متجذّرا في نسيج وإيقاع وطنه الأم المغرب، مصمّماً معمارياً يرى أن عمله بمثابة حوار بين القارات. إنه يوسف دنيال الحامل لفيض من العواطف والحساسيات عبر المحيط الأطلسي. التحق بجامعة واشنطن العريقة، ثم بجامعة ييل إحدى أقدم مؤسسات التعليم العالي بالولايات المتحدة الامريكية.، حيث حصل على درجة الماجستير في الهندسة المعمارية. وما تبع ذلك كان ثم مجموعة أعمال تتسم بالوضوح، وبالذكاء الثقافي، ونظرة ثاقبة ترصد الإمكانيات الشاعرية الكامنة في المكان.
هو الفائز بالميدالية الفضية في جائزة نيويورك للتصميم المعماري، فئة المراكز الثقافية وقاعات المجتمع، عن عمله المتميز في مركز مجتمع كاديدودي، والفائز أيضاً بالميدالية الفضية في جائزة ميوز للتصميم فئة التصميم المعماري – الرعاية الصحية، وحائز على الجائزة الثالثة في جوائز التصميم غير المحدود، كما نال تنويهًا شرفيًا عن تصاميمه المفاهيمية في مسابقة المهندسين المعماريين الشباب (YAC) ضمن فئة «ملاذ فرسان البركان»..
أما مشروعه التصميمي «النفايات المادية والزائلة»، فقد توّج بجوائز «الهندسة ماستر برايز»( Architecture MasterPrize) في ثلاث فئاتٍ رفيعة: التصور العماراتي ، والعمارة الثقافية، وفئة البنى التحتية.
في سياق حديثنا مع يوسف، اعتبر العمارة لا كمهنة، بل كشغف وهو الذي سعى طيلة حياته يغديه الفضول، والذاكرة الثقافية، والرغبة في ربط التراث بالابتكار. يقول: «هذه الإنجازات اتي حظيت عنها بالتكريم لم تأتِ بين عشية وضحاها. إنها ثمرة سنوات قضيتها في استكشاف كيف يمكن للتصميم أن يشكّل لا المدن فحسب، بل الطريقة التي يختبر بها الناس شعور الانتماء».
كانت للشخصيات التي أرشدته او ألهمته والتي رافقته في مسيرته كان لها ذات تأثير تشكيلي مماثل. يقول يوسف: «لقد حالفني الحظ أن تعلمت من أساتذة وممارسين لم يقتصروا على تعليم التصميم فحسب، بل جسّدوا أيضاً النزاهة والفضول بأنفسهم. بعضهم صاروا مرشدين مدى الحياة — أناساً ما زلت ألجأ إليهم حين أواجه مشروعاً معقداً أو سؤالاً فلسفياً حول التصميم».
يستذكر يوسف وهو يتأمل : «عملي على مركز كاديدودي المجتمعي في كارناتاكا بالهند بدأ طويلاً قبل أن يُرسم خط واحد. إنه انبثق من أشهر من البحث والتحليل لإيقاعات الحياة الريفية في كارناتاكا — مناخها، تقاليد المعمارية، طقوسها، والتفاعل الاجتماعي الدقيق التي يشكّل الحياة اليومية». وجد في القرية نموذجاً لعمارة لا تُعامل كمكون جامد منعزل، بل كنظام بيئي من المساحات المشتركة، والعتبات، والطقوس. يقول: «كاديدودي شكل من أشكال العمارة الحية بعمق. إنها تتنفس مع أهلها».
لم يكن نهجه في تصميم مركز كاديدودي المجتمعي يرمي إلى إقامة نصب تذكاري منفرد، بل إلى ملاذ بنيوي لدعم التفاعل الاجتماعي، والاستمرار الثقافي، والصمود الاقتصادي. يصف يوسف التصميم بأنه «عمارة التواضع والذكاء — متجذرة في الأنظمة المحلية، ودقيقة في بنيتها التكتونية».
تطورت بنية المركز انطلاقاً من إطار معياري قائم على الأعمدة والعتبات، مما يتيح للعمارة التكيف مع احتياجات المجتمع المتغيرة. قاعات متعددة الأغراض، ومرافق أنغانوادي(مأوى الساحة).
يضيف يوسف «صممت المكاتب ومساحات التجمّع المفتوحة بوصفها تدرّجًا في الانفتاح، يستجيب لتفاوت درجات الخصوصية والجماعية التي يتطلّبها كل برنامج.(…)أردتُ للمبنى أن يتحرّك كما تتحرّك القرية . واسعا أثناء المهرجانات والاجتماعات، وحميميًا للتعلّم ورعاية الطفولة».
والنتيجة مركزٌ مجتمعي لا يفرض نفسه على كاديدودي، بل ينبثق منه بشكل طبيعيً :عمارة من هواء وحجر وقماش وضوء، صُمِّمت لتتطوّر مع الناس الذين تخدمهم. يقول يوسف» في نهاية المطاف يمكن للعمارة أن تكون شعرية وبُنيوية في آنٍ معًا. قادرة على تشكيل المجتمع لا بالهيمنة، بل بفهمٍ دقيقٍ لاحتياجاته «..
يشغل يوسف حاليًا منصب مصمّم معماري في شركة هارت هاويرتون، وقد كان في طليعة من تصوّروا وصمموا وقادوا مشاريع كبرى سكنية وفندقية وفي مجال التخطيط الحضري عبر الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. يُظهر عمله توازنًا نادرًا بين صفاء الفكرة وواقعية التنفيذ. متجذّرًا دائمًا في المكان والثقافة والمناخ.
في مشروع زابوتال للتطوير في كوستاريكا، كان يوسف المصمّم الرئيسي للمخطّط العام والرؤية المعمارية لمجموعات متنوعة من الوحدات السكنية والمنازل الخاصة. من فيلات الغولف ومنازل الشاطئ إلى عقارات قمم التلال، جمع نهجه بين الحساسية البيئية والأناقة المكانية . فصمم مساكن تتشكّل وفق مناخها الدقيق، وتضاريسها، واتجاهها. «كان كل منزل بمثابة حوار مع موقعه»، يلاحظ. « كانت الغاية تصميم فضاءات تتنفّس مع محيطها،منفتحة، راسخة، ومتجاوبة فيما بينها».
بالنسبة ليوسف، العمارة أكثر من تخصّص.إنها لغة تواصل. تبدأ عمليته لا بالشكل، بل بالسياق: الأرض، والضوء، والناس، وأنماط الحياة التي تمنح المكان هويته. «كل مشروع يبدأ بالإصغاء إلى الموقع، ومناخه، وثقافته. ينبغي للعمارة أن تبدو حتمية كأنها كانت جزء من المكان منذ الأزل».
وتترافق هذه الحساسية للسياقَ فضولٌ عميق تجاه الثقافة والحِرَف. يستلهم يوسف كثيرًا من نُسُج الحياة اليومية. من المواد التقليدية، والبنى المحلية، وطرائق المجتمعات في شحن الفضاء بالمعنى. «يأسرني كيف يمكن للتصميم أن يكون جسرًا بين المادي والعاطفي»، يتأمّل. «العمارة الجيّدة ليست عمّا تراه فحسب بل عمّا تشعر به»..
المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار
الكاتب : التقاه: مصطفى العراقي
بتاريخ : 19/12/2025


