظام الصحي. تأتي هذه المطالب في وقت حساس، مع إطلاق الحكومة مشاريع جديدة لتأهيل المراكز الاستشفائية وتعميم التأمين الصحي الإجباري، مما يضع الضغوط على كافة الأطراف المعنية للوصول إلى توافق يضمن تحسين الخدمات الصحية للمواطنين.
على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتحسين القطاع الصحي في المغرب، تظل الأطر الصحية تعاني من ضغوطات شديدة بسبب نقص في الموارد البشرية والتمويل، إلى جانب تحديات تتعلق بالبنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية. وقد أكد وزير الصحة، على أن نسبة الأطر الصحية الحالية لا تكفي، حيث تبلغ 1.7 لكل 1000 نسمة، مما يعد نقصاً حاداً يؤثر سلباً على جودة الرعاية الصحية المقدمة ويزيد العبء على العاملين في هذا القطاع.
المطالب الرئيسية للنقابات المهنية بقطاع الصحة
لقد تقدمت النقابات المهنية في القطاع الصحي بمجموعة من المطالب الهامة التي تهدف إلى تحسين ظروف العمل وتوفير بيئة أكثر أماناً وصحية للعاملين. تشمل هذه المطالب تحسين الرواتب لتتماشى مع التكاليف المعيشية المتزايدة، مما يعزز الحافز للعاملين لأداء أفضل ما لديهم. كما تشدد النقابات على ضرورة تحديث المعدات الطبية وتقديم برامج تدريبية مستمرة لرفع كفاءة العاملين، إضافة إلى الدعوة لإعادة تنظيم الوظيفة الصحية لتلبي احتياجات الشغيلة الصحية بشكل أفضل.
تصاعد التوتر بين النقابات الصحية ورئيس الحكومة: قرر التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، المكون من جميع النقابات الثمانية الممثلة لدى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التصعيد من خطواته النضالية، وقد أعلن التنسيق يوم الجمعة عن مجموعة من القرارات الجديدة التي من المتوقع أن تشل القطاع الصحي خلال شهر يوليو المقبل.
تشمل الإجراءات المعلنة مقاطعة الأطر الصحية بجميع فئاتها لتنفيذ كل البرامج الصحية بدءاً من 15 يوليو، ومقاطعة تقارير البرامج الصحية والوحدات المتنقلة والقوافل الطبية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الإجراءات مقاطعة برنامج العمليات الجراحية باستثناء الحالات المستعجلة، والفحوصات الطبية المتخصصة بالمستشفيات، وعمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة، وكل المداومات ذات الطابع الإداري المحض. كما تستمر الأطر الصحية في مقاطعة الحملات الصحية والتغطيات والاجتماعات مع الإدارة، وتنظيم إضرابات وطنية متتالية كل يوم ثلاثاء وأربعاء وخميس من كل أسبوع، حتى 18 يوليو، باستثناء أقسام الإنعاش والمستعجلات.
دعت النقابات الصحية كافة مهنيي الصحة لتنظيم مسيرة وطنية حاشدة في الرباط يوم الأربعاء 3 يوليو، انطلاقاً من باب الأحد باتجاه البرلمان. حملت النقابات الصحية الثمانية رئيس الحكومة مسؤولية الآثار السلبية على صحة المواطنين بسبب الاحتقان المستمر. وانتقدت النقابات صمت رئيس الحكومة وتجاهله لمطالب الشغيلة الصحية، واستنكرت عدم تقديره لمخرجات الحوار الاجتماعي القطاعي واتفاقاته الموقعة مع النقابات في 26 يناير 2024.
وبخصوص المطالب النقابية، يجب العمل على تعميم التخصيص وتقسيمه شقين: الأول مادي يتعلق بالزيادة في الأجور، والثاني اعتباري يركز على الحفاظ على صفة الموظف العمومي، ومركزية الأجور، ومكتسبات الوظيفة العمومية في الإصلاح القادم. كما تخص هذه المطالب توحيد أنظمة التقاعد للعاملين في المراكز الاستشفائية الجامعية، بحيث تشمل جميع المهنيين دون تخصيص فئة معينة، لتجاوز النظرة الفئوية السائدة في القطاع.
وللإشارة، فإن العديد منالالتزامات لا تتطلب ولو درهما واحدا من الخزينة العامة للمملكة ومع ذلك تنصلت الحكومة من التزامها مع النقابات المهنية لتنزيلها على أرض الواقع، كما توجد قائمة المطالبالمتوافقبشأنهاذات البعد الاعتباري لمهني الصحة كما وردت في محضراجتماعبينوزارةالصحةوالحمايةالاجتماعيةوالهيئاتالنقابيةالممثلةعلى مستوىقطاعالصحة بشأنوضعيةشغيلةالقطاع بتاريخ 26 يناير 2024. وفيما يلي جرد بهذه الالتزامات:
– الالتزام بالحفاظ على جميع الحقوق والمكتسبات لفائدة مهنيي الصحة في الوظيفة العمومية، مع إضافة مكتسبات جديدة في إطار الوظيفة الصحية، والتي تم التنصيص عليها بموجب القوانين المهيكلة للمنظومة الصحية، خلال إعداد وتنزيل النصوص التطبيقية لهذه القوانين وفق مقاربة تشاركية بعد التوافق مع الهيئات النقابية.
