الناقد والمترجم محمد آيت لعميم: مشروعي النقدي يتأسس على التأويل والقراءة على الناقد أن يبحث عن صوته الخاص بإغناء مرجعياته

كيف يمكن للناقد أن يخلق صوته الخاص داخل المشهد النقدي العام دون أن ينساق وراء القراءات العامة المشتركة والمكرورة ؟ وما هو دور الروافد الفكرية والمرجعيات في إغناء القراءة النقدية؟
تلكم بعض الأسئلة والقضايا التي أضاءها الناقد والمترجم المغربي محمد أيت لعميم ضيف برنامج «مدارات» يوم السبت 24 اكتوبر الجاري، الذي يعده ويقدمه الزميل عبد الاذاعة التهاني بالاذاعة الوطنية.

 

الناقد: المرجعية والروافد
يعتبر الناقد محمد آيت لعميم أن اتجاهه الى مسالك النقد أملاه ميله المبكر الى الدراسات الأدبية وهو الميل الذي تعمق بولوجه الى الجامعة بعد تمرسه واحتكاكه، من خلال الأطاريح والبحوث، بعوالم النقد الذي كانت الجامعة المغربية في الثمانينات تشجع على الخوض فيه، إلا أ»ن صاحب « بورخيس صانع المتاهات» وقصيدة النثر في مديح اللبس» لا يقيم حدودا صارمة بين النقد والإبداع بل يصر على اعتبار النقد شكلا آخر من الإبداع ، كونه يصبو الى تقديم قراءات لا تنساق وراء الأفكار العامة والمشتركة بل نقد يبحث فيه الناقد عن صوته الخاص، وبصمته المتفردة داخل المشهد النقدي، مقدما مثالا بالناقد عبد الفتاح كيليطو الذي أرسى توجها نقديا مغايرا قطع مع مقولة «الناقد مبدع فاشل « لأنه يسهم في الإبداع الأدبي بطرق مختلفة.
هذا الناقد لا يتصوره مؤلف «بورخيس أسطورة الأدب»، إلا ملما بالثقافات وبتاريخ الابداع من أجل قراءة أعمق للنصوص التي يشتغل عليها، سواء كانت إنتاجا أدبيا خالصا أو نصوصا تراثية، لذا يحرص آيت لعميم على حضور المرجعية القديمة لأنها كانت دوما حاسمة في خلق أسماء بارزة في ساحة الابداع في كل الجغرافيات.. مرجعية تتم العودة إليها من أجل تسليط الضوء عليها من خلال إعمال الفكر النقدي الحديث لما فيها من إغناء للجانبين، حيث يُمكّن تسليط التفكير النقدي الحديث على التراث من إغنائه وبالمقابل يختبر التراث، أيضا، قوة هذا الفكر الجديد .
في هذا السياق أكد آيت لعميم أن كل من سلكوا هذا المنهج، أسسوا لتصورات جديدة في الكتابة النقدية، مقدما المثال ببورخيس الذي بنى كل مجده الأدبي من خلال العودة الى التراث الإنساني العالمي، واستطاع بذلك أن يؤسس لنمط جديد في الكتابة.
إن العودة إلى المرجعيات القديمة لا تتم حسب مترجم كتاب «المترجم كاتب الظل» لكارلوس باتيستا، إلا بالتعامل المباشر معها دون وسائط، بل بقراءتها في ذاتها لاكتشاف الجديد وغير المطروق فيها ممن قرأوها من قبل.

بين بورخيس والمتنبي

المتتبع للمشروع النقدي لمحمد آيت لعميم لابد أن يستوقفه الاهتمام الذي‮ ‬أولاه لشخصيتين أدبيتين‮: لويس ‬بورخيس الذي‮ ‬خصه بالكتابين السالفي‮ ‬الذكر وأبوالطيب المتنبي‮ ‬شاعر العرب‮. ‬اهتمام‮ ‬يرجعه آيت لعميم، في‮ ‬ما‮ ‬يخص بورخيس، لإحساسه بأن هذا الأخير‮ ‬يحمل بعضا من روح الجاحظ والمعري،‮ ‬منذ أول كتاب قرأه له‮ «‬conférence‮» قبل أن يبحر في عوالمه من خلال الترجمات الرائقة التي كان يقوم بها الكاتب والمترجم إبراهيم الخطيب لأعمال بورخيس، وقبل أن‮ ‬يلتقي‮ ‬بزوجته ماريا كوداما بمراكش التي‮ ‬شجعته على الكتابة عن بورخيس، مادفعه إلى إجراء حوار معها حول بعض الخفايا في‮ ‬شخصيته وعن بعض الحميميات التي‮ ‬لا‮ ‬يعرفها قراؤه، وهو ما توّجه بإصدار لكتابيه‮ ‬»بورخيس صانع المتاهات‮» ‬و‮»‬بورخيس أسطورة الأدب‮».‬
لا‮ ‬يخفي‮ ‬صاحب‮ «المتنبي‮: ‬الروح القلقة والترحال الأبدي» ‬إعجابه بالشاعر أبي‮ ‬الطيب المتنبي،‮ ‬معتبرا أن شعره لايزال‮ ‬يستمد راهنيته اليوم مما‮ ‬تعيشه الأمة العربية من اندحار وتأخر،‮ ‬وكونه ظاهرة كونية لأنه استطاع أن‮ ‬يعبر عن رؤية العالم للعرب بماضيهم ومستقبلهم، وهو ما جعله ضمير العرب وصوتهم لأن الأمم دائما تختار الأديب الذي‮ ‬يكتب ضدها من أجل أن تتجاوز أعطابها، وهي‮ ‬القسوة التي‮ ‬كانت تلمس في‮ ‬شعر المتنبي‮ ‬سواء في‮ ‬لحظات الانتصار أو الانكسار‮.‬

