الزنايدي يتهم الحكومة بتقديم أرقام مغلوطة حول القطيع: كيف يمكن ل 16 مليون رأس أن تتحول إلى 32 مليونا في ظرف قياسي؟

كشف التدخل القوي للنائب البرلماني الشرقاوي الزنايدي، عن الفريق الاشتراكي (المعارضة الاتحادية)، خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الفلاحة يوم الثلاثاء 11 نونبر 2025، حجم التوتر الذي أصبح يخيم على علاقة الفلاحين بالحكومة، بعد سنوات من الوعود التي لم تجد طريقها إلى الميدان. الزنايدي لم يلجأ إلى لغة دبلوماسية، بل خاطب وزير الفلاحة بشكل مباشر قائلا إن مخطط المغرب الأخضر ثم الجيل الأخضر فشلا فشلا ذريعا في بناء السيادة الغذائية التي نادى بها جلالة الملك، مؤكدا أن تعليق الفشل على شماعة الجفاف لم يعد مقنعا، لأن الجفاف أصبح منذ سنوات معطى هيكليا، وكان من المفروض أن يتغير النموذج الزراعي وفق هذا الواقع بدل الاستمرار بنفس المنطق الذي يقود البلاد “مباشرة نحو الحائط”، على حد تعبيره. وأبرز النائب الاتحادي أن مليارات الدراهم التي تصرف سنويا على القطاع الفلاحي هي من أموال المغاربة، ومن غير المقبول ألا تنعكس مباشرة على حياة المواطنين، في وقت يعيش فيه السوق فوضى سعرية غير مفهومة، إذ إن منتوجات تباع اليوم بخمسة دراهم تعرض غدا بخمسة عشر درهما بين ليلة وضحاها دون مبرر منطقي، في حين أن الأمر يتعلق بالقوت اليومي وليس بسلع كمالية.
الاتهامات التي وجهها البرلماني الاتحادي لم تقف عند حدود سوء التدبير، بل تجاوزتها إلى اعتبار القطاع اليوم أصبح مجالا خصبا لتغلغل لوبيات داخل السلاسل البيمهنية التي تحولت إلى بؤر للريع جذبت أصحاب الأموال الساعين إلى الربح السريع. وشدد على أن ظاهرة “الفراقشية” ليست سوى نتيجة مباشرة لتحلل الوزارة من الرقابة وترك السوق رهينة المضاربين. واتهم الزنايدي الوزارة بتقديم أرقام «مغلوطة»، مستشهدا بتضاعف رؤوس القطيع من 16 إلى 32 مليون رأس داخل فترة قصيرة، معتبرا ذلك أمرا غير مقبول، لأن الميدان يكذب هذه الأرقام، خاصة بعد أن تضرر الفلاحون الصغار من دعم الاستيراد بينما استفاد منه المضاربون. ونفس السيناريو، يضيف المتحدث، يتكرر اليوم في دعم الأعلاف، حيث تذهب أموال الدعم إلى سماسرة السوق بدل أن تصل إلى المربين الذين كانوا أول ضحايا موجة الغلاء، ليبقى الفلاح الصغير الحلقة الأضعف في منظومة تبتلع الدعم العمومي ثم تعيد بيع الأعلاف المدعمة نفسها بثمن السوق.
وفي ملف البذور، كشف النائب الاتحادي عن وضع أخطر، مؤكدا أن الفلاحين الذين باعوا بذورهم لصوناكوس لم يتسلموا مستحقاتهم منذ سنة كاملة، ما أدخلهم في دوامة مالية خانقة طيلة السنوات الخمس الماضية. ومع تراكم الديون وتراجع المداخيل، أصبح الفلاحون يدورون في حلقة مفرغة، كلما قصدوا القرض الفلاحي طلبا لتمويل الحرث وتقليب الأرض، وجدوا أنفسهم مطالبين بتسديد ديون سابقة لم يتمكنوا من الوفاء بها بسبب تأخر صوناكوس) الشركة الوطنية لتسويق البذور (في الأداء. ونتيجة لذلك، اضطر كثير منهم إلى مغادرة النشاط الفلاحي، بعدما لم تعد لهم القدرة على مواجهة تكاليف الإنتاج ولا تحمل ضغط السوق ولا الصدمات المناخية.
وبينما يقدم الوزير في المجلس صورة مطمئنة عن الوضع، يؤكد الواقع الميداني أن الفلاحين يعيشون على إيقاع القلق والترقب. فبعد مرور أسابيع على بداية الموسم الفلاحي، ما تزال الأرض عطشى في أغلب المناطق، والسدود لم تتجاوز نسبة ملئها 30.8% إلى غاية 10 نونبر 2025، أي ما يعادل 5176 مليون متر مكعب فقط، وهو مؤشر يختزل الأزمة المائية التي تعصف بالقطاع. وفي الوقت الذي تتحدث فيه الوزارة عن إجراءات الدعم وتحسين الحكامة، يكشف الفلاحون الصغار أن الأسعار ارتفعت إلى مستويات قياسية، ثمن بذور القمح بين 5 و6 دراهم للكيلوغرام، والشعير بـ4 دراهم بدل 2.5 درهم، فيما بلغت كومة التبن 40 درهما والجلبان أكثر من 50 درهما، والفصة بين 80 و100 درهم. وهي أرقام تؤكد أن حديث الوزارة عن وفرة المدخلات المدعمة لا يجد طريقه إلى الحقول.
ويزداد الوضع قتامة حين يروي المزارعون لجريدتنا تفاصيل يومياتهم، فحرث الهكتار الواحد أصبح يكلف بين 400 و800 درهم، واليد العاملة بلغت 250 درهما في اليوم، بينما الدعم الذي تحدثت عنه الوزارة لا يصل دائما بالقدر أو السرعة التي تسمح للفلاح بمواصلة عمله دون مخاطر. بعضهم اضطر إلى تقليص المساحات المزروعة إلى النصف، وآخرون توقفوا عن الحرث أصلا في انتظار الأمطار أو في انتظار أن تنخفض الأسعار أو أن يتيسر الحصول على تمويل بنكي، لكن البنك بدوره يقف أمامهم بعبارة واحدة: «سددوا المتأخرات أولا».
وبين خطاب رسمي يتحدث عن الرؤية الواضحة، وتحلية المياه، وربط الأحواض، وترقيم القطيع، وآليات رقمية للدعم، يكشف الفلاحون أن الواقع مختلف تماما، حيث لا بذور مدعمة وصلت، ولا أعلاف بأسعار معقولة، ولا حلول مالية تخفف الضغط عنهم. أما النتيجة، فهي موسم فلاحي مفتوح على المجهول، وفلاح صغير ينهار تدريجيا أمام جفاف المناخ وجفاف السياسات.

