الناقدة حورية الخمليشي تحاضر في الشعرية العربية

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم الثلاثاء 5 مارس 2024 بمدرج الشريف الإدريسي، الحلقة الثانية من سلسلة المحاضرات العلمية التي يشرف عليها ماستر «سرديات الأنساق الرمزية والثقافية والسيميولوجية»، وألقت خلالها الدكتورة حورية الخمليشي محاضرة في موضوع: «الشعر العربي الحديث: نحو شعرية مفتوحة».
افتتح الدكتور المعتمد الخراز اللقاء بكلمة أكد فيها أن هذه السلسلة من المحاضرات تروم فتح أفق علمي جديد داخل الكلية، من خلال استدعاء كتاب ونقاد وباحثين قادمين من مجالات معرفية مختلفة، قصد إلقاء محاضرات يعرضون فيها ما استجد في مجالات اشتغالهم، وما انتهت إليه حفرياتهم فيها، كما أكد أن اختيار الدكتورة الخمليشي لإلقاء محاضرتها، يرجع لسببين، أولهما، الاحتفاء باليوم العالمي للشعر الذي يزامن شهر مارس من كل سنة، وثانيهما يتمثل في كون الخمليشي تمثل صوتا نقديا متميزا، في المغرب والعالم العربي، وهو ما تشهد عليه مؤلفاتها ودراساتها الكثيرة التي نشرتها، وأصبحت مرجعا أساسا للولوج إلى الشعرية العربية الحديثة. كما ألقيت كلمتان ترحيبيتان؛ باسم شعبة اللغة العربية وآدابها ألقاها الدكتور منور بوبكر، والثانية باسم الماستر ألقتها الدكتورة طامو آيت مبارك.
بعد ذلك ألقت الدكتورة حورية الخمليشي مداخلتها الموسومة بـ: «الشعر العربي الحديث: نحو شعرية مفتوحة»، حيث أكدت فيها أن الحديث عن بدايات الحداثة، يكتنفه الكثير من الغموض، نظرا لغياب تاريخ محدد لبدايتها، بسبب تداخل الحقب الزمانية، وهو ما يجعل الحداثة حركة إبداعية مواكبة للحياة في تطورها، ولا تقتصر على زمن محدد دون آخر،لأن تغير الحياة وتقلباتها يغير نظرتنا إلى العديد من الأشياء، وهو ما استدلت عليه المحاضرة من خلال الشعرية العربية التي عرفت تحولات مع الحركة الرومانسية ثم مع رواد الشعر الحر الذين عمدوا إلى تكسير بنية الأشكال التقليديّة، وبلوَرة تصوّر حديث ومعاصر لبنية نصيّة قائمة على سرْدَنة الشعر وبصريّة القصيدة المنفتحة على الفنون التشكيليّة والمسرحيّة والسينمائيّة والموسيقيّة وغيرها.
ومن خلال حفريات في أسباب هذه التحولات الشعرية العربية، اعتبرت الخمليشي أن التأثير الغربي كان له أثر كبيرٌ في انفتاح الشعر العربي على الفنون، كما كان لفلسفة التنوير الأوروبيّة دور كبير في انفتاح الشعر العربي على أفكار الحداثة، بالإضافة إلى تطوُّر المناهج والنّظريّات، التي جعلت الجهاز القرائي للمتلقي غير قادر على استيعاب هذا الوعي الجديد بالشعر.
وحول تلقي النص الشعري الحديث، الذي أضحى منفتحا على مختلف الفنون، ذهبت الخمليشي إلى أن «القراءة العاشقة»لم تعد كافية لقراءة القصيدة، بل نحتاج إلى قراءة عالمة مبدعة، تركز على التلقي عبر ثقافة العين إلى جانب ثقافة الأذن، وعلى الثقافة والمعرفة.
وتعرضت الدكتور الخمليشي في محاضرتها لمشروعها النقدي، الذي اعتبرته دفاعا عن الشعرية العربية المفتوحة في الشعر العربي الحديث، وهو ما تجلى في كتابها»الشعر المنثور والتحديث الشعري» الذي اعتبرته اللّبنة الأولى في مشروعها، فهو كتابٌ يؤرّخ لمفهوم «الشعر المنثور» الذي جاء مواكبًا لحركة التحديث الشعري التي عرفها الشعر العربي الحديث كجنس شعري بديل لم يحظ باهتمام كبير في عالمنا العربي، وإعادة النظر فيه علميًّا وأدبيًّا.
أما المحطة الثانية من مشروعها فتتمثل في كتابها «الكتابة والأجناس» الذي ولجت فيه شعريّة الانفتاح في الشعر العربي الحديث بأُفُق استكشافي جديد، من خلال البيانات الشعريّة ومفهوم «الكتابة الجديدة»، التي دعا لها أدونيس، وإثارة السؤال الجمالي المتعلّق بعلاقة الشعر بالفنّ. أما كتابها «الشعر والغناء وترسيخ الثقافة الكونيّة» فاعتبرته انفتاحا على روائع القصائد المغنّاة، فهو دراسة وعملٌ أنطولوجي يضمّ أكثر من مائتيْ أغنيّة من عصور مختلفة ممتدّة من العصر الجاهلي والأموي والعباسي وصولاً إلى العصر الحاضر، سواء باللغة العربيّة الفصحى أو اللغة العامية.
وانفتحت الخمليشي في كتابها «الشعر وأنسنة العالم» على البعد الإنساني للشعر، حيث اعتبرت الشّعر دعوة للسّلام وللمحبّة الإنسانيّة، اللذين يمثلان رَدّ فِعْل معاكس للحرب التي لا مهزوم فيها سوى القِيم الإنسانيّة.
ويأتي كتابها الأخير «تواشجات الشعري والفني في الشعر العربي الحديث» مغامرة لتقديم قراءة جديدة موَسّعة للشعر العربي الحديث بهدف اكتشاف العوالم المتشابكة بين الشعر والفن، أي بين فنّيْن مختلفيْن متجاوريْن، وخاصّة التّواشجات النّسقيّة في تناول النص الشعري وعلاقته بالفنون المجاورة ضمن مشروع ثقافي مُنفتح على مشاريع مستقبليّة بالانفتاح على الفلسفة، والفنون التشكيليّة بألوانها المختلفة.
وقد عرفت المحاضرة تفاعلا كبيرا بين المحاضرة والباحثين، كما توج اللقاء بتسليم درع الكلية للدكتورة حورية الخمليشي وشهادة تقديرية، سلمهما كل من الشاعر المغربي محمد بنطلحة، ومنسق ماستر «سرديات الأنساق الرمزية والثقافية والسيميولوجية» الدكتور والأكاديمي محمد الداهي، والدكتور محمد خريصي.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 02/04/2024