تمثل التغيرات المناخية تحديا عالميا عابرا للحدود الجغرافية والسياسية، يلقي بظلاله على كافة جوانب الحياة. ومع ذلك، فإن أثر هذه الأزمة لا يتوزع بالتساوي، إذ تتحمل الفئات الأكثر هشاشة العبء الأكبر، وعلى رأسها النساء. ومع تفاقم الظواهر المناخية مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، باتت الحاجة إلى تبني سياسات عادلة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجندرية لهذه الأزمة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.
إن تناول قضية التغيرات المناخية من منظور العدالة المناخية لا يعني فقط معالجة الأضرار البيئية، بل يستوجب أيضًا التطرق إلى الأبعاد الحقوقية والاجتماعية التي تمس النساء بشكل خاص. فهن لسن فقط ضحايا للتغيرات المناخية، بل أيضًا فاعلات رئيسيات في مواجهتها، ما يستدعي إقرار سياسات شاملة تتيح لهن المساهمة الفعالة في إيجاد حلول مستدامة.
في هذا السياق تسعى منظمة النساء الاتحاديات في المغرب، كذراع نسوي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى تعزيز دور النساء في بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة، وهو ما يتجلى من خلال مبادراتها في مواجهة الأزمات المتعددة، وعلى رأسها التغيرات المناخية. تتجلى هذه الجهود في تنظيم حملات توعوية وتقديم برامج تنموية تستهدف النساء في المناطق القروية والمهمشة، حيث تكون تأثيرات التغيرات المناخية أكثر حدّة ووضوحًا.
لكن، ورغم هذه الجهود، تواجه المنظمة تحديات جمة، تتراوح بين استمرار التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، التي تفاقم هشاشة النساء، وبين السياسات النيوليبرالية التي تؤدي إلى تقليص الدعم الموجه للفئات الأكثر تضررًا. ومع ذلك، تظل المنظمة ملتزمة بإيجاد حلول مستدامة تسهم في تعزيز دور النساء في مقاومة هذه التحديات وفي صياغة مستقبل أفضل.
النساء والتغيرات المناخية: من الهشاشة إلى التأثير
تظهر التجارب التاريخية قدرة النساء على التكيف مع الظروف الصعبة، وخاصة في مواجهة الأزمات البيئية والمناخية. إلا أن التأقلم وحده لم يعد كافيًا أمام حجم الكارثة المناخية الراهنة. فالاحتباس الحراري وارتفاع مستوى البحار وتزايد الكوارث الطبيعية يتطلب عدالة مناخية تشمل النساء كأحد محاور الحل الأساسية.
في المجتمعات القروية بإفريقيا وآسيا، على سبيل المثال، تعتمد النساء بشكل كبير على الموارد الطبيعية لإعالة أسرهن، مما يجعلهن الأكثر تأثرًا بندرة المياه أو تدهور الأراضي الزراعية. فالجفاف أو الفيضانات، مثلا، لا يدمران سبل العيش التقليدية، فحسب، بل يؤديان أيضًا إلى موجات من الهجرة القسرية، مما يعمق معاناتهن ويضعهن في مواجهة مخاطر إضافية كالاستغلال والعنف.
تقاطع الأزمات المناخية مع قضايا النزاعات والهجرة
تتداخل أزمة التغيرات المناخية مع أزمات أخرى مثل النزاعات المسلحة والفقر والهجرة غير النظامية. في مناطق النزاعات، تعاني النساء من مضاعفات مزدوجة، بدءًا من فقدان الموارد الأساسية إلى الاعتداءات الجسدية والنفسية والجنسية. ولعل الوضع في فلسطين يمثل حالة مأساوية متفردة، حيث تعاني النساء الفلسطينيات من الاحتلال الإسرائيلي المستمر وما يفرضه من تجويع وتهجير وتدمير للبنية التحتية.
إضافة إلى ذلك، فإن النزاعات المناخية مثل ندرة المياه وتدهور الأراضي الزراعية تؤدي إلى تصاعد التوترات في المناطق المتأثرة، مما يعزز من احتمالية اندلاع نزاعات جديدة، وخاصة في المناطق ذات التنوع الثقافي أو الديني. فهذا التداخل بين الأزمات يتطلب منا رؤية شمولية تعالج جذور المشكلات، بدلاً من الاكتفاء بإدارة عواقبها.