– تخويل القانون المتعلق بالوظيفة الصحية الحفاظ على صفة الموظف لمهنيي الصحة مع منحهم كافة الضمانات والحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور والنصوص التشريعية بها العمل، لا سيما النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بما في ذلك استمرارية تدبير مسارهم المهني والحفاظ على وضعياتهم الإدارية، مع إدراج هذه الضمانات ضمن النصوصالتشريعية والتنظيميةالجاري بها العمل مع توفرهم على مناصب مالية قارة
– أداء أجور مهنيي الصحة من الميزانية العامة للدولة – فصل نفقات الموظفين – طبقًا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع توفرهم على مناصب مالية قارة.
– الحفاظ على الوضعيات الإدارية الحالية المقررة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية: القيام بالوظيفة، الإلحاق، والتوقف المؤقت عن العمل (الاستيداع)، وذلك في إطار النصوصالتطبيقية لقانون الوظيفة الصحية
– الحفاظ على نفس النظام التأديبي والضمانات المكفولة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وسيتمالتنصيص عليه وتجويده في إطار النصوص التطبيقية المتخذة لتنزيل الوظيفة الصحية
– الاستفادة من جميع الرخص الإدارية الرخص لأسباب صحية، رخصة الولادة والكفالة والرضاعة، رخصة الأبوة،الرخص بدون أجر، الرخص الاستثنائية، التفرغ النقابي، وسيتم تخويلها في إطار النصوص التطبيقية المتخذة لتنزيلالوظيفة الصحية، مع إمكانية تجويدها في إطار خصوصية القطاع وطبيعة المهام
– إعداد مشروع المرسوم المتعلق بانتقالات مهنيي الصحة وفق مقاربة تشاركية مع توفير الضمانات وضمان منصبتعيين قار – منصب التعيين الحالي – مع إقرار تحفيزات متعلقة بتنفيذ البرنامج الطبي الجهوي وإقرار التوافق بشأنحركية مهنيي الصحة.
– الحفاظ على نفس التدابير المتعلقة بالانقطاع النهائي عن العمل، لاسيما تلك المرتبطة بالاستقالة المقبولة بصفةقانونية، الإعفاء، العزل، الإحالة على التقاعد والوفاة.
– اعتماد المباراة كآلية أساسية لتوظيف مهنيي الصحة.
– استفادة موظفي الإدارة المركزية من نفس الحقوق والمكتسبات الممنوحة للعاملين بالمجموعات الصحية الترابية،والوكالتين، والهيئة العليا للصحة، ومعهد باستور وذلك في إطار مراجعة مهامها والأنظمة الخاصة بها.
– تخويل تعويض خاص عن المهام المنجزة من طرف طلبة المعاهد العليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة داخلالمجموعات الصحية الترابية.
– إخراج الهيئة الوطنية أو الهيئات الوطنية للممرضين وتقني الصحة في إطار تنزيل إعادة هيكلة المنظومة الصحيةالوطنية.
– إخراج الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات ومصنف الأعمال قبل متم سنة 202
واعتبارا للتلكؤ الذي طبع عمل الحكومة في التعامل مع هذه الالتزامات، اعتبرت النقابات أن رئيس الحكومة لم يفهم مغزى قرار المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه الملك محمد السادس، القاضي بإضافة مؤسسات تدبير الإصلاح المرتقب للمنظومة الصحية إلى لائحة المؤسسات العمومية الاستراتيجية وتعيين مسؤوليها في المجلس الوزاري. وسجلت النقابات التعامل بمكيالين مع مطالب الفئات ومحاولة رئيس الحكومة تمرير تصور ضيق يتعلق بزيادة الأجور، بدلاً من تنفيذ الاتفاق العام الموقع مع نقابات الصحة بعد مفاوضات طويلة.
في الخلاصة، الوضع في القطاع الصحي مرشح لمزيد من التصعيد خلال شهر يوليو المقبل مع دخول النقابات الصحية في إضرابات ومقاطعات متعددة، في ظل استمرار تجاهل الحكومة لمطالبها العادلة والمشروعة. المطلوب وباستعجال تدخل السلطات العليا في البلاد لإرجاع الحوار وتنفيذ مقتضياته وإيقاف الإضرابات والاعتصامات خدمة للصالح العام.
التحدي الأكبر يكمن في توفير التمويل اللازم لتنفيذ الإصلاحات، خاصة في ظل الحاجة إلى ميزانية كبيرة لتحسين الرواتب، وتطوير البنية التحتية، وتوفير المعدات والتدريب، كما أنالتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية يعد ضرورياً لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل متكامل وفعال، مع متابعة وتقييم تأثيرها لتحقيق الأهداف المرجوة.
في ظل هذا الاحتقان، تبقى مطالب الأطر الصحية بتحسين الأجور وتوفير ظروف عمل مواتية جزءاً أساسياً من الحوار المستمر بين الحكومة والنقابات المهنية. هذا يتطلب تعاوناً مستمراً للوصول إلى نظام صحي متكامل ومستدام يضمن تقديم خدمات صحية عالية الجودة لجميع المواطنين، ويعزز من فعالية وكفاءة الأطر الصحية في أداء مهامها.
وفي حالة التزام الحكومة بمخرجات الحوار الاجتماعي مع مهنيي الصحة، وهو أمر يكتسي طابع الاستعجال، سيبقى التحدي الأكبر امامها هو إيجاد حل لتوفير التمويلات الإضافية اللازمة لدعم المنظومة الصحية الوطنية في القانون المالي لسنة 2025.
* عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والاخلاقيات للحزب وعضو السكرتارية الوطنية للقطاع الصحي الاتحادي