‬الترجمة‮: ‬تأويل وقراءة

لا‮ ‬يترجم صاحب‮ «‬الصور والشظايا في‮ ‬القرآن‮» بالاشتراك مع المترجم والكاتب الفرنسي‮ ‬ميشال أورسيل، تحت الطلب،‮ ‬بل إن الترجمة عنده ترتبط بمشروع‮ ‬يقرأه ويمارسه كتمرين‮ ‬يروم نقل ثقافة من حاضنة إلى حاضنة أخرى مغايرة،‮ ‬وكوسيلة لتجويد الكتابة والأسلوب،‮ ‬مؤكدا أن المترجم‮ ‬يتعامل مع أنساق لغوية أخرى من الطبيعي‮ ‬أن تُستضمر داخل عملية الكتابة،‮ ‬مضيفا أنه لا‮ ‬يترجم إلا ما‮ ‬يدخل ضمن مشروعه وهو التأويل والقراءة، وهو ما دفعه إلى ترجمة كتاب‮ «القراءة‮» ‬لأنه كتاب‮ ‬يفتح له آفاق البحث عن إجابة كانت تلح أسئلتها عليه وهي‮: ‬كيف نقرأ الآداب والتراث؟، كما أن اهتمامه بالإشكالات التي‮ ‬تطرحها الترجمة دفعه إلى ترجمة كتاب‮ «المترجم كاتب الظل» ‬لاقتناعه بأن الكتاب‮ ‬يجيب عن سؤال جوهري‮: ‬لماذا نترجم؟ مؤكدا أن الإجابة عن هذا السؤال تتلخص في‮ ‬أن الدافع للترجمة هو الإمساك بالأسرار والرغبة في‮ ‬اقتحام الصيغ‮ ‬الحاسمة، ولأن المترجم ‬يجد متعة في‮ ‬نقل الصدمة التي‮ ‬يتلقاها من العمل الأصلي‮ ‬في‮ ‬لغتنا ليخلص إلى أن المترجم‮ ‬يكسر الصمت الذي‮ ‬يفصل بين الشعوب واللغات‮.‬
إن الترجمة كونها أداة وآلية فعالة في‮ ‬عملية المثاقفة،‮ ‬لا تقف عند المشترك الأدبي‮ ‬والعلمي،‮ ‬بل تتجاوز إلى الانتقال إلى المقدس،‮ ‬وهي‮ ‬تجربة خاضها المترجم والكاتب آيت لعميم،‮ ‬حين قام بترجمة سور وآيات من القرآن الكريم إلى الفرنسية مع المترجم ميشال أورسيل،‮ ‬من خلال توجه مدروس من المترجميْن إذ جاء الاختيار على سورة وآيات تبرز سماحة الإسلام وكونيته،‮ ‬وفيها رحابة عالمية خاصة،‮ ‬يضيف، في‮ ‬سياق عالمي‮ ‬متوتر تغذيه الإسلاموفوبيا‮.‬
هذه الترجمة التي‮ ‬طبعت بفرنسا تضمنت مقدمة تنتقد كل الترجمات المغرضة السابقة التي‮ ‬عمدت إلى تحريف المعاني أو حصل فيها سوء فهم،‮ ‬إذا كان الرهان حسب آيت لعميم هو تقديم ترجمة تحافظ على المعنى وعلى نوع من الشعرية والأدب لتحقيق جمالية أكثر للموازنة بين صحة المعنى والدلالة، وضمان ماء الأدب في‮ ‬الترجمة‮.
اللقاء تطرق أيضا الى دور المدرسة العمومية في تعزيز الفعل القرائي، والى المواقف التي صاحبت ظهور قصيدة النثر والممانعات التي صاحبت هذا الظهور.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 27/10/2020