النساء كفاعلات في الحلول المناخية
رغم الأعباء المتزايدة التي تتحملها النساء، إلا أنهن أثبتن قدرتهن على تقديم حلول مبتكرة وفعالة في مواجهة التغيرات المناخية. ففي المناطق القروية، تضطلع النساء بأدوار محورية في إدارة الموارد الطبيعية والزراعة المستدامة. ويمكن أن تكون مساهماتهن مفتاحًا لتحقيق الأمن الغذائي إذا تم دعمهن بالتقنيات الحديثة وبرامج التمويل.
أما في المدن، فقد أظهرت النساء قدرتهن على قيادة مبادرات تعاونية للطاقة النظيفة وإعادة التدوير، من خلال الاستثمار في الإمكانات التي تتيحها الصناعة التقليدية مما يجعلهن عنصرًا فاعلًا في التحول نحو تنمية مستدامة. إن قصص النجاح التي تحققها النساء في هذا المجال تؤكد أن إشراكهن في صياغة السياسات المناخية وتمويل المشاريع الصغيرة يمكن أن يحقق نتائج إيجابية ملموسة على المستويين المحلي والعالمي.
العدالة المناخية: ضرورة حقوقية وسياسية
إن العدالة المناخية ليست مجرد مفهوم بيئي، بل هي قضية حقوقية وسياسية تتطلب تكامل الجهود لضمان الإنصاف والشمولية. وتتطلب السياسات المناخية أيضا مراعاة احتياجات النساء من خلال تعزيز فرص التعليم، خاصة للفتيات في المناطق القروية، وتوفير الرعاية الصحية، وتمويل المشاريع الصغيرة التي تحقق استقلالهن الاقتصادي.
ورغم ذلك، فإن تحقيق هذه العدالة يتطلب حكومات ذات توجه اجتماعي ديمقراطي حقيقي تضع الإنسان في صلب سياساتها، بدلاً من التركيز على الربح فقط. فقد أثبتت التجارب الدولية أن الاستثمار في تحسين وضع النساء يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ككل، مما يجعل من تمكينهن أولوية استراتيجية.
أزمة المناخ والهجرة النسائية
تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء. ففي القرى النائية، يعتمد كسب العيش بشكل كبير على الموارد الطبيعية التي تتأثر مباشرة بالكوارث المناخية، مما يدفع النساء للهجرة بحثًا عن فرص أفضل.
لكن هذه الهجرة غالبا ما تزيد من معاناتهن، حيث يتعرضن لانتهاكات جسيمة تشمل الاستغلال الجنسي والعنف والإجبار على الانخراط في شبكات الجريمة المنظمة. من هنا، تبرز الحاجة إلى سياسات دولية تحمي حقوق النساء المهاجرات، سواء في بلدانهن الأصلية أو بلدان العبور أو بلدان المهجر.
الاستثمار في التعليم والصحة كركائز للاستدامة
تُعد الاستثمارات في التعليم والصحة من أهم الأدوات لمواجهة التغيرات المناخية وتقليل تأثيرها على النساء. تعزيز فرص التعليم للفتيات في المناطق النائية، وتوفير الرعاية الصحية للنساء الحوامل والأطفال، يمكن أن يحدث فرقًا جوهريًا في مواجهة الأزمات المناخية. كما أن دعم المبادرات التي تقودها النساء في مجال الزراعة المستدامة والطاقة النظيفة يعزز من قدرتهن على المساهمة في التنمية المستدامة.
نحو تضامن عالمي شامل
إن مواجهة التغيرات المناخية تتطلب تضامنًا عالميًا حقيقيًا يضع النساء في قلب الحلول. فالنساء لسن فقط متأثرات بالأزمات المناخية، بل هنّ قوة دافعة للتغيير وقادرات على قيادة جهود التنمية المستدامة.
يجب على المجتمع الدولي تبني سياسات شاملة تحقق العدالة المناخية، وتعزز من دور النساء كفاعلات في هذا المجال. فقط من خلال رؤية متكاملة تراعي الأبعاد الاجتماعية والبيئية والسياسية يمكننا بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة.
وفي هذا السياق، تدعو منظمة النساء الاتحاديات في المغرب جميع الفاعلين، من حكومات ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دولية، إلى التحرك الفوري لدعم النساء في المناطق الأكثر هشاشة، من خلال تعزيز مشاريع التنمية المستدامة، وتوفير الموارد اللازمة، وضمان تمثيل النساء في صياغة وتنفيذ السياسات المناخية. فهذا التحرك العاجل ليس خيارًا بل ضرورة ملحّة والتزام أساسي لضمان مستقبل آمن ومستدام للجميع.
* الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات