نجح المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بسطات خلال دورته الأخيرة، في استقطاب عدد من الأسماء المحلية والدولية في عالم فن التشكيل، والتي أعطت نفسا جديدا ودينامية كبيرة بعاصمة الشاوية لتستمر فعالياته، بعد توقف قسري دام أربع سنوات على التوالي، لأسباب تتعلق أساسا بإكراهات مادية ولوجيستية وصحية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الصرح الثقافي، وإن كان يتمتع بسمعته الطيبة على مر السنين، فإنه لا يتلقى دعما ماليا يكفيه لتغطية مصاريف الضيوف من مبيت وتغذية وتنقل.. لكن وبالرغم من ذلك، تصر إدارته بعزيمة قوية على رفع التحدي والاستمرارية في تنظيم واحد من أهم التظاهرات الثقافية التي تزخر بها المملكة بشكل عام، بل يعتبره الكثيرون أنه ارتقى بفضل أنشطته المتنوعة ليصبح تراثا لا ماديا بالنسبة لساكنة مدينة سطات.
أما السبب الثاني المتعلق بالجانب الصحي، فقد شكلت القيود الاحترازية التي فرضتها السلطات المحلية لأكثر من سنتين، بعد تفشي جائحة كورونا كوفيد 19 سنة 2020، أحد العوامل التي أجبرت المهرجان على الاختفاء الاضطراري من الساحة الفنية.
خلال دورته الأخيرة التي حملت شعار “المغرب ملتقى فنون العالم” والتي انطلقت في الفترة الممتدة ما بين 15 و 18 يونيو الماضي، لم تكتف إدارة المهرجان برئاسة الفنانة التشكيلية ربيعة الشاهد، من توجيه الدعوة لنخبة من الوجوه المعروفة على المستوى الوطني والدولي ومن بينهم، الفنان التشكيلي الكبير أحمد بنيسف وأخرين، للحضور والمشاركة في الفقرات التي كان يتضمنها برنامج الدورة الغني بالأنشطة الثقافية والفنية، والفكرية كتنظيم الندوات والورشات والعروض الموسيقية والتشكيلية والقراءات الشعرية بفضاء قصبة مولاي اسماعيل، بل أكثر من ذلك، خصصت فقرة للتكريمات شملت عددا من الشخصيات الوطنية والعربية والدولية بصمت على مسار متميز في مختلف المجالات الإبداعية والحقوقية، نذكر من بينها الفنانة التشكيلية شمس الضحى أطاع الله، كأول خريجة مدرسة الفنون الجميلة سنة 1960 بتطوان، الفنان التشكيلي القطري حسن الملا الذي شكل حضوره حدثا مهما بالنسبة لمهرجان سطات خلال هذه السنة، الكاتب والشاعر حسن نجمي الذي يعتبر أحد عشاق الفن التشكيلي، الحقوقية والسياسية عائشة لخماس، المخرج المتألق حسن بنجلون الذي تألق في العديد من الملتقيات السينمائية وحاز على ألقاب وجوائز داخل وخارج الوطن، مشرفا بذلك مسقط رأسه مدينة سطات.
وعرف المهرجان كذلك خلال هذه السنة، مشاركة الفنان التشكيلي الفلسطيني زهدي قادري وهو من مواليد قرية نحف 1972، الذي سافر إلى روسيا سنة 1994 ليدرس الفن التشكيلي في جامعة كوبان كراسندار، ثم أكمل دراسته العليا في قسم الجداريات بجامعة موخينا سانت بترسبورغ بروسيا الاتحادية.
وبصمت الفنانة التشكيلية الكويتية صفاء حسين دشتي، على حضور متميز أعطى صورة مختزلة للمستوى الاحترافي والإبداعي الذي حققته المرأة العربية والكويتية في هذا المجال، غير أن الفنان القطري عبد الرحمن محمد المطاوعة وهو فنان تشكيلي محترف ومتمكن من أدواته في الرسم والتعبير وتصميم الغرافيك والنحت، كان يشارك في العديد من الورشات داخل قصبة المولى إسماعيل.
أما الفنان التشكيلي لوغيلنوف إيغور فرغم أنه يحمل الجنسية الروسية إلا أنه مغربي بالقلب ويعتبر المملكة بلده الثاني بعد أن استقر بأرضها بشكل رسمي، فهو الآخر كانت مشاركته إضافة بالنسبة للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية، حيث ساهم في العديد من الدورات التكوينية والورشات الفنية والتقنية.
اختيار ضيوف الدورة 18 للمهرجان لم يكن اعتباطيا أو جزافيا، لكن كل تلك الأسماء المشاركة تم انتقاؤها بعناية بالغة من قبل إدارة المهرجان، عرفانا لمسارهم الاحترافي المتميز، وكذلك خدمة للدبلوماسية الموازية التي وضعتها إدارة المهرجان الدولي للفن التشكيلي بسطات في صلب برامجها الفكرية والثقافية منذ الإنطلاقة الأولى سنة 2005.
وقد شكل المهرجان كعادته، متنفسا لساكنة جمهور سطات الذي كان يأتي بأعداد كبيرة إلى قصبة المولى اسماعيل التاريخية، بحثا عن متعة الالوان واللمسات التشكيلة الممزوجة بنفحات عبق التاريخ.
وحسب رئيسة المهرجان الفنانة التشكيلية ربيعة الشاهد في حوار إعلامي مع جريدة “الاتحاد الاشتراكي” قالت فيه “إن جمهور المهرجان أظهر كعادته نوعا من التحضر والرقي في تعامله مع اللوحات المعروضة برواق القصبة، وهذا مؤشر إيجابي بالنسبة لي كفنانة تشكيلية ومكسب للفن التشكيلي بشكل عام في بلدنا العزيز، مادام الهدف الأسمى بالنسبة لنا، هو إضفاء صفة الشعبية على هذا النوع من الفنون، وتقريب المواطن بمختلف فئاته الاجتماعية والجنسية والعمرية من الفن التشكيلي، حتى يتحقق الرهان الذي تأسست من أجله فكرة المهرجان».