«النخبة الإسرائيلية الجديدة» للأكاديمي صالح النعامي : كتاب يرصد تغلغل التيار الديني داخل مراكز القرار

شهدت العقود الأربعة الاخيرة تحولات كبيرة على واقع النخبة الإسرائيلية، تمثلت بالأساس في صعود أتباع التيار الديني القومي، وبلوغ أتباعه مراكز القرار والنفوذ، مما سمح بتأثير قوي لهذا التيار يفوق تمثيله السكاني وثقله السياسي المباشر.
هذا التمثيل تضاعف داخل النخبة السياسية والعسكرية والقضائية والأكاديمية والثقافية، في حين تراجع تمثيل أتباع التيار العلماني الغربي الذي ظل على مدى ثلاثة عقود يحتكر الحصة الأكبر في هذه النخب.

 

يتناول كتاب «النخبة الإسرائيلية الجديدة»، لمؤلفه الباحث والأكاديمي الفلسطيني، الخبير بالشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، والصادر هذا الشهر في صيغة رقمية، تنامي حضور أتباع التيار الديني الإسرائيلي، موضحا أن هذا التطور لم يكن نتيجة تحولات موضوعية ناجمة عن تداول السلطة، أو أملته السمات العامة للمجتمع، بل إنه تجسيد لمخططات وضعها ونفذها هذا التيار بهدف مراكمة النفوذ والتأثير داخل المجتمع والدولة
ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول:
الفصل الأول: الدراسات السابقة والإطار المفاهيمي
الفصل الثاني: النخبة الإسرائيلية القديمة
الفصل الثالث: النخبة الشرقية
الفصل الرابع: صعود نخب التيار الديني القومي
الفصل الخامس: تداعيات بروز النخبة الاسرائيلية الجديدة.
يرصد الكاتب في هذا الكتاب كيف تحولت موازين القوى داخل النخبة الاسرائيلية انطلاقا من1977 الى سنة 2018، لصالح التيار الديني القومي خاصة داخل التنظيمات والهياكل السياسية والقضائية والإعلامية .
بعد أن ظلوا على مدى ثلاثة عقود يعيشون على هامش المجتمع، (ص43) وبعد أن ظلت النخب العلمانية الغربية تحتكر السلطة بسبب تأثير العامل الديمقراطي الذي كان يمكنها من اكتساح الانتخابات، استطاع التيار الديني القومي ان يتحول الى رقم أساسي ضمن معادلة النخب الاسرائيلية.
في هذا الصدد يقول النعامي «حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان العلمانيون من أصول غربية هم الذين يهيمنون على النخب السياسية والعسكرية والإعلامية والقضائية والأكاديمية في إسرائيل»، (ص5 ) ويردف «منذ ذلك الوقت حدث تحولان رئيسيان على اتجاهات تشكل النخبة في إسرائيل، تمثلا في صعود أتباع التيار الديني القومي، واليهود من أصول شرقية، وحيازتهما الكثير من مواطن التأثير والنفوذ في الدولة والمجتمع».
ففي قطاع التعليم، وعكس التعليم العام الذي يشرف عليه العلمانيون، فإن التعليم الديني الرسمي يحظى باستقلالية تامة من حيث المناهج والمضامين التعليمية والإدارة، إذ تشرف عليه نخب دينية ما جعل هذه المؤسسات حاضنة لإعداد نخب المستقبل (ص46).
أما في الجيش وبعد أن سيطر العلمانيون منذ 1948 على المواقع القيادية في الجيش، فإن الأزمة المالية التي عصفت في منتصف الثمانينات بإسرائيل أدت الى تراجع الإقبال على التطوع للتجنيد ، خاصة وسط أبناء العلمانيين وهو الفراغ الذي استغلته المرجعيات الروحية للتيار الديني لتوجه أتباعها للانخراط في الوحدات القتالية لاختراق المستويات القيادية العسكرية، انطلاقا من «فهم فقهي وقناعات دينية متجذرة» مؤداه ن القتال «فريضة شرعية لاستعادة أرض إسرائيل كلها».( ص:63).
