الميلودي شغموم وجرح الاعتراف

نكأت وضعية الكاتب والروائي المغربي الميلودي شغموم الذي يعاني وضعا صحيا حرجا منذ يوليوز الماضي، جرح الثقافة والمثقفين في هذا البلد السعيد. فإذا كانت الثقافة تمثل الحلقة الأضعف ضمن الميزانيات القطاعية، فإن وضع المثقف لا ينفصل عن واقع الهشاشة هذا، في وقت يجب أن يحظى فيه المبدع بوضع اعتباري خاص، بوصفه صانع رصيد رمزي وأدبي وفكري أو ما يسمى اليوم بـ»الرأسمال اللامادي « للمجتمعات.
فرغم تنامى الوعي داخل الوسط الثقافي والفني خلال السنوات الأخيرة، بضرورة مأسسة هذا القطاع الهش وتأطيره قانونيا، فإن واقع الحال يكذب الأمنيات، كلما غادرنا شاعر أو كاتب أو مفكر أو فنان لم يستطع تأمين نفقات علاجه في وقت تتصارع في المؤسسات التمثيلية لصوت هذا المثقف وتتنازع الشرعيات والمناصب. ويكفي أن نذكر هنا بمثالين صارخين للتدليل لا الحصر: وفاة الكاتبة المغربية مليكة مستظرف بعد معاناة طويلة مع مرض الفشل الكلوي والتي تبرعت لها جريدة «الرياض» السعودية ب50ألف دولار بعد أن تناولت وضعيتها الحرجة العديد من الصحف والمواقع، ووفاة الكاتب محمد جبران السنة الماضية بعد معاناة مريرة مع المرض ومع الإهمال الذي وصل حد رميه بأحد «كولوارات» مستشفى ابن رشد، ليتم التراجع عن القرار بعد تدخل وزير الصحة ووزير الثقافة السابق والفنانة الراحلة ثريا جبران، دون أن ننسى المبادرات الملكية التي تفتح باب الأمل أمام عجز وصمت الوزارة الوصية، بالتكفل بعلاج العديد من الكتاب والمفكرين أمثال المفكر عبد الكبير الخطيبي والكاتب محمد زفزاف والشاعر محمد الصباغ والعديد من الفنانين….
هذا الوضع الذي لا يعكس المكانة الاعتبارية للثقافة والمثقف، بوصفه صانع التغيير ودينامو أية حركية مجتمعية تنشد الحداثة والتطور، هو ما دفع أصدقاء وعائلة الكاتب الكبير الميلودي شغموم لإصدار بيان يستنكرون فيه الإهمال الذي قوبل به روائي نأى بنفسه، طيلة مساره الإبداعي والعلمي، عن أي اصطفاف إيديولوجي، مفضلا الإقامة في أصوات المهمشين، جاعلا قلمه ترجمان الحناجر التي بحت دون أن يُسمع صداها.
وإذا كان الميلودي شغموم، كما جاء في البيان» أعطى الشيء الكثير للأدب والرواية والفكر داخل وطنه وخارجه، وقضى جزءا كبيرا من عمره يلقن أبناء المغاربة المعرفة في المدارس والمدرجات الجامعية، وظل ينتج ويبدع في صمت بعيدا عن الجوائز والصالونات الأدبية ولم يطلب في من الأيام شيئا…»، فإنه يستحق اليوم» حق الاعتراف من الوطن من خلال عناية صحية ومصاحبة نفسية، بقدر تاريخ وفكر الرجل، تشعره بأهمية مساهماته وتذكره بعدد المتخرجين على يده، بتقدير حقيقي لما أسداه لهذا البلد، تجعله ينسى وضعه الصحي والنفسي الحرج من خلال إحساس مشرف بالانتماء لهذا الوطن».
ويعتبر الميلودي شغموم من أبرز الكتاب الذين أرسوا دعائم الكتابة السردية بالمغرب على أسس فلسفية وفكرية، وواحدا من الروائيين المغاربة الذين صاغوا الوجدان المغربي ورسموا خريطة متخيلنا الجمعي، حيث كتب في مجال القصة القصيرة «أشياء تتحرك»، و»سفر الطاعة»، وكتب في مجال الرواية أعمالا كثيرة، منها «الضلع والجزيرة»، «أريانة»، و»الأبله والمنسية وياسمين»، و»عين الفرس»، و»مسالك الزيتون»، «ريالي المثقوب»، و»شجر الخلاطة»، و «خميل المضاجع»، و»نساء آل الرندي»، الاناقة»، و»أرانب السباقات الطويلة»، والمرأة والصبي»، فأرة المسك»… وفي مجال الفلسفة والنقد: «الوحدة والتعدد في الفكر العلمي الحديث»، «المتخيل والقدسي في التصوف الاسلامي»،» تمجيد الذوق والوجدان»، «المعاصرة والمواطنة، مدخل الى الوجدان».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 03/10/2020