المهارات الناعمة ومدى إدماجها في تكوين الأساتذة

 

أضحت المهارات الناعمة من أهم القدرات التي يجب على الفرد تعلمها وتطويرها، فهي أساسية لمواكبة التطور المهني الحالي، فحسب دراسة مشتركة قام بها معهد “ستانفورد” للأبحاث والدراسات ومركز “كارنيجي ميلون”، خلصت نتيجتها إلى أن النجاح في العمل على المدى البعيد، يعتمد على امتلاك الفرد 75% من المهارات الناعمة و25% من المهارات الصلبة.
فالمهارات الناعمة هي المهارات والقدرات التي تحدد سلوك وشكل العلاقات مع الآخرين، والنهج المتبع في الحياة والعمل، مثل مهارات التواصل، حل المشكلات، القدرة على اتخاذ القرارات، العمل الجماعي، القدرة على التفاوض والتفكير الإبداعي وغيرها الكثير، في حين أنّ المهارات الصلبة هي الخبرة والمؤهلات وكل ما يتعلق بالقدرات المعرفية لأداء مهام العمل مثل: مهارات استخدام الحواسيب، تحليل البيانات، الهندسة.
أصبح معيار التوظيف لا يقف فقط على المؤهلات والخبرات الفنية (المهارات الصلبة)، بل ارتكز في السنين الأخيرة على المهارات والسلوكيات التي تسمح للموظف بالانسجام مع زملائه الموظفين والتي تمكنه من اتخاذ القرارات الهامة وتسمح له باكتساب الاحترام وبناء علاقة مع الزملاء والعملاء، ما يؤدي إلى وجود بيئة عمل أفضل تتمتع بالتنوع والإبداع والابتكار (المهارات الناعمة). وقد شرعت الأنظمة التعليمية بتبني هذه المهارات في كل التكوينات والتخصصات. وخاصة تكوين الأساتذة الذي يشهد تطورا وتغيرا كبيرا بعدة دول متقدمة ونامية ككندا وماليزيا الرائدتان في هذا المجال، فضمها لبرنامج تكوين للأساتذة ببلادنا هو حتمي لمواكبة التقدم التقني والمعرفي لهذا العصر.
وحسب الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يأتي الرفع من جودة تكوين الأساتذة في مقدمة الأوليات الكفيلة للنهوض بأداء المدرسة، ويدعو القانون 17-51 إلى مراجعة مناهج تكوين الأساتذة وبرامجه، من أجل تأهيله وتنمية كفاءتهم، ومهاراتهم، بتكييف تلك المناهج والبرامج مع المستجدات البيداغوجية، والعلمية، والتكنولوجية (المادة 39).
في لقاء مع ابراهيم مزيان، أستاذ باحث في علوم التربية، أشار إلى أن المدارس العليا للأساتذة تتوفر على خيرة الأساتذة الباحثين بمجالاتهم، لكنها تعاني من نقص في الأساتذة الباحثين المتخصصين في تدريس علوم التربية والمهارات الناعمة. مضيفا أن هذا الفراغ وجب على الأطراف المعنية ملؤه بتوظيف أصحاب الاختصاص في المجالات المذكورة وهذا ما أكده مدير أحد المراكز الجهوية في تصريح نقله المجلس الأعلى للتربية وللتكوين والبحث العلمي في تقريره السنة الفارطة بعنوان مهنة الأستاذ، أن معظم مؤطري المراكز الجهوية هم دكاترة في تخصصات غير علوم التربية.
وبخصوص الوحدات المخصصة في تنمية هذه المهارات بشعب علوم التربية،قال الأستاذ مزيان إننا نسجل نقصا فيها، فاغلب وحدات البرنامج الحالي للإجازات في علوم التربية هي مهارات صلبة، ويبقى لمكون الأساتذة الذي يعلم بقيمة المهارات الناعمة وأهميتها لأساتذة الغد، أن يخصص حيزا زمنيا من حصته لتدريسها أو إعطاء نبذة عليها، علما أنها ليست من اختصاصه. وعلى الرغم من ذلك فتدريسها يحتاج للتحسيس بأهميتها.
وفي هذا الصدد، نسجل انخراط الجامعات في تنظيم ورشات ودورات تكوينية، كالتي نظمت في الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية لفائدة الأساتذة الباحثين الذين تم توظيفهم بجامعة مولاي اسماعيل في 29 من فبراير لهذه السنة، بهدف إكساب الأساتذة الباحثين حديثي التوظيف، مجموعة من الكفايات والمهارات الفنية والعملية ذات العلاقة بمهنة التدريس وبالممارسة البيداغوجية، مما يجعلهم قادرين على مواجهة مواقف الحياة المختلفة بصفة عامة، ومواقف المحيط المهني بصفة خاصة، والقدرة على التغلب على المشكلات، التي تواجههم في أداء مهامهم، والتعامل معها بحكمة ورزانة، فضلا عن الرقي بالأداء البيداغوجي للأستاذ الجامعي.
ونظمت أيضا المدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة القاضي بمراكش، يوما دراسيا وورشة تكوينية تطبيقية لفائدة طلبتها، في ديسمبر 2020، بعنوان “أية مهارات ذاتية وحياتية لمدرس(ة) الألفية الثالثة؟”. وشهدت هذه الندوة، مداخلات عدة لمحاضرين من شتى المجالات، كمداخلة الأخصائية في علم النفس العلاجي والعضو الفاعل في جمعية (‘’SEVE’’ Savoir être et vivre ensemble) ماري جان تروشو، أوضحت كيفية التعامل مع العواطف وتنمية الثقة في النفس، وحسن الاستماع وكذلك تدبير الأزمات والصراع، مقترحة عدة مقاربات لعلاج العنف لدى المراهقين والأطفال في الفضاء التعليمي. وأبرز لحسن تفروت الأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، والمتخصص في علوم التربية، وعلم النفس المدرسي، ضرورة الكفايات الناعمة في نجاح العملية التعلمية، وكذا أهمية المعرفة المرحة في التعلم، التعلم المصحوب بالفرح والتعاطف. مبينا الأصول النظرية لهذه المهارات، مع تقديم نماذج حديثة من العلوم الإنسانية.
ووفقا لدراسة قام بها المتحدث نفسه مع شريحة من الطلبة المدرسين، توصل إلى أن الأغلبية تولي أهمية لضبط المادة على المهارات الحياتية والناعمة. مما يظهر لنا أن طريق تدريس المهارات الناعمة، يجب أن يمر على التحفيز والتحسيس بأهميتها قبل الشروع في تدريسها.
(*) صحفي متدرب


الكاتب : أمين تومي (*)

  

بتاريخ : 21/04/2022