«شكرا على الصدق، شكرا على العطاء، شكرا على الحب..
لن ننساك»
لم يكن حفل تكريم الفنانة الراحلة نعيمة المشرقي مجرد تلويحة يد لفنانة أعطت الكثير، ولا مجرد جرد لمناقب هذه السيدة العظيمة التي كانت تتحرك في كل اتجاه من أجل «مغرب أفضل»، ومن أجل «فن أرقى» وطفولة أكثر أمانا. بل كان الحفل الذي حضره أفراد من أسرتها، وشخصيات من عالم السينما والفن والإعلام، إجماعا على أن المغرب فقد «سيدة استثنائية» في كل شيء، في فنها والتزامها وأخلاقها وأمومتها التي تأخذ بقلب كل من جالسها أو سنحت له فرصة اللقاء بها.
وقال المخرج عبد الرحمان التازي، صاحب «البحث عن زوج امراتي» و»لالة حبي»، مساء أول أمس الثلاثاء بقصر المؤتمرات بمراكش: «لالة نعيمة كانت تلعب دور الملكة أم الحر، وهو دور ضخم لعبته ببراعة كبرى، كنت قلقا على دور البطولة الذي تقدمه شخصية شامة الذي ستجسده شابة مبتدئة، لكن بفضل اهتمام الراحلة ونصائحها ومساعدتها، تألقت هذه الفتاة واستطاعت أن تنجح في تقمص الشخصية».
ووجه التازي كلامه للراحلة التي كان يخاطبها كما لو أنها كانت أمامه قائلا : «لالة نعيمة كنت تتمتعين بقدرة هائلة على جعل أي شخص يشعر بالارتياح في حضورك، مما خلق صداقة تجاوزت العلاقات المهنية، ومكنني من التعرف على خصالك الفنية وأنشطتك الإنسانية العديدة، شكرا لالة نعيمة على كل ما أبديته من ترحاب واهتمام وكرم، وكذا موهبتك الهائلة».
أما الفنانة فاطمة خير، التي لم تتمالك دموعها في نهاية شهادتها التي كانت توجهها إلى الراحلة في صيغة المخاطب، فأكدت أنها تعلمت الكثير من نعيمة المشرقي في لقائهما الفني الأول الذي كان من إخراج عبد الرحمن الخياط، مشيرة إلى أنها كانت مبهورة بموهبتها وأدائها وتلقائيتها.
وقالت المتحدثة، إنها تعلمت من الراحلة التي يشهد على قدراتها الفنية كبار المخرجين والنقاد، من الناحية الإنسانية لأنها تميزت بتواضع الكبار في تعاملها مع الناس، وبإنسانيتها العالية وعطائها وحرصها على فعل الخير دون استعراض أو بهرجة، حسب قولها.
وتابعت: «لازالت كلمات لالة نعيمة المشرقي ونصائحها في ذهني خاصة في الجزء المتعلق بالأسرة لأنها تمكنت من الجمع بين عملها واستقرار أسرتها، أقول لها اليوم أنا في تكريمك وسط عائلتك الصغيرة والكبيرة، شكرا على الحب، شكرا على الصدق، شكرا على العطاء والإنسانية ولن ننساك».
وأبرز مخرج «خريف التفاح»، محمد مفتكر، خصال الفقيدة في بلاطو التصوير، واهتمامها بالتفاصيل، لأنها كانت تحرص على الصغيرة والكبيرة في الفيلم. كما كشف عن سخائها الكبيرة حين أعربت عن استعدادها الكبير للتخلي عن أجرها، بل وزادت على ذلك أنها اقترحت أن تمول، إذا تعسر الإنتاج، ما تبقى من المصاريف على حسابها الخاص.
وقال مفتكر إنه في تلك اللحظة بكى، منذ ذلك الحين أحبها. وزاد: «باسم كل المغاربة جميعا، سأقول كلمة واحدة لا أظن أن أي مغربي سيختلف معي حولها: «إننا نحبك».
