توفي الفنان المصري صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما حيث شيعت جنازته يوم الحمعة الماضي من مسجد الشرطة بالشيخ زايد، وتم الدفن بمقابر العائلة بطريق الواحات.
دخل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، المجال الفني مع زميل الدراسة الفنان عادل إمام، ومثلا سويا بمسرح الكلية، ثم عمل في العديد الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزية والمسرح، من أهم وأشهر أدوراه دور العمدة سليمان غانم في مسلسل ليالي الحلمية مع يحيى الفخراني وصفية العمري، وكان آخر أعماله مسلسل القاصرات الذي قدمه عام 2013، وهو المسلسل الذي أثار جدل زواج القاصرات حينها قدم شخصية عبد القوي العمدة السبعيني الذي هوايته الزواج من الفتيات الصغار.
بدأ السعدني مشواره الفني بمسرح جامعة القاهرة، حيث كان يدرس في كلية الزراعة مع صديقه عادل إمام، وانطلق كلٌّ منهما في مسيرة مليئة بالأعمال الناجحة على مدار ما يقرب من 60 عاما.
في ستينيات القرن الماضي، ظهر على الشاشة الصغيرة، شاب عشريني نحيف خمري البشرة، ينادونه باسم «أبو المكارم»، بملامح بريئة، وثياب مُهلهلة وطاقية فلاحي، يتكلم بلغة الإشارة، ويتمايل هائماً مع قول الذاكرين «الله حي» يمنة ويسرة.
كانت هذه هي المرة الأولى كما تقول سيرته الفنية، التي يرى فيها الجمهور هذا الفنان المصري بالأبيض والأسود، من خلال مسلسل «الضحية» الذي كان الجزء الأول من خُماسية «الساقية» التي لم تكتمل للأديب الكبير عبد المنعم الصاوي.
ولم يدر بخلد المشاهد آنذاك، أن همهمات الشاب الأبكم ستتحول إلى صوت خشن رصين، يرتبط باسم صلاح الدين عثمان السعدني، الذي امتزج اسمه الذي يحمل عبق التاريخ، بخطوط الحقول التي ولِد في رحابها بمحافظة المنوفية جنوبي دلتا النيل عام 1943.
تخرج السعدني في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، التي وقف على خشبة مسرحها بجانب زميل الدراسة عادل إمام، الذي اصطحبه إلى عالم الفن وربطت بينهما صداقة امتدت طوال حياتهما.
نشأ صلاح السعدني في كنف أخيه الأكبر الصحفي الكبير محمود السعدني، الذي أثْرى شخصيته ثقافياً، وأثر عليها في ظل الآراء التي سُجن محمود بسببها في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهو ما أثر على أدوار صلاح الفنية، لاسيما مع آرائه السياسية هو أيضا.
شارك خلال سبعينيات القرن العشرين في عدد من الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية ومنها «الأرض»، «أغنية على الممر»، «الرصاصة لا تزال في جيبي»، «العمر لحظة»، إلى جانب دوره الشهير في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكراً» مع مكتشف موهبته عبد المنعم مدبولي.
ووصل السعدني إلى قمة نجاحه بعد اعتذار سعيد صالح عن لعب شخصية «العمدة سليمان غانم» في مسلسل «ليالي الحلمية»، ليذهب الدور إليه، ويصنع مع يحيى الفخراني والمؤلف أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، واحداً من أنجح المسلسلات في تاريخ الدراما العربية.
واختار صلاح السعدني اعتزال التمثيل في صمت، قبل 10 أعوام، تزامناً مع احتفاله بعيد ميلاده السبعين.
الفنان المصري القدير صلاح السعدني، جعل العديد من الفنانين المصريين والعرب، ينعونه ويستحضرون ذكرياتهم معه وكذلك أعماله الفنية التي ستبقى خالدة.
