عن دار توبقال للنشر، وفي إطار مشروع تجديد التواصل مع المنجز الفكري، والأدبي للكاتب والمفكر عبد الكبير الخطيبي، صدر مؤخرا للكاتب المغربي مراد الخطيبي كتاب موسوم ب «الناسخ وظلاله: الخطيبي وأسئلة الذات والذاكرة والصداقة والهوية». تم تقسيم هذا المؤلف الذي يقع في 141 صفحة إلى ستة فصول. يتمحور الفصل الأول «سيرة الخطيبي الذاتية ومساره الأدبي والفكري» حول حياة الخطيبي من خلال رصد ظروف ولادته في يوم مقدس عند المسلمين ألا هو عيد الأضحى. ارتبطت ولادة الخطيبي أيضا بسياق مهم يتمثل في الاستعمار الفرنسي الذي كان جاثما على أرض المغرب، بالإضافة طبعا إلى سياق الحرب العالمية الثانية. تناول الفصل كذلك المسار الدراسي للخطيبي انطلاقا من فترة الثانوي بمراكش، ثم ثانوية ليوطي بالدار البيضاء ، حيث سيحصل على شهادة الباكلوريا، ويذهب إلى فرنسا على إثر حصوله على منحة بعد اجتيازه لمباراة. سيحصل الخطيبي على شهادة الدكتوراه في تخصص علم الاجتماع من جامعة السوربون ويعود إلى المغرب ليساهم في محاولة تأسيس سوسيولوجيا مغربية. كما شمل الفصل الحديث عن منجز الخطيبي الفكري والإبداعي المتسم بالغنى والتنوع.
أما الفصل الثاني «التراث كما يتصوره الخطيبي»، فقد تناول تصور المفكر عبد الكبير الخطيبي للتراث الذي يشكل أحد اهتمامات هذا المفكر المندرجة ضمن مشروعه الفكري القائم على تخليص السوسيولوجيا المغربية من النزعة الاستعمارية. وقد شمل الفصل بداية محاولة إعطاء تعريفات موضوع التراث الذي تناوله أيضا مفكرون آخرون على غرار الطيب تيزيني، عبد الله العروي، محمد عابد الجابري. وقد خلص الفصل إلى أن الخطيبي في تناوله لموضوع التراث يدعو إلى قراءة بناءة ويقظة لا تسقط في تمجيد الماضي بالرغم من أخطائه وسلبياته خاصة مع سقوط الحضارة الإسلامية. وفي الآن نفسه، يدعو الخطيبي إلى التعامل مع «الآخر» باختلاف يقظ لأن هذا الآخر يسكن في ذواتنا، وهو جزء من الهوية التي هي في طريق البناء والتشكل. وفي هذا الإطار، تناول الفصل الحديث عن الآلية التي استعملها الخطيبي في مشروعه الفكري والنقدي الذي يندرج ضمن فكر الاختلاف وهي آلية «النقد المزدوج». وتناول كذلك انتقاد عبد الكبير الخطيبي لتصور عبد الله العروي للتراث والتي بقيت في نظره سجينة الميتافيزيقا وعجزت عن التفرقة بين «الغير» و»الآخر».
وبخصوص الفصل الثالث»فلسطين أو الوعي الشقي»، فقد ركز على المساهمة الفكرية للمفكر عبد الكبير الخطيبي بخصوص فلسطين وذلك من خلال مؤلفيــــــــــــه Vomitoblanco وLe même livre. في المؤلف الأول، انتقد الخطيبي بشدة الطروحات الغربية بخصوص فلسطين ومنها مواقف اليسار الفرنسي والمفكرين الغربيين من بينهم جون بول سارتر الذي خصص له الخطيبي فصلا كاملا تحت عنوان «دموع سارتر» يعاتبه بشدة على صمته المخجل تجاه فلسطين والفلسطينيين. أما المؤلف الثاني الذي هو عبارة عن مراسلات بينه وبين المفكر اليهودي المصري جاك حسون،فقد انصب حول مواضيع مختلفة من بينها الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث قام الخطيبي بانتقاد اسرائيل على شناعة ما ترتكبه من تقتيل وذبح وتهجير في حق الفلسطينيين، وفي الآن نفسه دعا إلى سلم يجمع اليهود والفلسطينيين باعتبار أنهم ينتمون إلى نفس الأصل الإبراهيمي.