النخبة القضائية: الى حدود التسعينات كان تمثيل التيار القومي بسلك لقضاء أقل من وزنه الجغرافي، ونادرا ما تولى أتباعه القضاء في محاكم الصلح، لكن في العقدين الأخيرين حصل تحول جذري حيث سيتم اختيار ثلاثة قضاة ضمن قضاء المحكمة العليا (2016)، بالإضافة الى شغلهم مناصب قضائية رغم تدخل خلفياتهم الدينية والإيديولوجية وتأثيرها على إصدار الأحكام.
داخل النخبة الثقافية، تغلغل هذا التيار عن طريق التركيز في البداية على قطاعي الغناء والمسرح للترويج لأفكاره، خاصة حول الصراع العربي – الاسرائيلي والصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. هذا التغلغل سيتعزز أكثر بعد تعيين وزيرة الثقافة الحالية ميري ريغف. (ص:86).
على المستوى الإعلامي اتبع التيار الديني نفس الاستراتيجية، هو الذي كان الى حدود 1987 لا يهتم بهذا المجال قبل أن يسمح الائتلاف الحكومي في العقود الثلاثة الاخيرة ، وبحكم ضمه لأحزاب وحركات دينية، بامتلاك وسائل إعلام خاصة لهذا التيار وأخرى ممولة من الكيان الاسرائيلي. وقد لعب الرأسمال اليهودي الأمريكي دورا مهما في اختراق الفضاء الإعلامي.
في هذا الإطار يقدم الكتاب نماذج لهذا الدعم بالملياردير شيلدون أدلسون الذي أسس صحيفة «يسرائيل هيوم» سنة 2007 التي استقطبت عددا من نخب التيار الديني القومي، ومثالا آخر بـ»قناة 20» التي أسسها رجل الاعمال اليهودي إسحاق مورشفيلي والتي حظيت بدعم مباشر من ئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. هذه القناة رغم تخصصها في برامج التراث والتقاليد إلا أنه بمجرد انطلاقها شرعت في بث برامج ذات طابع سياسي وإيديولوجي قبل أن يتم اختيارها لنقل وقائع جلسات البرلمان الاسرائيلي في 2017، ليتم بعد ذلك اختراق المؤسسات الإعلامية الرسمية.(81-82-83).
اعتمد هذا التيار، لتعميق نفوذه داخل مفاصل «الدولة» على آلية حديثة للتأثير وتتمثل في مراكز التفكير التي أصبح لها دور مهم في تشكيل وتوجيه الرأي العام ومن ثمة توجيه القرار السياسي: مركز بيغن للدراسات الاستراتيجية، مركز أورشليم لدراسة المجتمع والدولة، مركز الاستراتيجية الصهيونية وجل المشرفين على هذه المراكز، إما جنرالات أو ضباط سابقون في الاستخبارات(ص79).
يربط الكاتب تزايد تأثير هذا التيار بتراجع العلمانية كتوجه ثقافي وايديولوجي، حيث كان أغلبية اليهود العلمانيين ينتمون بشكل خاص الى التيارات الاشتراكية في حين لا تتعدى نسبتهم اليوم 40 بالمائة، كما ساهم تراجع عدائهم للقيم الدينية في إضفاء شرعية على توجه هذا التيار الى الفضاءات العامة للعمل السياسي والثقافي (ص49).
هذا الموقع المتقدم ضمن نسيج النخبة، سيمكن التيار الديني من فرض تصوره ورؤيته حول طبيعة علاقة الدولة بالدين، وتوظيف هذه العلاقة للتأثير على الرأي العام وتقليص أية فرص لتسوية الصراع مع الفلسطينيين ومع العالم العربي،باعتبار أن التيار الديني المتنفِّذ في مكامن صنع القرار يجاهر برفضه لقيم «الديمقراطية» و»التعددية» إذا تناقضت مع قيمه الدينية، وأنه بسبب مواقفه الأيديولوجية ورؤاه الفقهية، ومن خلال تعاظم تمثيله في النخبة السياسية والعسكرية، فإن فرص التوصل لتسوية سياسية للصراع سوف تتقلص بشكل كبير (ص93-99)، وهو ما يستوجب-بحسب المؤلف- من صنّاع القرار والنخب والرأي العام في العالم العربي أخذه بعين الاعتبار عند مقاربة العلاقة مع إسرائيل.
من جانب آخر، يسمح الوقوف على تداعيات تغلغل التيار الديني القومي داخل النخبة السياسية الإسرائيلية ببناء تصورات إزاء مستقبل سياسات إسرائيل الإقليمية والخارجية، وتحديدا في كل ما يتعلق بعلاقتها مع العالم العربي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 15/10/2020