لم يكن وقوف النساء السلاليات في وجه الأعراف المتجذرة منذ زمن أمرا يسيرا، بل واجهن عراقيل متعددة حرمتهن من التمتع بحقهن في الاستفادة من الأراضي الجماعية من قبيل رفض بعض نواب الجماعات السلالية إدراج النساء ضمن لوائح ذوي الحقوق.
لقد كانت الأعراف السائدة لدى الجماعات السلالية تؤدي إلى حرمان الإناث من التمتع بالحقوق التي يخولها لهن الانتماء إلى جماعتهن كما هو الشأن بالنسبة للذكور، الشيء الذي أدى إلى ظهور مطالبات بوضع حد لهذه الوضعية.
وفي سبيل تحقيق المساواة والتمتع بحقوقهن، انتظمت النساء في إطار “الحركة المطلبية للنساء السلاليات” من أجل استرجاع الثقة ومواجهة كل أشكال الإقصاء والتهميش الذي يطال هذه الفئة، وكذا لرفع صوتهن عاليا مطالبين بتكريس الحقوق ورفع الحيف الذي طالهن.
وقد أثمر مجهودهن، بدعم الحركات النسائية بالمغرب، عن تحقيق الاعتراف بهن كذوات حقوق في الأراضي الجماعية عبر الإقرار بحقهن، كما الرجال، في الانتفاع من الأراضي الجماعية على قدم المساواة.
وهكذا، واستجابة لهاته المطالب وانسجاما مع التوجه العام إلى إلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء، فقد اتخذت مصالح وزارة الداخلية الوصية على الجماعات السلالية مبادرات في هذا الشأن تتجلى بالخصوص في الدورية رقم 60 بتاريخ 25 أكتوبر 2010 التي تم تعميمها على عمالات وأقاليم المملكة تحث على تمكين النساء السلاليات من الاستفادة من التعويضات العينية والمادية الناتجة عن المعاملات العقارية التي تعرفها أراضي الجماعات السلالية عن طريق الكراء أو التفويت أو الشراكة، وذلك إسوة بأعضاء الجماعة الرجال.كما تم إصدار الدورية الوزارية رقم 17 بتاريخ 30 مارس 2012 تدعو إلى استفادة النساء السلاليات من حق الانتفاع من أراضي الجماعات السلالية موضوع تقسيمات جديدة لتمكين النساء السلاليات من طرف مجلس الوصاية من نصيبهن في الانتفاع بأراضي الجماعات السلالية بعد وفاة موروثهن.
وسيتعزز هذا التوجه أكثر مع مصادقة البرلمان في سنة 2019 على ثلاثة قوانين جديدة تتعلق بالجماعات السلالية وتدبير أملاكها، لاسيما القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، وهو ما شكل لحظة فارقة في مسار تكريس المساواة للنساء السلاليات.
وقد أكد القانون المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، على سمو القانون على الأعراف السائدة، كما نص صراحة في عدة مواد منه على المساواة بين الذكور والإناث أعضاء الجماعة السلالية، سواء في ما يخص العضوية في الجماعة أو الاستفادة من أملاكها، أو إمكانية تحمل مسؤولية تمثيل الجماعة من خلال الترشح لمهام نائب الجماعة السلالية.
وفي هذا السياق، تنص المادة السادسة من القانون أنه ” يتمتع أعضاء الجماعات السلالية، ذكورا وإناثا، بالانتفاع بأملاك الجماعة التي ينتمون إليها، وفق التوزيع الذي تقوم به جماعة النواب المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون. ولا يخول لهم هذا الانتفاع إلا الاستغلال الشخصي والمباشر للأملاك المذكورة”.
أما المادة التاسعة فجاء فيها ” تختار الجماعة السلالية من بين أعضائها المتمتعين بحقوقهم المدنية، ذكورا وإناثا، نوابا عنها يكونون جماعة النواب من أجل تمثيل الجماعة السلالية أمام المحاكم والإدارات والأغيار، والقيام بالتصرفات القانونية التي تهم الجماعة “.
كما أكدت المادة 16 على أن توزيع الانتفاع بأراضي الجماعات السلالية، يتم من طرف جماعة النواب، بين أعضاء الجماعة، ذكورا وإناثا، وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي.
إن الإصلاح القانوني المتعلق بالجماعات السلالية جاء بناء على تراكمات ويستمد أسسه من روح الدستور، باعتباره القانون الأسمى للمملكة، الذي يؤكد صراحة على المساواة والمناصفة بين الجنسين.
وقد جاء أيضا لتكريس التقدم الملموس الذي حققته المملكة خلال العقدين الأخيرين في مجال تعزيز حقوق النساء وتحسين وضعيتهن، سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أو على مستوى الحريات والحقوق، خاصة من خلال عدد من الإصلاحات وعلى رأسها دستور 2011 الذي نص على المساواة في الحقوق والواجبات وحظر جميع أشكال التمييز التي قد تعيق هذه المساواة، ومنها تلك المبنية على الجنس، كما كرس خيار تعزيز حقوق النساء باعتبار النهوض بأوضاعهن شرط لتحقيق أي تنمية.
وقد نهج المغرب دينامية جديدة تماشيا مع التطور الذي يعرفه مجال حقوق النساء لتمكين النساء السلاليات من التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال من أفراد الجماعات السلالية وتسهيل ولوجهن إلى الموارد الاقتصادية والاستفادة من العائدات المادية والعينية التي تحصل عليها هذه الجماعات إثر العمليات العقارية التي تجري على بعض الأراضي الجماعية.
ومن دون شك فإن تكريس مساواة النساء السلاليات سيدفعهن إلى توجيه جهودهن نحو تعزيز تمكينهن الاقتصادي والمساهمة في التنمية المحلية، لاسيما عبر الاستفادة من عملية تمليك أراضي الجموع التي أصبحت لها أهمية اقتصادية كبرى من شأنها أن تساهم بشكل جلي في عملية التمكين هاته.