وقد كتبت الكاتبة والناقدة المصرية ناهد صلاح ،أنه في بدايات مشواره الحافل ،فرض صلاح السعدني لنفسه مكانة بأدوار ثانوية أو مساعدة، بملامح وجهه وإطلالته المصرية ونبرته الأدائية الطالعة من عمق الذات وصلابة الحضور، قدّم نحو 211 عملًا بين الإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما، يحتلّ بعضها موقعًا بارزًا في التاريخ الحديث لصناعة الدراما المصرية بكافة أنواعها، من أدوار صغيرة ، مثل دوره في «القاهرة والناس» إخراج محمد فاضل، علواني في فيلم «الأرض» إخراج يوسف شاهين، مسعد في «أغنية على الممر» إخراج علي عبد الخالق، وأدوار أخرى كثيرة متفاوتة في المساحة ولكنها تكشف عن ممثل لديه طاقات تمثيلية هائلة، فمن ينسى مثلًا سمير في طائر الليل الحزين إخراج يحيي العلمي، عاطف في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا» إخراج محمد فاضل، فتحي في مسلسل «لسة بحلم بيوم» إخراج يوسف مرزوق، الشيخ محمد النجار في مسلسل «أديب» إخراج يحيي العلمي، سمير في فيلم «فتوة الناس الغلابة» إخراج نيازي مصطفى، عبد الواحد في «فوزية البرجوازية» إخراج إبراهيم الشقنقيري، وفيق في فيلم «زمن حاتم زهران» إخراج محمد النجار، محمود في «أحلام صغيرة» إخراج خالد الحجر، عزوز عبد التواب في «كونشيرتو درب سعادة» إخراج أسماء البكري، عبد القادر في «كفر عسكر» إخراج نادر جلال ، نصر وهدان القط في مسلسل «حلم الجنوبي» إخراج جمال عبد الحميد، أو مسرحية «الملك هو الملك» إخراج مراد منير، أو نسيم «شارع المواردي» والعمدة سليمان غانم «ليالي الحلمية» وحسن النعماني «أرابيسك»، دكتور عزيز محفوظ «الأصدقاء»، أعماله وحضوره المتوهج مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ، وأعمال أخرى كثيرة مفتوح القوس عليها عن آخره.
جاذبيته الإنسانية تقول الكاتبة والناقدة المصرية ناهد صلاح، عكست حضوره الفني بتألّق وتأثير واضح في قلب المُشاهد وعقله، كممثل أدرك كيفية الوصول إلى عمق الأسئلة اليومية المعلّقة، وعرف آلية البحث في التفاصيل الصغيرة التي شكلت لحظات المتعة التمثيلية عنده، ذلك أن صلاح السعدني تقول ناهد صلاح ،يبقى واحدًا من قلّة جمعت الحسّ الوجودي في اقتباسه التمثيلي، بالأبعاد المختلفة للإنسان الفرد في مواجهته اليومية حقائق ذاته وعلاقاته بها وبالجماعة، هذا الجمع التفصيلي شكل أداءه التمثيلي ودفعه للانخراط في المشروع الدرامي نحو أفق مفتوح على حكايات عدة، لعلّ اختباره المسرح وميكروفون الإذاعة فضلًا عن كاميرتي التليفزيون والسينما، كل ذلك منحه تدريبًا وخبرة في تقديمه نماذج لشخصيات مختلفة، استطاع أن يُطوعها لتكون أكثر حيوية.
من هذا نجدنا تقول ناهد صلاح،أمام تفصيل من تفاصيل كثيرة في مشروع صلاح السعدني، بما يؤكد أنه يحتاج إلى ما هو أبعد من الرثاء، وأعمق من مقال مكتوب بعُجالة بمناسبة حزينة كهذه، أعماله العديدة تعكس صدق تجربته بما احتوته من حساسية ورهافة وجمالية وأدوار ذات مضامين إنسانية واجتماعية ما تشير إلى أنه لم يبقَ أسير نمط واحد، أو نوع واحد، هنا أتذكر صوته مجددًا في أحد حواراتي الصحفية معه، حين قال تستحضر هذه اللحظة ناهد صلاح:»أهم شيء أحرص عليه قبل اختياري للعمل، يتمثل في معرفتي الفكرة وهل هي تمس المجتمع وهمومه، هل هي من صميم الشخصيات الموجودة في الحياة، فلا يمكن أن أوافق على عمل يتحدث عن فكرة غير مطابقة لواقعنا، ولا تلمس المواطن البسيط، فأنا أحب أن أقدم كل شرائح المجتمع وكل النفوس، ولا أحب أن أكرر نفسي، فعندما أقدم الشرير يجب أن أقدم كذلك الطيب المتسامح».