بعد ذلك، تناولت الكلمة ياسمين الخياط، نجلة الراحلة، لتعرب باسم أسرتها، عن خالص شكرها وامتنانها لجلالة الملك محمد السادس، وللأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.
ونوهت الخياط التي تسلمت النجمة الذهبية للمهرجان من الفنانة فاطمة خير، بمبادرة المهرجان تكريم والدتها الراحلة التي كانت «امرأة استثنائية، وعاشقة للسينما»، وعرفت بمبادراتها وأدوارها الإنسانية لفائدة النساء والأطفال.
إلى ذلك، يأتي تكريم الراحلة نعيمة المشرقي، حسب المنظمين، باعتبارها «سيدة عظيمة تمتاز بالتزاماتها المتعددة وشخصيتها المحببة لدى الجميع»، كما أنها كانت «سفيرة للثقافة المغربية التي لا تذخر جهدا في القيام بواجبها، وكانت أيضا صديقة وفية لمهرجان مراكش وعضوا في مؤسسته.
نشير إلى أن الفنانة الكبيرة نعيمة المشرقي رحلت، يوم السبت 5 أكتوبر 2024، عن عمر يناهز 81 سنة، مخلفة وراءها تجربة كبيرة انطلقت من المسرح منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تنفتح على تجارب أخرى في التلفزيون والسينما والإذاعة والعمل الجمعوي والخيري، ومجالات أخرى.
وتحظى الفنانة الراحلة بتقدير كبير في الأوساط الفنية والثقافية، وحتى السياسية، المغربية. وقد بدأت مشوارها الفني منذ أواخر الخمسينيات، إذ شاركت في عدد كبير من التمثيليات الإذاعية والمسلسلات التلفزيونية والأعمال السينمائية والمسرحية، فضلاً عن العديد من البرامج ذات الطابع التربوي والمعرفي.
وقفت الراحلة، لأول مرة كممثلة أمام كاميرا السينما، في مطلع الستينيات، أولا في الفيلم الإسباني الطويل «انتقام دون ميندو» (1962) لفرناندو فرنان غومي). ثم بعد ذلك في فيلمين طويلين آخرين الأول مغربي والثاني فرنسي إسباني إيطالي مشترك، ويتعلق الأمر بفيلم «حديث الأجيال» لزوجها السينمائي عبد الرحمان الخياط. أما الفيلم الثاني فهو بعنوان «الدار البيضاء، عش جواسيس” للمخرج الفرنسي آنري دوكوان (1890- 1969).
بعد ذلك، توالت مشاركات نعيمة المشرقي في مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية والأجنبية، من بينها تباعا: “عرس دم” (1977) لسهيل بن بركة و»44 أو أسطورة الليل” (1981) لمومن السميحي و»أيام شهرزاد الجميلة» (1982) لمصطفى الدرقاوي و»بادس» (1988) لمحمد عبد الرحمان التازي و”حجر الصحراء الأزرق” (1992) لنبيل عيوش و»فرسان المجد» (1993) لسهيل بن بركة و»البحث عن زوج امراتي» (1993) لمحمد عبد الرحمان التازي و»البند الثاني» (1994) للإيطالي موريسيو زاكارو و»للا حبي» (1996) لمحمد عبد الرحمن التازي و»زنقة القاهرة” (1998) لمحمد عبد الكريم الدرقاوي و»فاتن» (1999) لمحمد فاخر و»مقهى الشاطئ» (2000) للفرنسي بونوا كرافان و»خط الشتا» (2000) لفوزي بن السعيدي و»وبعد» (2001) لمحمد إسماعيل و»جارات أبي موسى» (2003) لمحمد عبد الرحمان التازي و»الأهالي» (2006) لرشيد بوشارب و»إيمان سيء» (2006) لرشدي زيم و»الدار الكبيرة» (2009) للطيف لحلو و»دم وماء» (2014) لعبد الإله الجوهري و»كيليكيس.. دوار البوم» (2018) لعز العرب العلوي و»دموع الرمال» (2018) لعزيز السالمي و»خريف التفاح» (2020) لمحمد مفتكر…