المَدارِجُ غبارٌ والمَراقي مائيَّةٌ

وَرْدَتي مُرَّةٌ وصَبْري على قلقٍ
وبعضُ الكؤوس التهابٌ
وبعضُ الكؤوسِ اغترابٌ ونشيجٌ
وَرْدَتي مُرًّةٌ
تراودُ يعسوبَ الخرافةِ
وجِرارَ الريح المذبوحةِ
وسِلالَ المُحـــالْ.
لَــيْـــلـــى:
كُلُّ صُبْحٍ تُرَتِّبينَهُ شَراباً لنهاية الكسلِ
وتُطِلّين من شُرْفة الغيابِ
وأنتِ في فرْوِ نعومتك الماطرة
عِطرُكِ عاصفٌ
وحضورُك الشديدُ حجابْ.
على مَهلٍ
كأنما تغوصين وتَطْفينَ
مثل قُطْنِ البَرْزَخِ
على بِلَّوْر أصابعِ قدميْكِ
في المُوسْلينْ الأسودِ اللاَّسعِ،
تَسْحَبين الستارَ الواجِمَ
وتَنْدَسّين بين هَمْهَماتي
وابتهالاتِ الكتابْ،
وتُطْبقين الرُّموشَ الوَطْفاءَ
بأزْرارِ من لُهاثٍ على ضآلتي.
شَفَقُ الصبر يتدرَّرُ
وما بين أولِ الليل وآخرِ الشمس،
أمضي نازفاً كَمِثْلِ زَنْبَقٍ
همسَ له ضوءُ برقٍ
وداسَه بُرْثُنُ غرابْ.
لـــيْـــلَـــى:
جاء خَرَابُهم
والْتَبَكَ زَماني
أقفلتُ كوَّةَ الدربِ
وفتحتُ للذراعيْن
ما يردُّ للروح الظَّمْأَى بعضَ شَرابِها،
وجَرْسَ سَرابِها،
ما يُضَرِّجُها بالضحك الأليمِ،
وَيُسْرجُ بتْلَتَها لندم النجم
بعد انطفاء الباقة في يدي.
لا على المَمْشى اليائسِ إِنْ جاء يبكيني،
ويرفعكِ موعدا على شهقة الغيمِ
وبقايا شرابٍ في سَوْرَة الوصفِ
لأنكِ ليلى.
أنا لا أُخْفي، يا ليلَى، شمعَ العسلِ
المُلْتَبِطِ على جُرْنِ النحاس
في مرايا سكوني،
ولا أفاعي الفردوس التي تَنْهَشُ ظُنوني.
فضَحَتْني الدمعةُ المارقةُ
إِذْ سالتْ وَكْفاً، وبلَّلَتْ
ذاكرةَ زمنٍ لم يتْعبْ من الرقص المُمْتَهنِ
والسهر مع كاذبات المُنَىإلى
الهزيع الأخير من الويلِ.
لستِ الوحيدةَ المفردةَ حتى أنْكَسِرَ
ويخمدَ لهبي وأصيرَ هواءً
معقوداً على مَهْجعٍ رفيعٍ يتمزقُ
أو ظلاًّ على إفريزِ المَلالةِ يتمزَّعُ
وتنوشُهُ الليالي الهاربةُ إلى آخر الحتْفِ.
لستُ وَحيدَكِ لتَدْخُلي الحِدادَ بعد الفَقْدِ
والبياضَ بعد الصّدِّ
والحبرَ بعد نفادِ المَدَدِ.
كِلاَنا خُيلاَءُ وخَلاءٌ
كلانا مُتَعدِّدٌووحيدٌ
وله في الدنيا ملائكةٌ وحمقى.
له مجبولون على التَّمَدُّدِ في سَجّاد الضوءِ
ولسانِ الجُدْجُدِ
ومَرْذولونَ يشربون بالأمسِ ما شرِبوا في الغدِ
ويُفَتِّتون على صُوَان الذكرياتِ كؤوسَ الأبدِ
المُتَّقِدِ المنذور للفراغِ والنَّوَسانِ
كَصَبْوة المَمْسوسِ
وَرَجاءِالمَجْدومِ.
لمْ أَبْنِ أمَلاً ولَوْ أعْرَجَ على
صِحافٍ من إجاصِ التَّوْقِ،
المدارجُ غبارٌ والمراقي مائيةٌ
وكيف أَبْنيهِ وأنا أتعقب ظلَّ إصبعِي
عبر الجدار؟
وأنتِ اخضرارُ اليباسِ
ويباسُ الاخضرارِ
وغزالةٌ ترْعَى من ضَرْعِ أُنبوبٍ
وضعوهُ بيننا.
أأنا المصنوعُ وأنتِ المطبوعةُ
أمْ أنتِ المصنوعةُ وأنا المطبوعُ؟
وما بيننا تَلّةٌ من هُدَامِ مَوزِ الضَّجَرِ
وكَفَنٌ من كتّان المغولِ
يترقرقُ بَصراً وصبراً وانتظارا.
وكما نمضي وأقدامنا مُتْرعاتٌ بشوك الأمنيات
وأزيزِ الشراب المُخَلَّل بأنين الكائنات،
سنعود، حتْماً، إلى وَهَجِ عظامِنا
وهْيَ تَتَشَرْنقُ على السِّدْر المخضودِ
نُجَرجِرُ عمرنا القصيرَ المخفيَّ
في جوْرَبِ الزمنِ النَّغْلِ..
ونَهْزِجُ للريح السّمومِ حتى الثُّمالة.

هـــامـــــش:

مطحونانِ يُذَرِّران طينَهما الذهبيَّ
على رأسِ الفرح المُشَعَّثِ،
ويُريقانِ دَمَهُما
في قدَحِ العَدَم الشّاسعِ
بعدما جفَّفا أيامهما
بين عَرانِس الذُّرَّةِ ومَكْرِ المشيئة.
فقولي أيتها الحياةُ:
( هل تعودين إلى قَسَمِكِ الأُلْعُبانِ..
أمْ أنكِ، هكذا، زُقاءُ ديكٍ تحتَ الْبَرَدِ )؟


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 30/05/2025