أما الفصل الرابع «سياسات الهوية في كتابات الخطيبي: رواية «الذاكرة الموشومة» نموذجا»، فقد تطرق إلى أهم تجليات «الأنا» و»الآخر» في السيرة الذاتية «الذاكرة الموشومة» (1971). استعملت هذه الدراسة منهج «النقد المزدوج» الذي ابتكره عبد الكبير الخطيبي، وهو منهج يتأسس حول مهمتين أساسيتين: أولاهما تفكيك الميتافيزيقا العربية والإسلامية، وثانيهما نقد الميتافيزيقا والفكر الغربيين. أظهرت الدراسة أن «الأنا» و»الآخر» يحملان سمات وخصائص البعض منها إيجابي والآخر سلبي. انطلاقا مما سبق، أوضحت الدراسة أن الخطيبي يقترح «فكرا مغايرا»، لا هو فكر يعبد بطريقة متحجرة وغير منطقية «الأنا» ممثلة في الفكر العربي والإسلامي، ولا هو فكر يرتمي في أحضان الميتافيزيقا الغربية بشكل غير مدروس بطريقة علمية.
«الفكر المغاير» الذي يقترحه الخطيبي فكر لا يرفض أيضا «الأنا» بصفة كلية ولا يلغي «الآخر» بطريقة متعصبة كما نادى بذلك فرانز فانون لأن هذا «الآخر» «يوجد فينا» كما يؤكد على ذلك الخطيبي. على العكس من ذلك، أوضحت هذه الدراسة أن هذا «الفكر المغاير» الذي ينادي به عبد الكبير الخطيبي يهدف إلى خلق حوار عقلاني ونقدي مع «الأنا» و»الآخر».
في ما يتعلق بالفصل الخامس «إشكاليات الصداقة والتفكيك واللغة» فقد تمحور حول فكر الاختلاف الذي يندرج ضمنه مشروعا الخطيبي ودريدا. وفي هذا السياق، تناول الفصل مفهوم التفكيك وإشكالية اللغة بين الخطيبي ودريدا، ثم أيضا سمات الصداقة الإنسانية والفكرية التي تجمع بين مفكرين يكتبان باللغة الفرنسية.
لقد شكل رولان بارت (12 نونبر 1915- 26 مارس 1980) ومشروعه النقدي خاصة في مجال السيميائيات أحد أهم المرجعيات في مسار الأديب والمفكر عبد الكبير الخطيبي. ورافقه هذا المشروع في فترات عديدة في حياته بدءا من مرحلة الدراسة خاصة خلال مرحلته الجامعية بجامعة السوربون بباريس الفرنسية إلى غاية تثبيت اسمه كباحث متميز تجاوز صيته الحدود الجغرافية. وأصبحت مشاريعه وأعماله الفكرية، النقدية والإبداعية مادة للدراسة والبحث في العديد من الجامعات والمعاهد العربية والدولية وترجمت وما زالت تترجم أعماله إلى اللغة العربية واللغة الإنجليزية تحديدا. وبالتالي، فقد خصص الفصل السادس «أهمية الدرس السيميائي» لتحليل مدى استفادة عبد الكبير الخطيبي من الدرس السيميائي كما حدده رولان بارت. فبالسيميائيات نجح الخطيبي في اقتحام عدة علامات ومجالات مثل الوشم، الأمثال، الخط، الحكاية، الأدب الشفوي، الصورة، الموسيقى الفن التشكيلي. وقد تناول الفصل أيضا بعض معالم التجديد الذي قام به عبد الكبير الخطيبي في مجال السيميائيات خصوصا من خلال مؤلفه«La Blessure du nom propre» (الاسم العربي الجريح). في هذا العمل الذي اشتغل فيه الخطيبي على الوشم، الأمثال المغربية، الرسم الخطي، الحكاية، بلاغة الجماع وغيرها من المواضيع، استعمل الخطيبي منهجا رصينا يتمثل في منهج «التداخل الدلائلي» «Intersémiotique». اجتهاد الخطيبي في مجال النقد وفي حقل السيميائيات تحديدا سيجعل رولان بارت كما هو معروف ينسج شهادة قوية تعبر عن التقدير الكبير الذي يكنه له ولمجهوده العلمي الرصين.
«الناسخ وظلاله» ..الخطيبي وأسئلة الذات والذاكرة والصداقة والهوية

بتاريخ : 10/05/2025